وحيدة في المحكمة الشرعيّة

ربما يسكنني بعض من لطيفة، واكيد انني ازيد عنها ببعض آخر وببعض من نسوة مطلقات او يسعين الى الطلاق دون جدوى. أين أقف من الطلاق؟  أقف على مفترقات طرق متعددة ومتفارقة ومتباعدة ايضاً، فالرجل هو الذي يتحكم بقرار الطلاق في مجتمعنا، ولا أقصد فقط الرجل-الزوج ، فالرجال من حولنا هم "من يقررون" طلاق المرأة. السؤال الذي كثيراً ما طرحته على نفسي وعلى الآخرين ومنهم قيمين على الامور في

ربما يسكنني بعض من لطيفة، واكيد انني ازيد عنها ببعض آخر وببعض من نسوة مطلقات او يسعين الى الطلاق دون جدوى. أين أقف من الطلاق؟  أقف على مفترقات طرق متعددة ومتفارقة ومتباعدة ايضاً، فالرجل هو الذي يتحكم بقرار الطلاق في مجتمعنا، ولا أقصد فقط الرجل-الزوج ، فالرجال من حولنا هم "من يقررون" طلاق المرأة.
السؤال الذي كثيراً ما طرحته على نفسي وعلى الآخرين ومنهم قيمين على الامور في المحكمة الشرعية: عندما تزوجت، وكان عمري ثلاثين سنة، إتمام عقد القران استلزم نصف ساعة، ولم يطرح علي الشيخ اي سؤال تفصيلي حول معنى الزواج وعلاقة الرجل بالمرأة وحقوقها وواجباتها تجاه الزوج والزواج عامة.
لماذا، وبعد ثمانية اعوام، وكنت قد كبرت ثماني سنين وقررت طلب الطلاق، لماذا استلزم الامر 5 سنين مريرة انقضت من عمري كمن يسرق منه قلبه ووجدانه؟
عانيت ما عانيته في المحكمة الشرعية بسبب الثغرات في القانون وقدرة الخصم على الاستفادة منها وربما رغبة القضاة في تأخير الطلاق. علاقتي بالطلاق قوية وتجربتي مع اجراءاته ربما تكون مريرة لأن وقوفي في المحكمة الشرعية وحيدة في مواجهة القيمين على الامور فيها لم تكن سهلة او بسيطة. قررت خوض الاجرءات من دون المحامي الذي كان يعمل ما بوسعه لتأجيل الدعوى وربما اتفق مع زوجي السابق. من ناحية اخرى، يسأل الموظف المحامي الخاص بك او بخصمك حين يتسلم منك ملف الدعوى فاتحاً جارورا صغيرا يقفله بإحكام في مكتبه يكتظ بالملفات "النائمة" ، كم من الوقت تريد لهذا الملف ان يغفو هنا"؟ لقد رأيت الكثير من المطلقات او الساعيات اليه يتناولن الحبوب المهدئة بعد تعرضهن للإكتئاب او الانهيارال عصبي، وقفت أمام مرآتي وقلت لها لن اتناول حبة مهدئ واحدة، فأنا اثمن من ان اسمح له ان يجعلني افقد احساسي بنفسي ...
اليوم أحس اني اقوى ولدي القدرة على اتخاذ القرار المناسب بشكل افضل. ارى ان الزواج اخذ مني الكثير واعطاني القليل، اما الطلاق، فهو تجربة غنية رغم مرارتها جعلتني اقوى وغيرت في الكثير.
ربما اكون "ربحت نفسي" وعدت الى حياتي التي كنت اعيشها وعملي واصدقائي بل وتقدمت بي الحياة الى الامام. لكن خسارتي الكبرى التي لا بد ان تكون نتيجة الطلاق، والتي قرر زوجي السابق ان اسدد فاتورتها تجاهه باعلاني رفضي له كرجل وكذكر، كان انه حرمني وبكل وحشية من ابني فلذة كبدي منذ 5 سنوات ونصف السنة، فهو لا يسمح لي برؤية ابني او التواصل معه، وهو يقوم بذلك ضمن القانون مستغلاً ثغراته. كما ان وجود متنفذ سياسي في عائلته يستدعي الكثير من "الحصانة". كل تفاصيل هذا الامر لا تهم، انا انظر الى الامر بمنظار مغاير. اذا لم يكن الزواج ناجحاً، فلماذا لا يكون الطلاق كذلك بعلاقة مسؤولة وواعية من اجل الابناء؟
هل يحب زوجي السابق ابنه فعلاً؟ هل يعمل لمصلحته؟ وإذا كان يحب ابنه، فكيف يحرمه من التواصل العاطفي والوجداني مع امه، ركيزة النمو النفسي الصحيح والحاجة الابدية الى العاطفة والحنان؟
مهما قلت فلن اعبّر عن مدى القهر الذي بداخلي والذي يعتريني كل لحظة منذ ذهاب ابني الى والده. اتساءل كيف يعوض ابني عن فقداني. كيف يعوِّض عن حاجته الي؟ كيف يملأ هذا الفراغ العاطفي؟
ربما استطيع التأقلم والانشغال بعملي وحياتي التي عملت جاهدة لكي لا اترك الفراغ يقتلني، اما هو طه، حبيبي وقرة عيني، فأعرف جيدا انه يعاني الكثير والمؤسف انه لا يستطيع البوح لوالده بهذا، هو الذي يعمل جاهداً على تشويه صورتي عنده بمختلف النواحي والمقاييس تعاونه في ذلك نساء العائلة.
نأتي هنا الى نقطة مهمة؛ المرأة في الطلاق تقسو كثيراً على المرأة. المرأة في الطلاق ضد المرأة. لقد رأيت هذه النظرة في وجوه الكثيرات من النساء حولي، منهن اخواتي على تفاوت واختلاف في الموضوع، فإحدى نساء العائلة نهتني عن خلع خاتم الزواج قبل الحصول إدارياً على الطلاق. واخرى قالت لي انه عليّ ان اشكر الله اذا كان هذا الرجل يصرف علي مبلغ 100 الف ليرة في الشهر! أما عندما كان يأتي رجل جديد يريد طلب يدي، فكنت أرى عينَي امي تلمعان فرحاً اكثر مما لو كان يريد طلب يد اختي العزباء، فأنا المطلقة هم كبير...

طرابلس ــ بيروت
ايلول ــ سبتمبر 2012


وسوم: العدد 9

للكاتب نفسه

نواعير الذكريات في حماه

لم أظن يوما ان قلمي سيفيض بهذه الذكريات. كيف لي ان انسى رائحة الخبز الطازج الخارج من فرنه، وانا اقف فتاة صغيرة في الشارع المجاور لشارع "المرأة العربية" القريب من...