يبدو الوطن العربي، في هذه اللحظة، مجموعة من الكانتونات والولايات – جمهوريات وممالك وامارات-يرعاها ويحكمها "الاستعمار الجديد" ممثلاً بالعدو الاسرائيلي، مباشرة، أو بالنيابة عن الولايات المتحدة الأميركية ومعها.
لكأننا في العام 1920، حين جرى تقاسم الوطن العربي بين "الحلفاء" المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، أي بريطانيا وفرنسا.. وقد "ورثتهما" الولايات المتحدة الاميركية، واضافت إلى البلاد التي كانت خارج المشرق أقطار شبه الجزيرة العربية والخليج: السعودية والامارات العربية المتحدة وقطر، فضلاً عن الكويت التي غامر باحتلالها صدام حسين في صيف العام 1992، ثم دفع العراق الثمن عندما "غزته" الولايات المتحدة منشئة تحالفاً عسكرياً قوياً ضم العديد من الاقطار العربية في موقع الشريك- الواجهة، قبل أن تحتله بالكامل، وتسلم صدام إلى شيعة العراق ليعدموه في مشهد منفِّر يبشر بعودة الفتنة إلى ارض الرافدين.
وها هي جيوش "السلطان" أردوغان تتقدم داخل الأرض السورية حتى ما بعد حلب، "متحالفة" مع بقايا "القاعدة" و"جند الله" وسائر التنظيمات الإرهابية، فيقاتلها الجيش السوري (بالتحالف مع فصائل من القوات الروسية المتواجدة على الأرض السورية) لإعادة تحريرها من "الاحتلال التركي" الجديد.
وها هو "بطل" الانقلاب في السودان، الجنرال عبد الفتاح البرهان، يطير إلى أوغندا في رحلة سرية، ليلتقي فيها رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويعود ليأمر بفتح أجواء السودان أمام رحلات الطيران الإسرائيلي "العال" المتجهة إلى أوروبا وأميركا.. متحديا بذلك قرارات المقاطعة العربية، ومسقطاً مقررات القمة العربية الأولى بعد هزيمة 1967 والتي انعقدت في الخرطوم، واقرت اللاءات الثلاث: "لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف".
...حتى في لبنان، تحاول الولايات المتحدة الاميركية أن تحول المبنى الجديد لسفارتها في ضاحية عوكر- شمال بيروت على مساحة 164 الف متر مربع، وكذلك المطار العسكري في قاعدة حالات إلى "محميتين أميركيتين".
هذا من دون أن ننسى أن مصر مكبلة بمعاهدات العار التي عقدها الرئيس الراحل انور السادات مع العدو الاسرائيلي في كمب ديفيد تحت الرعاية الأميركية..
ومن دون أن ننسى أن "جماهيرية القذافي" في ليبيا قد صارت اثراً بعد سنين، وأن أرضها مفتوحة الآن لكل من رغب فقدر، يستوي في ذلك بعض الخليج (قطر وأبو ظبي..) وبعض الوحدات الاميركية، وبعض الروس، وبعض الجيش المصري (ولو متنكراً) وكل من رغب واستحلى..
أما تونس فتهتز تجربتها العربية في الديمقراطية تحت ضغط الاخوان المسلمين الذين كانوا قاب قوسين من الاستيلاء على السلطة، ثم أنقذها وعي التونسيين وصلابة رئيسها الجديد قيس سعيد المتميز بالوعي وعمق الثقافة بعد تجربته الطويلة في العمل الثقافي في إطار جامعة الدول العربية.
باختصار، ليس من "دولة"عربية مستقلة فعلاً، أو يمكنها الادعاء أن قرارها حرّ، سواء أكان يتصل بالخروج على الإرادة الاميركية أو – وهذا هو لب المسألة-يتصل بضرورة العمل لتحرير فلسطين مثلاً، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي..
الخلاصة: دار الزمن بالعرب دورة كاملة فاذا بالاستعمار، جديده والقديم، يعود للهيمنة على بلادهم ومقدراتها جميعاً، وإذا العديد من دولهم تتزاحم على الصلح مع العدو الاسرائيلي (هل من الضروري الاشارة إلى أن ثلاثة من سفراء الدول الخليجية كانوا أشد المتحمسين تصفيقاً للرئيس الاميركي دونالد ترامب، وهو يعلن عودة الاستعمار إلى بلادهم كافة، وضياع فلسطين بأكملها (مع بعض الأردن) عبر صفقة القرن؟
من حق ترامب أن يزهو بهذا "الفتح المبين"، ومن حق نتنياهو أن يقف معتزاً بهذا النصر المجاني الذي يعطيه فيه من لا يملك كل ما يريد من الأرض العربية..
ملاحظة للتذكير فقط: في الاغوار توجد مدافن العديد من صحابة الرسول محمد بن عبد الله، ممن استشهد في معركة فتح دمشق، من بينهم أبو عبيدة الجراح.
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ