استكمالًا لفصول مسرحية العملية السياسية ومشاهدها الكوميدية التي اعتقدنا بامكانية تجاوزها بعد أربعة اشهر على الاحتجاجات وتقديم "القرابين" على مذبح التحرر من سلطة الأحزاب، شاهدنا عرضا جديدا بطله زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر عنوانه تسمية محمد توفيق علاوي رئيسا للوزراء، بدلا عن المستقيل عادل عبد المهدي "بتأييد من الشعب"، كما وصفته تغريدة السيد الصدر، التي سجلت تناقضًا واضحا في مضمونها، ليرد عليها المتظاهرون بالتصعيد السلمي رفضا لمصادرة حقوق ساحات الاحتجاج باختيار البديل، وإخضاعها للتوافقات بين القوى السياسية.
للمرة الثالثة يخطئ السيد الصدر بحساباته فبعد ان قرر الانسحاب من التظاهرات في محاولة لإثبات قدرته على التحكم بالساحات وانهاء الاحتجاجات، لكنه فوجئ باستمرارها وزيادة أعداد المشاركين فيها، وحينما عاد بطريقة القائد الشعبي وقدم النصائح للمتظاهرين بعد ادراكه بفقدان السيطرة عليها وخروجه خاسرًا من "الرهان" امام القوى التي تعهد لها بانه يمتلك مفتاح الحلول للازمة الحالية، لكن السيد الصدر عاد مرة أخرى ليتحدث "باسم الشعب" بعد اتفاقه مع تحالف الفتح على تقديم محمد توفيق علاوي كرئيس للوزراء، مع تجاهل متعمد لموقف المحتجين الذي اثبت للسيد الصدر بانه خارج حساباته للمرة الثالثة، فلم يجد زعيم التيار الصدري غير الاستعانة بأنصاره لفرض "سياسة الأمر الواقع" بالدخول الى ساحة التحرير ومصادرتها بعد السيطرة على المطعم التركي بأساليب "حضارية" استخدمت خلالها العصي والهراوات (التواثي) كتعبير عن سلمية قرارات السيد الصدر ورغبته بالتغيير.
قد يكون التيار الصدري فرض نفسه بالقوة على قرار الشعب، لكنه لا يدرك بانه وزعيمه مستمر بالخسائر مرة بعد أخرى، فجميع تلك الخطوات أضعفت "الرمزية" التي كان يتمتع بها السيد الصدر لدى الجميع لكونه رجلا دينيا بعيدا عن "اطماع السياسة ومصالحها" ليتحول الى زعيم كتلة سياسية لا يختلف كثيرًا عن القيادات التي جاءت بعد 2003، بحثا عن المناصب وليس "زعيمًا وطنيًا" كما تعود "عباد الله" على تسميته، ليقع هذه المرة "بالفخ" الذي نصبه قادة القوى السياسية من خلال جعله بمواجهة الشعب واعتباره "خصما" وليس صديقًا يمكن الاستعانة بقوته وقاعدته الجماهيرية لاستعادة الحقوق المسلوبة وبناء الدولة من دون تدخلات خارجية.
منطقان متضادان: العراق بمواجهة إيران وأمريكا
18-01-2020
ما حصل.. ليس اعتراضا فقط على طريقة تكليف علاوي برئاسة الوزراء، إنما القضية تتعلق بصفات رئيس الوزراء الجديد الذي ينطبق عليه اول تحذير أطلقته المرجعية الدينية حينما دعت إلى الابتعاد على "اختيار الشخصيات الجدلية" وهذه نقطة لا يمكن تجاهلها بشخص محمد توفيق علاوي، كما انه لا يختلف كثيرا عن سلفه عبد المهدي في خضوعه للقوى السياسية، وإطلاقه التعهدات من دون وضع الطرق المناسبة لتحقيقها، كما ابلغنا خلال خطاب تكليفه، بانه سيحاسب المتورطين بقتل المتظاهرين، ليصافح بعدها مدير مكتب رئيس الوزراء المستقيل ابو جهاد الهاشمي الذي كان حاضرا خلال التكليف، وهو اول المتهمين بالوقوف وراء إصدار قرارات قتل المحتجين، ليضعنا هذا الموقف أمام العديد من التساؤلات عن قدرة علاوي على تنفيذ جميع تعهداته وهو الذي جاء بصفقة بين زعيم تحالف الفتح هادي العامري والسيد الصدر، بطريقة مشابهة لاتفاق اختيار عبد المهدي التي أوصلتنا تعهداته إلى حكومة وصفت بانها "ألافشل" بعد 17 عاما على التغيير، ومن يراجع طلب استقالة علاوي حينما كان وزيرا للاتصالات، سيكتشف بان مستشارته "الست هيام" كانت السبب، بعد فشله بإيقاف تدخلاتها بقرارته، وهذا مثبت بكتاب استقالته، فمن عجز عن مواجهة مستشارته، كيف سينفذ تعهداته بتحقيق مطالب المتظاهرين؟.
الخلاصة.. إن الطريقة التي فرض زعيم التيار الصدري، علاوي كرئيس للوزراء من خلال مصادرة حقوق ساحات الاحتجاج وعمليات الترهيب كما حصل في المطعم التركي وطريقة الاستيلاء عليه باستخدام العصي (التواثي) يتطلب من السيد الصدر "اعتذارا صريحا" وادانة لتلك التصرفات التي وفرت "مادة دسمة" لانتقاد التيار الصدري وتقديمه كمجموعة من "الشقاوات"، قبل ان يتحول التصعيد المستمر في ساحات الاحتجاج إلى ردة فعل لا يمكن السيطرة عليها.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. ماهي قيمة صفقة وصول علاوي لرئاسة الوزراء؟...