منذ إصابة المرجع الديني الأعلى السيد على السيستاني بكسر في فخذه الأيسر تتزاحم مواقع التواصل الاجتماعي بجميع مسمياتها ووسائل الاعلام برسائل القوى السياسية وقياداتها التي تدعو للمرجع بالشفاء وان يجبر كسره بأسرع وقت، لكونه احدث كسرًا في قلوبهم كما يدعون، لكنهم تناسوا كيف "كسروا كلامه وتوصياته" في اكثر من مناسبة منذ خطوات تشكيل الحكومة واختيار الاكفاء وصولًا إلى التعامل مع المتظاهرين الذين وصفهم "بالاحبة"، وضرورة ايجاد بديل "غير جدلي" لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، حتى في اخر خطبة بعد مغادرة المرجع للمستشفى حينما دعا لاختيار "حاكم صادق" استمر هؤلاء "بكسر كلامه" والبكاء على كسر ساقه.
لكن المرجع تجاهل جميع تلك الرسائل وأوصل خطابه بشكل واضح لجميع القوى السياسية من خلال تمسكه بالدعاء للعراق والعراقيين رغم وضعه الصحي، وكأنه يريد القول بان الاهتمام بمشاكل "عباد الله" وإيجاد الحلول لها أفضل من دعوات لا تحمل معها صدق النوايا، فقضية التظاهرات الشعبية تجاوزت شهرها الثالث من دون إصلاحات او حلول تدفع المحتجين للعودة إلى منازلهم رغم تقديمهم اكثر من 600 شهيد وعدداً يقترب من 23 الف جريح، وعمليات الاختطاف للناشطين والاعتقالات المتكررة التي يجبر بعدها المفرج عنه الجلوس في منزله وعدم المشاركة او حتى الحديث عن "نصرة" الاحتجاجات، فالسلطة استخدمت جميع وسائل الترهيب والحرب النفسية لإنهاء تلك التظاهرات او الالتفاف على مطالبها من خلال افتعال الأزمات كمحاولة الدخول طرف في الصراع الإقليمي بين واشنطن وطهران لتوفير "الحجة" بان البلاد تواجه ازمة خارجية تحتاج إلى "التغاضي" عن الإصلاح الداخلي ومنها قضية رئيس الوزراء التي تسعى بعض القوى السياسية لإلغائها من قاموس المحتجين او تأجيلها لغاية في نفوس قياداتها.
____________
من دفاتر السفير العربي
العراق ينتفض: أريد حقي، أريد وطناً!
____________
ومع تلك التحركات خرج زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الذي يشكل دعمه للتظاهرات الشعبية قوة لا يمكن تجاهلها، بدعوة لتظاهرة مليونية حددها بيوم الجمعة المقبل، للتنديد بالوجود الأمريكي بعد تغريدات هاجم فيها واشنطن والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدايتها كانت بعد اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس والجنرال قاسم سليماني، الأمر الذي شكل تغييرًا في خطاب السيد الصدر منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح، لاسباب عدّة في مقدمتها، قد يكون السيد الصدر ادرك جيدا بان فرض سيطرته بشكل كامل على ساحات الاحتجاج كما في التظاهرات السابقة اصبح أمرا مستحيلا، وهو ما دفعه لإيجاد البديل الذي يستطيع من خلاله إيصال رسالته للجهات التي يخاطبها، صحيح ان الهدف الذي يسعى لتحقيقه السيد الصدر باستعادة سيادة البلاد وطرد القوات الأجنبية المحتلة قضية تحظى بتأييد الجميع، لكن الاختلاف يتركز في آليات تطبيقها والتوقيت، وخاصة بعد اعلان فصائل المقاومة تأييدها للتظاهرة ومطالبة انصارها بالمشاركة فيها، وهو ما شكل مخاوف حقيقية لدى المشاركين بالاحتجاجات الشعبية، بسبب تجارب سابقة استغل خلالها أنصار تلك الفصائل دخولهم ساحات الاحتجاج لإرباكها، كما حصل في الخامس من شهر كانون الأول عام 2019.
ورغم إرسال السيد الصدر العديد من رسائل التطمين للمحتجين آخرها تغريدته التي ابلغنا فيها بان "التظاهرتين نوران من سراج واحد يوقدان من شجرة الإصلاح المباركة"، وختمها مخاطبًا المحتجين "فلا انتم خارجيون ولا نحن تبعيون بل نحن واياكم عراقيون ما حيينا"، لكن مخاوف استغلال مليونية الصدر مستمرة ولا يمكن الابتعاد عنها فالقيادي المحسوب على الحشد الشعبي محور الشمال علي الحسيني خرج علينا بمقطع فيديو يهدد ويتوعد المتظاهرين، بان مشاركتهم في التظاهرة المليونية ستنتهي باغلاق ساحات الاحتجاج التي وصفها بساحات "الذل والدعارة" وأعاد الاتهامات ذاتها التي تطلقها وسائل الاعلام التابعة لبعض الجهات حينما وصف المتظاهرين بالجوكر وتحدث عن "عمالتهم لأمريكا"، فجميع تلك النقاط تثير مخاوف المحتجين الذي لم يجدوا فرصة بعد شعورهم بوجود تحرك لإنهاء تظاهراتهم سوى الاستباق بتصعيد سلمي، بعد مهلة اطلقها المتظاهرون في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار حددت فيها مطالبها التي يجب على القوى السياسية تلبيتها باختيار رئيس الوزراء البديل قبل صباح يوم الاثنين، (20 كانون الثاني 2020)، وأيدتها جميع ساحات الاحتجاج التي اعتبرتها فرصة لاستباق مليونية السيد الصدر المعروفة نتائجها مسبقًا.
الخلاصة.. ان التظاهر حق مكفول للجميع لكن في بعض الحالات قد تكون نتائج تلك التظاهرات معروفة ولا تحتاج لدليل، فواشنطن وجميع الأطراف تعلم بان هناك العديد من الجهات وبمقدمتها التيار الصدري وفصائل المقاومة وحتى من المواطنين يرفضون الوجود الأمريكي، لذلك فان الهدف من التظاهرة المليونية لا يخرج عن كونه استعراض جديد للقوة، لا نحتاجه في الوقت الحالي، بقدر حاجتنا لترميم البيت من الداخل وإيجاد "الحاكم الصادق" الذي دعت المرجعية لاختياره، وتلبية مطالب المتظاهرين، وبعدها ستجد الجميع يخرج لصيانة السيادة التي خرقتها "حماقات" بعض القيادات السياسية، اخيرا... السؤال الذي لابد منه.. هل سنصل لمليونية الصدر بعد انتهاء المهلة؟