مجلة "الفتاة" لصاحبتها هند نوفل، هي أول مجلة عربية تخاطب النساء بوجه خاص وتهتم بشؤون المرأة. وتنتمي هند إلى عائلة مسيحية، والدتها مريم النحاس (1856-1888) مؤلفة كتاب "معرض الحسناء في تراجم مشاهير النساء"، ووالدها نسيم نوفل (1846-1903) من فضلاء طرابلس الشام، وله عدد من المؤلفات والأعمال الأدبية، وكان يتولى إدارة مكتب المجلة. وقد هاجر الأبوان إلى مصر في سبعينيات القرن التاسع عشر واستقرا في الإسكندرية حيث أصدرت هند مجلتها التي ظهر عددها الأول في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1892 والأخير في 16 آذار/ مارس 1894.
وقد تلا "الفتاة" في الظهور عدد كبير من المجلات النسائية، أصدرها نساء ورجال شوام ومصريون، وصل عددها إلى ما يقرب من 30 جريدة ومجلة وفقاً لما ذكرته الباحثة بِث بارون في كتابها "النهضة النسائية في مصر: الثقافة والمجتمع والصحافة" (ترجمة لميس النقاش، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999). معظم هذه المجلات لم يعمر طويلاً لأسباب اقتصادية أو عائلية. فقد توقفت "الفتاة" على سبيل المثال بعد زواج هند بأشهر حيث "انسحبت إلى حياتها الأسرية والمنزلية واقتصر نشاطها على الأعمال الخيرية". ولكنّ عدداً قليلاً استطاع الصمود لفترات طويلة مثل "أنيس الجليس" (1898-1908) لألكسندرا أفيرينوه، و "الجنس اللطيف" (1908-1925) لملكة سعد، أما أطولها عمراً فكانت "فتاة الشرق" (1906-1939) للبيبة هاشم.
وتشير بارون إلى أن الصحافة النسائية نشأت مع ظهور المطابع الخاصة تقريباً، وفي وقت كانت الصحافة العربية بوجه عام في مصر مزدهرة لأسباب سياسية واقتصادية، وجاءت نشأتها استجابة للاهتمام المتزايد بشؤون المرأة ونمو عدد النساء القارئات، وكانت منبراً لطرح ومناقشة قضايا مثل الزواج والطلاق، والحجاب والعزلة، والتعليم والعمل، كما قدمت نصائح خاصة بشؤون المنزل والأسرة، وكذلك مواد ترفيهية. وتشير الباحثة كذلك إلى أن فكرة إصدار مجلات متخصصة في شؤون المرأة، مثلها مثل فكرة إنشاء مجلات وجرائد بالعربية، فكرة قادمة من الخارج، حيث ظهرت المجلات النسائية في أوروبا وأميركا قبل قرن ونصف القرن من تاريخ نشأتها بالعربية. وعلى الرغم من الاختلافات المهمة بين المجلات في البلدان المختلفة، وبين المجلات في البلد الواحد، إلا أنه كان هناك نسق عام وحّد بينها حيث كان الاهتمام المشترك بالأسرة والزواج والتأكيد على دور وعمل المرأة الأسري والمنزلي.
وقد أعادت مؤسسة "المرأة والذاكرة" بالقاهرة نشر أعداد مجلة "الفتاة" في مجلد واحد صدر عام 2007، اعتماداً على نسخة مصورة من جامعة "ييل" الأميركية حيث توجد أعداد كاملة من المجلة.
كتبت هند نوفل في افتتاحية الجزء الأول: "الفتاة هي جريدة علمية تاريخية أدبية فكاهية مختصة في جنسها مبتكرة تحت سماء الشرق بموضوعها، لا غرض لها في الأمور السياسية، ولا منزع فيها إلى المشاحنات الدينية، ولا غاية لها من البحث في مواضيع لا فائدة منها للنساء.. فإن مبدأها الوحيد هو الدفاع عن الحق المسلوب والاستلفات إلى الواجب المطلوب"، وأن المجلة سوف تهتم بـ "حالة المرأة ومركزها الطبيعي في الأزمنة الغابرة والقرون المتوسطة وما وصلت إليه في هذا العصر، عصر التمدن والآداب، سواء كان في العلم والآداب، أو في الطباع والأخلاق، أو الملابس والأزياء، أو التربية وحسن الإدارة، أو كل ما هو لازم لها من الخياطة والتطريز والتخريم والنقش والرسم والتصوير وأشغال الإبرة كافة مع ترتيب المنزل وتربية الأولاد.. ملتمسة من الخواتين الفاضلات والسيدات الأديبات أن يعتبرن الفتاة جريدتهن الوحيدة في الشرق، فهي تعرب عن أفكارهن وتبث مكنونات صدورهن وتدافع عن حقوقهن.. وأن لا يتوهمن بأن مكاتبة الجرائد يحط من مقام العفاف أو يمس الطهر والآداب. كلا، فإن أعظم نساء الإفرنج علماً وأدباً وأرفعهن حسباً ونسباً هن محررات بعض الجرايد".
وبنظرة عامة إلى المجلة بأجزائها الاثني عشر نجدها اهتمت بنشر مقالات عن شخصيات نسائية، تاريخية ومعاصرة، مثل "جلالة فيكتوريا ملكة إنكلترا المعظمة"، التي تضمن الجزء الأول مقالاً عنها، كما ذُكِرَت في أجزاء تالية وصُدِّر الجزء الثامن بصورة لها، ونساء حققن إنجازات علمية أو أدبية أو فنية وكان لهن دور في خدمة مجتمعاتهن، وأغلبهن من الأوروبيات والأميركيات. كما اهتمت المجلة بنشر أخبار الزيجات والأفراح والمواليد والوفيات، وبعضها أخبار عائلية، حتى أن المجلة اعتذرت لقرائها عن تأخرها في الصدور مرة بسبب خِطبة هند وأخرى بسبب إكليلها. وتضمنت بعض الأخبار والموضوعات المنقولة عن جرائد أخرى عربية وأجنبية. وهناك موضوعات عن عادات الزواج لدى الأمم الأخرى، وأخبار عن الإصدارات الحديثة من الكتب أو الجرائد. كما نشرت رسائل وتقريظاً للمجلة وصاحبتها، نثرية وشعرية، وردتها من عدد من القارئات، منهن عائشة التيمورية وزينب فواز التي كانت وكيلة المجلة في مصر. بالإضافة إلى باب تدبير المنزل. وقد غلب على المقالات أسلوب الإطناب والسجع، والثناء على "مولانا السلطان الغازي عبد الحميد خان وحضرة سمو خديوينا المعظم عباس حلمي الثاني، وصاحبة الدولة والعصمة والعفاف والدة الجناب العالي".
وبطبيعة الحال اهتمت المجلة بقضية تعليم المرأة، وأكدت على أهميته وأن المرأة بعلمها وأدبها لا بزينتها، فنجد مثلاً في الجزء الثالث مقالة بعنوان "العلم والعمل" لكاتبة من طنطا تقول فيها: "من أهم الواجب تعليم الفتيات لا سيما اللغة الوطنية لأن الإبنة غير المتعلمة تعيش فاقدة لذة الحياة ومهما تعلمت من الأشغال العملية والأمور البيتية فلا يكفيها ولا يغنيها شيء عن المعرفة العلمية المنعشة التي هي أساس التربية العقلية، ولا يجب أن ننسى بأن النجاح والعمران والتقدم والترقي متوقف على همم النساء، ولكن من أين تأتي الهمة بدون أن تكون العقول منتعشة بروح العلم". ومقالة أخرى لزينب فواز بعنوان "العلم نور"، تتحدث فيه عما رأته عندما زارت إحدى صديقاتها لتهنئتها بمولود جديد حيث وجدت بمنزلها جمعاً غفيراً من النساء ودار بينهن حوار يكشف عن جهل متفشٍ بين النساء في ذلك العصر. فبالنسبة لجدة المولود، الصبي أفضل من البنت التي تبكي الملائكة يوم وجودها في الحياة، وتعليم البنت مكروه عند المسلمين ولا يجوز أبداً. وهي تعتمد على زوجها "الأفندي" في استقاء معلوماتها وتصر على صحة معلومة خطأ لمجرد أن زوجها هو من أخبرها بها، فبالنسبة لها "الأفندي عارف وهو الذي أخبرني أن القراءة مكروهة للنساء".
وجاءت افتتاحية الجزء الرابع بعنوان "الحياء" ومقارنة بين حياء الشرقيات وحياء الغربيات اللائي "أسفرن البراقع عن الوجوه وبرزن من الخدور وهن كالبدور"، ولا يعني تمتعهن "بالحرية الأدبية في الهيئات العمومية والنوادي العلمية والمسارح التمثيلية" تخليهن عن الحياء، فالحياء لدى هذه الأمم مرعيّ بأحكام العلوم والمعارف لا بأحكام التقليد والإرهاب. وبينما نجد الأميركيات "يتسابقن إلى العلوم والمعارف بملء الرغبة والنشاط.. وقلما تجد منهن واحدة في هيئة اجتماعية ما لم تباحثك وتناظرك في المواضيع العلمية والفنية والرياضية"، نجد الشرقيات إذا اجتمعن في منزل لم يتعد حديثهن حدود ما ابتكرته الخيّاطات والأكل والشرب والقيل والقال.
وفي الجزء نفسه رسالة من "حكيمة بمشفى القصر العيني" بمصر تطلب من مديرة المجلة "أن تفسح لها مجالاً لتبث ما يخطر بالبال مما يلزم للجنس اللطيف من متعلقات النظام الصحي"، وقد نُشِرت لها بالفعل مقالة في الجزء التالي بعنوان "الصحة في الجنس اللطيف".
كما تضمن الجزء رسالة من كاتبة فرنسية تهنئ "هند" بمجلتها، "باكورة الجرائد النسائية في الشرق"، مع مقال لها بعنوان "مكان النساء الاجتماعي والسياسي من القانون الحديث"، تعريب حضرة الفاضل الأديب خليل أفندي مطران.
ومن المقالات اللافتة مقالة بعنوان "إنهاض الغيرة الوطنية لترقية البضائع الشرقية" لكاتبة من بيروت تنتقد فيه أن "نبيع الأجانب محصولات البلاد من حرير وصوف وما شاكل بأبخس الأثمان ونستردها منهم بدفع ثقلها ذهباً فيكون الربح لهم لا لنا، فكان جديراً بنا إتقان صنائع البلاد على أنواعها الشتّى والاستغناء عن السلع الأوروبية"، وتدعو القرّاء من الرجال والنساء إلى "نبذ البضائع الإفرنجية وصرف الاهتمام إلى الصنائع والمنسوجات الوطنية".
كذلك، اهتمت المجلة بالرد باستفاضة على ما كتبه بمجلة الهلال "حضرة الأديب الفاضل الدكتور أمين أفندي خوري" الذي قال إن اللواتي اشتهرن من النساء هن من فلتات الطبيعة كجسم حيوان برأس إنسان أو رجل برأسين، حيث تعلّق "الفتاة" بأن التاريخ أكبر شاهد وأعظم دليل على وجود مئات بل ألوف من النساء اللواتي بارين أعاظم الرجال بالحكمة والبسالة والفضل ومحاسن الأعمال، فضلاً عن اللواتي اشتهرن في هذا العصر.
تعطينا هذه المقتطفات صورة عامة عمّا كانت عليه المجلات النسائية العربية في أواخر القرن التاسع عشر وحتى العقود الأولى من القرن العشرين، وهي تختلف عن نظيرتها المعاصرة بدرجة ما من حيث الاهتمامات وبدرجة أكبر من حيث الأسلوب وطريقة التناول، وهو أمر متوقع مع اختلاف ظروف العصر.. إلّا أن هذه الآراء التي تحط من قدر النساء والتي يمثلها كاتب الهلال ما زالت قائمة في مجتمعاتنا حتى يومنا هذا، بالرغم من مرور أكثر من قرن من الزمان.