"جمع ذيل: ذيلات، جمع بئر: بؤور
مبتدأ مجرور بالفتحة
جمع تكسير سالم وعلامة إعرابه الواو والكسرة
تعبير جميل يدل على أنه تعبير جميل وجمال التعبير"
كانت هذه إجابات تلميذ بالصف الرابع الابتدائي بإحدى المدارس المصرية عن أسئلة اختبار أسبوعي تجريه معلمة اللغة العربية للتلاميذ. هكذا جَمَعَ المفرد، وأعرَبَ الكلمة، وعبّر عن وجه الجمال في إحدى عبارات القطعة التي وُضعت عليها أسئلة الاختبار. تقول المعلمة إنّ هذا التلميذ يعبر عن حالة عامة، إذ دائما ما تمتلئ كتابات التلامذة بالأخطاء الإملائية والنحوية والأسلوبية، كما أنهم يخلطون الفصحى بالعاميّة أثناء الكتابة.
العربية بلا تذوق
وبالنسبة لهذا التلميذ ولملايين غيره، فإنّ اللغة العربية مادة صعبة ينفرون من دراستها. وكيف يقبلون عليها وهي تُقدَّم إليهم جافّة ومعقدة ومثقلة بالقواعد والمصطلحات والمعلومات التي ليس لها علاقة مباشرة بتعلم اللغة وإتقان مهاراتها (الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة)، مما يحول دون تذوق جمالها؟ فبالنسبة للأدب والنصوص على سبيل المثال، والتي من المفترض أنها تستهدف تكوين الذوق الأدبي والنقدي لدى الدارسين (بصورة تدريجية وفقا للمرحلة التعليمية)، والكشف عن الميول والمواهب الأدبية وصقلها، يجد الدارس نفسه مطالَبا بحفظ النص من دون فهمه واستيعابه بصورة تامة (وبعض النصوص لا يُطلَب حفظها)، ثم حفظ معاني المفردات ومواطن الجمال كما وردت في الكتاب أو مذكرة الدرس الخصوصي، وفي المرحلة الثانوية يُكدّس المقرر بمعلومات عن تاريخ الأدب في العصور المختلفة وعن المدارس الأدبية وخصائصها.. إلخ ويطلب من الدارس حفظها كذلك، ليسرد ما حفظه في ورقة الإجابة عند الامتحان. وفي حالة النسيان أو مواجهة سؤال "مبتكر" لم يمر عليه من قبل فإنّه يلجأ إلى "تأليف" عبارات على غرار تلك التي حفظها بدلا من التعبير بحريّة عما استشعره من جمال في النص، لأنه أصلا لم يُعطَ الفرصة كي يفهم ولم يتعلم كيف يتذوق النص وكيف يعبر عن إحساسه به.
اللغة ممارسة لا قواعد
أما بالنسبة للنحو فهو دائما محل شكوى من جانب الطلاب الذين يضيقون بكثرة قواعده وتعقدها كما أنهم قد لا يرون فائدة أو جدوى من تعلمه لأنهم لا يستخدمونه في حياتهم اليومية. وقد بُذِلَت الكثير من الجهود من أجل تيسير النحو على الدارسين، على اعتبار أن الهدف من دراسة النحو هو أن يصبح الدارس متمكنا من استخدام اللغة قراءةً وكتابةً وتحدثًا بصورة صحيحة دون أخطاء و"ليس غاية في ذاته" كما يقول د.علي مدكور في كتابه "تدريس فنون اللغة العربية"، وإنما هو إحدى وسائل تقويم اللسان والقلم، إلى جانب وسائل أخرى كالبيئة اللـُّغوية الصالحة، وكثرة المران على الاستماع والكلام والقراءة والكتابة. رغم ذلك فإننا نجد مقررات اللغة العربية لا سيما في المرحلتين الإعدادية والثانوية، تركز على القواعد النحوية بفروعها وتعقيداتها، يدرسها الطلاب بصرف النظر عن حاجتهم لكل هذه القواعد في كلامهم أو كتاباتهم. يدعو الباحث إلى ضرورة التفكير في تغيير الأساس الذي يقوم عليه اختيار قواعد النحو المقررة بحيث يتعلم التلميذ ما يحتاج إليه فعلا.
الفكرة نفسها يؤكدها د. أحمد هيكل في كتابه "في الأدب واللغة"، حيث يشير إلى أن الهدف الأساسي من تعليم اللغة العربية في المراحل قبل الجامعية هو تكوين المَلَكة اللغوية بحيث يستطيع من يُتِمّ هذه المراحل أن يستعمل العربية استعمالا سليما على مستوى النطق والكتابة والقراءة، ولكنّ المناهج تزدحم بقواعد النحو والصرف ومصطلحات البلاغة والنقد التي تستغرق وقتا وجهدا كبيرين، وذلك على حساب دروس الاستماع والتعبير، وهو ما يحول في نهاية الأمر دون تحقيق الهدف الأساسي.
فالمناهج تركز على تلقين القواعد النحوية والصرفية ولا تهتم بالقدر الكافي بالممارسة التطبيقية، رغم أن القواعد وحدها لا تُعلِّم اللغة وإنما تعلِّمها الممارسة (ومن أهم وسائل ممارسة اللغة داخل المدرسة الأنشطة المختلفة كالإذاعة والصحافة والنشاط المسرحي وغيرها، ولكنها شبه منعدمة داخل مدارسنا). ويؤكد د.هيكل أن القواعد المطلوبة لسلامة الحديث والقراءة والكتابة ليست كثيرة وينبغي اختيار الضروري منها التي تساعد فعلا على سلامة اللسان والقلم والاكتفاء بها في مرحلتيْ التعليم الإعدادي والثانوي، لأن الهدف هنا ليس إعداد متخصصين في علوم النحو والصرف. ويشير إلى ضرورة إقراء التلاميذ وتحفيظهم ما يناسب مستواهم من النصوص العربية المختارة وجعلهم يتذوقونها ويعرفون الأنماط التركيبية اللغوية التي تحويها، بحيث يمكنهم بعد ذلك أن يقيسوا على تلك الأنماط حين يقولون أو يكتبون دون أن يقعوا في الخطأ ودون الحاجة إلى حفظ قواعد معقدة.
معلمو اللغة العربية
ثمّة ضعف عام في مستوى معلمي اللغة العربية، والواقع أنه يمكن النظر إلى هؤلاء المعلمين كضحايا للمنظومة التعليمية الحاليّة، مثل تلاميذهم، لأنهم كانوا طلابا يوما ما. فهم لم يتلقوا الإعداد اللُّغوي الكافي منذ التعليم الأساسي حتى الجامعي، كما أنهم لم يتلقوا تدريبا كافيا على مهنة التدريس أثناء الدراسة الجامعية، وهؤلاء التحقوا بكليات اللغة العربية وأقسامها مضطرين، وليس بِناءً على اختيار حر لأن مجموع العلامات هو الحاكم دائما وليس أي شيء آخر، ويكون همهم – كغيرهم - الحصول على الشهادة ثم الوظيفة التي يؤدونها من دون حب أو وعي بأهمية دورهم. وحتى بالنسبة للدورات التدريبية التي تُنَظَّم للمعلمين لتحسين أدائهم، فإنها غالبا ما تكون مجرد محاضرات نظرية تحتوي على كلام مكرر، يتسابق المعلمون على الالتحاق بها من أجل الحصول على "شهادة" (أيضا) وإثبات ذلك في ملفهم الوظيفي للاستفادة منه عند الترقي، دون أن تؤدي هذه الدورات إلى تحسن حقيقي في الأداء، لا سيما مع استمرار المنظومة بمكوناتها الأخرى نفسها.
وإذا كانت الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع معقدة ومتشابكة، فإن ذلك لا يعني أن الحل مستحيل، لكنه يحتاج إرادة حقيقة للتغيير والإصلاح على مستوى المناهج وطرق التدريس وإعداد المعلم وأساليب التقويم التي يجب أن تجمع بين الشفهي والتحريري لا أن تركز على التحريري فقط، وأن تُترجَم هذه الإرادة في صورة خُطط وإجراءات تنفيذية مبنية على الأبحاث العلمية الكثيرة التي أنجزت أو يمكن أن تنجز، وليس على مجرد تغييرات عشوائية شكلية، أو كما يصفها البعض: "ترقيع" تحت مُسمّى التطوير.