تحت عنوان "أوقفوا الإخفاء القسري" و"الإخفاء القسري جريمة"، أطلقت حركات سياسية وجمعيات حقوقية في مصر حملات تدوين إلكترونية للتعريف بضحايا الإخفاء القسري وظروف اختفائهم، ولمطالبة السلطات والأجهزة الأمنية بالكشف عن مصيرهم وأماكن احتجازهم، وذلك تكثيف للحملة بدءا من "اليوم الدولي لضحايا الإخفاء القسري" في 30 آب/أغسطس الماضي. أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات بيانا صحافيا في ذلك اليوم، تحدثت فيه عن زيادة وتيرة جريمة الإخفاء القسري بعد "30 يونيو 2013"، حيث أصبحت السلطة تمارسها بصورة مستمرة. وهناك مئات الأسر فجعت باختفاء أحد أفرادها ولا تعلم بمصيره. وما يحدث أنه يتم اختطاف الفرد أو القبض عليه من منزله أو من مكان عمله أو توقيفه في الشارع، ولا تتاح له إمكانية الاعتراض أو الاتصال بعائلته أو طلب المساعدة القانونية، كما لا تعلن جهة القبض أو الاختطاف عن نفسها، ولا يتم توضيح سبب الاعتقال للشخص نفسه أو لعائلته. وتتضمن المعاملة اللاإنسانية من قِبَل الأجهزة الأمنية الإهانات اللفظية والتعذيب بشتى الوسائل لانتزاع اعترافات معينة من المخفي قسريّا. والسائد الآن هو احتجاز الشخص في أحد الفروع الأمنية طوال فترة الإخفاء، قبل نقله لأحد السجون سيئة السمعة، وأشهرها "سجن العقرب" شديد الحراسة، وسجن "استقبال طره" بمنطقة سجون طره. وفي العديد من الحالات يلقى المخفـي حتفه أثناء التعذيب في الفرع الأمني، أو أثناء وجوده في السجن، إما نتيجة التعذيب أو لظروف الاعتقال اللاإنسانية، أو يقتل بشكل تعسفى نتيجة أحكام عسكرية ظالمة لم تتوفر فيها معايير المحاكمة العادلة والمنصفة، وفق بيان المفوضية.
ووفقا للأمم المتحدة: يُعرّف الإخفاء القسري بأنه "القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم، أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر، على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها، أو على أيدي مجموعة منظمة أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون"، وهو يشكل انتهاكا كبيراً لحقوق الإنسان وجريمة دولية بحق الضحايا الذين تهدر حقوقهم في الحرية والأمن، وفي عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المُهينة، وفي الحياة، وذلك في الحالات التي يُقتل فيها الشخص المخفـي، وحقه في محاكمة عادلة وفي الضمانات القضائية، إذ يُقصَى الضحايا عن دائرة حماية القانون ويُحرَمون من جميع حقوقهم ويقعون تحت رحمة آسريهم كما تعاني أسر الضحايا معنويّاً وماديّاً. ويُستُخدم الإخفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب داخل المجتمع، فالشعور بانعدام الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب الضحايا، بل يصيب أيضا مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل.
وكان تقرير صادر عن التنسيقية المصرية للحقوق والحريات بعنوان "وراء الشمس- تقرير يرصد ظاهرة الإخفاء القسري للمواطنين خلال النصف الأول من عام 2015"، قد أشار إلى تعرض 1023 مواطنا للإخفاء القسري خلال الفترة من 1 كانون الثاني / يناير حتى 30 حزيران/ يونيو 2015. وتتوزع الحالات على معظم محافظات الجمهورية، وكانت محافظات شمال ووسط الجمهورية هي الأكثر نصيبا، حيث بلغ العدد في محافظة الغربية 293 حالة تلتها البحيرة (152) ثم القاهرة (108). "وهذا ما أمكن رصده فقط وليس كل الحالات" كما يقول التقرير.
وفي تقرير آخر أعده "مركز النديم" اشتمل على الانتهاكات التي تمكّن المركز من رصدها ومما نُشِر بالإعلام الورقي والإلكتروني خلال شهر آب/أغسطس الماضي، بلغ عدد حالات الإخفاء القسري 38 حالة بينهم 17 طالبا، وتنوعت أماكن اختطاف الضحايا: المنزل، محطة مترو عين شمس، محطة قطار بني سويف، كمين في شبرا الخيمة، في الطريق إلى الجامعة، من النيابة، من الزنزانة في سجن طره.
ومن حالات الإخفاء القسري المرصودة:
• أسماء خلف (27 عاما - طبيبة) اختُطفت من أمام المستشفى الذي تعمل به بأسيوط في نيسان/ إبريل 2014، بعدها علمت أسرتها بطريق غير رسمي أنها محتجزة لدى الأمن الوطني. رحلة بحث طويلة قامت بها الأسرة وبلاغات وشكاوى عديدة تقدمت بها لجهات قضائية وحقوقية دون جدوى. في رمضان الماضي، استُدعِي شقيقها إلى قسم الشرطة لسؤاله بخصوص شكوى تقدم بها، وهناك وعده أحد مسؤولي المباحث بأن يسمع أخبارا سارة عن شقيقته قريبا، لكن حتى الآن لا يعلم ذووها مكان احتجازها أو أسباب القبض عليها، ولم يُمكَّنوا من رؤيتها أو الاتصال بها. تُوفِّيَ والدها أثناء فترة إخفائها. (صفحة على الفيس بوك باسم "الدكتورة أسماء خلف - طبيبة الخير" يديرها شقيقها).
• "أحمد عبد الحكيم مصباح (20 عاما) تم اختطافه من منزله، وإخفائه في مكان غير معلوم ، ثم ظهر أخيراً ولكن.. "جثة"، حيث أعلنت وزارة الداخلية اليوم تصفية عدد من "الإرهابيين"، وتم ذكر اسم أحمد من بينهم، وادعت الوزارة أنه قتل في "اشتباكات حدثت أثناء القبض عليه في مطاردة بالمقابر"، (صفحة "حركة شباب 6 إبريل" –منشور في 29 آب/ أغسطس)
• محمد طارق (15 عاما) بعد أسبوعين من اختطافه ظهر وعليه علامات التعذيب من أثر الكهرباء والضرب، ونشر اسمه في إحدى الصحف كأحد أفراد خلية إرهابية، (صفحة "الحرية للجدعان").
• أحمد الوليد الشال طالب في كلية الطب من أوائل دفعته، اختُطِف يوم 6 آذار/مارس 2014 من الشارع بسيارته، وأنكرت السلطات أنها قبضت عليه، وظل مختفيا لمدة 10 أيام، بعدها ظهر في فيديو على التليفزيون المصري يعترف بجريمة قتل أحد أفراد الشرطة. وبعد بحث مكثّف من قِبَل أهله وجدوه مودعا في سجن العقرب شديد الحراسة. وفي أول زيارة له أخبرهم أنه تم اختطافه من قبل قوات بزي مدني بدون إذن من النيابة وتم تعذيبه لمدة 7 أيام في مقرات أمن الدولة بالمنصورة والقاهرة، وظل طوال هذه المدة مقيدا ومعصوب العينين. تم تعليقه من يديه ورجليه في السقف وصعقه في كل جسده حتى الأماكن الحساسة وتهديده باغتصاب أمّه إن لم يعترف، كما تم حرقه بالسجائر في رقبته، وأخيرا اغتصابه بعصا خشبية. وعند طلبه من النيابة أثناء التحقيق معه عرضه على الطب الشرعي لإثبات واقعة التعذيب رفضت النيابة ذلك. ظل معتقلا في سجن العقرب طوال ما يقرب من العام والنصف في ظروف مرعبة. وفي 9 تموز/ يوليو الماضي صدر حكم بإحالة أوراقه للمفتي من محكمة جنايات المنصورة (أي حكم بإعدامه). مؤخرا علم أهله أنه تم أخذه من زنزانته في ظروف غير معلومة مما يرجّح أنه تم إيداعه في عنابر الإعدام في العقرب التي تعتبر من أسوء الزنازين في العالم، فالزنزانة لا تتعدى مساحتها متر مربع واحد ولا يوجد بها أي فتحات تهوية أو إضاءة، يكون المعتقل المودَع بها مقيد اليدين للخلف بسلاسل (تقرير مركز النديم).
• هند راشد (طالبة بكلية الحقوق جامعة بنها)، محمد أحمد عبد الحميد (طالب بهندسة الزقازيق)، إسلام خليل (26 عاما)، عمر أيمن (17 عاما)، عمر علي سيد بطيخ (33 عاما - مهندس كمبيوتر ومصمم جرافيك)، أحمد الرفاعي أحمد الفقي (طالب بكلية الحاسبات والمعلومات جامعة عين شمس)، أمين متولي أمين (32 عاما - تاجر دواجن)، الطالبان سعد ربيع وعبد الله محمد (كلية التجارة جامعة حلوان)، طلعت الشرقاوي (محام)، حسام الدين محمد جودة (صيدلي)، عبد المالك محمد (طالب بكلية السياحة والفنادق جامعة حلوان)، عبد الرحمن عاطف (طالب بالفرقة الأولى كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر).. لن يتسع المقام بالطبع لذكر عشرات أو مئات "الأسماء" فضلا عن تفاصيل معاناتهم ومعاناة أسرهم، وعن آخرين مازالت أسماؤهم وقصصهم مجهولة.
يكاد الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر لا يحمل جديدا، من إخفاء قسري واعتقال وتعذيب وقتل وتصفية جسدية ومحاكمات جائرة تُفضي إلى أحكام بالإعدام أو بالسجن لسنوات تصل إلى المؤبد. لا جديد سوى مزيد من الانتهاكات والضحايا.. والآلام.