وقائع عن بؤس التعليم في مصر

منذ أيام، في 21 أيلول، بدأ عامٌ دراسيٌّ جديد في مصر، ومعه بدأت معاناة ملايين التلاميذ على اختلاف المراحل التعليمية، مع حقيبة مدرسية ثقيلة، وفصول (صفوف) مكتظة، ومناهج وطرق تدريس منفرة، ومعلم غير مؤهل أو محبط. وكأنّ منظومة التعليم في بلادنا صُمِّمَت بعناية لإهدار أهم ثروات المجتمع.وتمتد هذه المعاناة بالطبع لأسر هؤلاء التلاميذ، لا سيما من الطبقات الفقيرة أو المتوسطة، وهي معاناة لم يقلل
2013-10-02

منى علي علاّم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
رسم وليد طاهر

منذ أيام، في 21 أيلول، بدأ عامٌ دراسيٌّ جديد في مصر، ومعه بدأت معاناة ملايين التلاميذ على اختلاف المراحل التعليمية، مع حقيبة مدرسية ثقيلة، وفصول (صفوف) مكتظة، ومناهج وطرق تدريس منفرة، ومعلم غير مؤهل أو محبط. وكأنّ منظومة التعليم في بلادنا صُمِّمَت بعناية لإهدار أهم ثروات المجتمع.
وتمتد هذه المعاناة بالطبع لأسر هؤلاء التلاميذ، لا سيما من الطبقات الفقيرة أو المتوسطة، وهي معاناة لم يقلل منها قرار مجلس الوزراء الأخير بإعفاء طلاب المدارس الحكومية (ذات المصروفات العادية) من دفع المصروفات المدرسية هذا العام. فهم ينفقون أضعاف تلك الرسوم على أمور مثل الزي المدرسي والكراريس والكتب، هذا بخلاف الدروس الخصوصية التي ينفق عليها المصريون المليارات سنوياً.

منظومة رباعية

إذا نظرنا إلى خريطة المنظومة التعليمية في مصر فسوف نجدها رباعية تضم تعليماً رسمياً وخاصاً وأزهرياً وأجنبياً، وينقسم بدوره كل قسم في هذه الرباعية إلى أقسام فرعية، ففي التعليم الرسمي على سبيل المثال هناك مدارس عادية ومدارس تجريبية (بمصروفات أعلى)، وفي الجامعات الرسمية هناك كليات وأقسام يدرس طلابها باللغة العربية وأخرى باللغة الأجنبية (بمصروفات أعلى). وتؤدي هذه الرباعية التعليمية وتفريعاتها الداخلية، وما تتضمنه من تباين في لغة التعليم وتكلفته وفي ملكية المؤسسات التعليمية، إلى توهين مقومات الثقافة المشتركة في المجتمع.
وفقا لإحصاءات وزارة التربية والتعليم بلغ إجمالي أعداد التلاميذ في مراحل التعليم قبل الجامعي، عدا التعليم الأزهري (ويشمل قطاع التعليم قبل الجامعي رياض الأطفال، ومدارس التعليم الابتدائي، والإعدادي، والثانوي العام، والثانوي الفني: صناعي وزراعي وتجاري، ومدارس المجتمع والتربية الخاصة) 18.3 مليون تلميذ وذلك خلال عام 2012/2013، يمثل تلاميذ المدارس الحكومية 91 في المئة منهم، وذلك مقارنة بنحو 15.4 مليون تلميذ خلال عام 2006/2007. وبلغت نسبة التلاميذ الذكور 51.3 في المئة مقابل 48.7 في المئة من الإناث، بينما بلغت نسبة التلاميذ في الحضر 50.7 في المئة مقابل 49.3 في المئة في الريف وذلك عام 2012/2013. بينما بلغ إجمالي أعداد المدرسين والاختصاصيين خلال العام نفسه 1.04 مليون (933 ألف مدرس بالإضافة إلى 105 آلاف اختصاصي)، 41.1 في المئة منهم يعملون في المرحلة الابتدائية. وبلغ عدد المدارس على مستوى الجمهورية خلال العام نفسه 47.5 ألف مدرسة 87 في المئة منها حكومية. وترتفع كثافة الفصول (الصفوف) في المرحلة الابتدائية مقارنة بباقي المراحل التعليمية، حيث بلغ متوسط كثافة الفصول في هذه المرحلة نحو 43.3 تلميذاً في الفصل عام 2012/ 2013، كما ترتفع هذه الكثافة في المدارس الحكومية بالمقارنة مع المدارس الخاصة بالنسبة لجميع المراحل، عدا الثانوي التجاري. وترتفع الكثافة في الحضر في مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي العام، بينما ترتفع كثافة الفصول في الريف في مراحل التعليم الثانوي الصناعي والزراعي. ويبلغ عدد المباني المدرسية التي تعاني من كثافات عالية 9.4 آلاف مبنى تمثل نحو 37.8 في المئة من إجمالي المباني المدرسية الحكومية. وهناك 53.3 في المئة من المباني المدرسية بمحافظة الإسكندرية عالية الكثافة الطلابية، بينما النسبة هي 48.4 في المئة بالجيزة، و40.1 في المئة بالقاهرة. وقد قُدِّرَ عدد الصفوف اللازمة لتخفيض الكثافة بـ 46.3 ألف فصل وذلك حتى عام 2017 بكلفة تبلغ 10.2 مليارات جنيه.
وفي ما يتعلق بالمباني المدرسية التي تعمل بنظام تعدد الفترات في اليوم الواحد، نجد أن 4.2 آلاف مبنى يعمل بذلك النظام على مستوى الجمهورية بنسبة 16.7 في المئة.
وقدر عدد الفصول اللازمة للقضاء على تعدد الفترات بالمدارس الحكومية حتى عام 2017 بـ 50.1 ألف فصل بتكلفة إجمالية تبلغ حوالي 11 مليار جنيه.

المناطق المحرومة من التعليم الأساسي

ووفقاً لوزارة التربية والتعليم أيضاً، يبلغ إجمالي عدد المناطق المحرومة من التعليم الأساسي 10.3 آلاف منطقة، وهي تمثل 24.7في المئة من إجمالي القرى والتوابع في البلاد. وقد قدر عدد الفصول المطلوبة لتوصيل الخدمة التعليمية للمناطق المحرومة حتى عام 2017 بـ 41.2 ألف فصل بتمويل قدره 9.1 مليارات جنيه، كما يقدر عدد الفصول المطلوبة لمواجهة الزيادة السكانية حتى نهاية عام 2107 بنحو 31.2 ألف فصل بتكلفة إجمالية تبلغ 6.9 مليارات جنيه.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة القيد الإجمالي بالمرحلة الابتدائية بلغت 96.9 في المئة وبالمرحلة الإعدادية بلغت 93 في المئة وذلك عام 2012/2013، وبلغ إجمالي عدد المتسربين من التعليم في المرحلة الابتدائية 26.1 ألف تلميذ، من بينهم 6.1 آلاف من الذكور و20 ألفاً من الإناث، وذلك في العامين الفائتين، بينما بلغ إجمالي عدد المتسربين في المرحلة الإعدادية عن الفترة نفسها 161.2 ألف تلميذ منهم 87.3 ألفاً من الذكور و73.9 ألفاً من الإناث.
ويُرجع تقرير صادر عن «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» التابع لمجلس الوزراء في آذار 2013 بعنوان «واقع التعليم في مصر: حقائق وآراء» ظاهرة التسرب هذه إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي تدفع الأسرة إلى استخدام الأطفال في العمل للحصول على الموارد المالية، ويزداد الأمر سوءا في القرى والنجوع في صعيد مصر. كما أن التعليم أصبح لا يحقق المردود المالي والاجتماعي للأسرة خاصة بالنسبة للفتيات، مما يؤدي إلى عدم الاهتمام بتعليمهن نتيجة للثقافة السائدة، بأن الفتاة مصيرها المنزل والزواج، ومن ثم لا يوجد جدوى لتعليمها وذهابها للمدرسة. بالإضافة إلى العديد من الأسباب المتعلقة بالبيئة التعليمية غير الجاذبة للطلاب، ومنها تكدس التلاميذ في الفصول وسوء معاملتهم من قبل بعض القائمين على التدريس، وعدم جاذبية المناهج الدراسية، وعدم ارتباطها بالواقع الفعلي.
بعض طلاب المرحلة الابتدائية ينجحون رغم عدم معرفتهم القراءة والكتابة، وهو ما اعترف به وزير التربية والتعليم الحالي. ويمكن إرجاع هذه الظاهرة إلى الغش في الامتحانات الذي يعتبر متفشياً إلى حد كبير. ويُغفِل التقرير الأنشطة المدرسية، رياضية كانت أو فنية أو ثقافية أو ترفيهية، على الرغم من أهميتها في تكوين التلاميذ واكتشاف مواهبهم وتنميتها. وهي لا تلقى الاهتمام المطلوب في المدارس الحكومية حيث تغيب تماماً، أو توجد شكلياً من دون أن تستوعب جميع الطلاب.

الخلاصة: تخفيض المخفض

ويؤكد التقرير أنه على الرغم من أن ارتفاع معدل الإنفاق على التعليم كان قاسماً مشتركاً بين التجارب الدولية التي حققت نجاحاً في مجال تطوير التعليم، إلا أن الملاحظ في مصر أن الاعتمادات الخاصة بالتعليم في الموازنة أقل بكثير مما هو مطلوب للوفاء باحتياجات التعليم الحديث، فقد بلغ إجمالي إنفاق الدولة على التعليم (باستثناء التعليم الأزهري) 53.9 مليار جنيه عام 2011/2012، وكان نصيب التعليم قبل الجامعي منها 40.3 مليار جنيه. واللافت أن نسبة الإنفاق العام على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي قد انخفضت من نحو 4 في المئة عام 2006/2007 إلى 3.6 في المئة عام 2011/2012، كما انخفضت حصة نسبة الإنفاق على التعليم الجامعي إلى 0.9 في المئة (كانت 1.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2006/2007). وتشير هذه النسب المفزعة لجهة ضآلتها الى الحاجة الملحة لإعادة النظر في السياسات المالية من أجل زيادة الإنفاق على التعليم، مع ضرورة وجود استراتيجية سياسية موحدة للتعليم لا تتغير بتغير الحكومات أو الوزراء.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

قصّة "هَدِية" مع الميراث

في زيارتي الأولى في العام 2016 ركّزتُ على التقصير الحكومي ونقص الخدمات الأساسية، وفي الثانية (2021) عملتُ واحتككتُ أكثر بموضوعات تتعلق بثقافة وسلوكيات الناس أنفسهم هناك: ختان الإناث، قتل النساء...

أوضاع صعبة يواجهها الوافدون السودانيون في مصر وعلى حدودها

قالت مفوضية اللاجئين إنه حتى 15حزيران/ يونيو الفائت، تمّ تمويل برنامج الاستجابة السريعة للأزمة السودانية، الذي يشمل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، بنسبة 15 في المئة فقط...