يدور جدل في مصر حول ضرورة الحصول على قرض صندوق النقد الدولي لسد عجز الموازنة وزيادة احتياطي النقد الأجنبي. فهذا الأخير انخفض إلى 14.4 مليار دولار في تموز/يوليو الماضي قبل أن يرتفع في آب/أغسطس إلى 15.1 مليار دولار، بعد حصول مصر على 500 مليون دولار، هي قيمة الدفعة الأولى من الوديعة القطرية البالغة 2 مليار دولار. وهناك من يطالب بالاعتماد على بدائل أخرى غير هذا الاقتراض، الذي يعتبر استمرارا لسياسات مبارك الاقتصادية والمكرِّس لتبعية الاقتصاد المصري للخارج، والمضر بمحدودي الدخل، حيث يفرض الصندوق شروطا على الدول المقترضة تشمل رفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود.
وقفات احتجاجية ودعوى قضائية
نظم نشطاء معارضون لهذا الاقتراض وقفات احتجاجية عدة في بالقاهرة ومحافظات أخرى، من بينها تجمع أمام مقر مجلس الوزراء بوسط القاهرة بالتزامن مع المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل مع رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد.
كما أقام المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، خالد علي، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري لإلزام رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بإعلان شروط قرض صندوق النقد الدولي، مؤكدا أن عصر الاتفاقات ذات البنود غير المعلنة ينبغي أن يكون قد ولَّى بعد "ثورة يناير"، ومشيرا إلى أنه يجب على الحكومة أن تتراجع عن القرض وتبحث عن بدائل أخرى يمكن من خلالها تحقيق العدالة الاجتماعية التي تعتبر أهم شعار رفعته الثورة المصرية، وهي التي لا يمكن تحقيقها إذا سارت مصر وفق أجندة صندوق النقد الدولي .
الحكومة: شر لا بد منه ، وشهادة ثقة للاقتصاد
أكد رئيس الوزراء المصري في لقاء مع التليفزيون الرسمي أن القرض "شر لا بد منه" لمواجهة العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة والذي وصل إلى 135 مليار جنيه، وهو مرشح للزيادة. وأشار المتحدث باسم رئاسة الجمهورية إلى اتفاق جميع القوى الوطنية على عدم الرغبة في القروض والتوسع فيها من دون ضرورة، "ولكن إذا ما استدعت الضرورة واعتبارات معينة وبشروط غير مجحفة وبفترة سماح كبيرة وبخدمة دين بسيطة، فلماذا لا؟ وما الذي يمنع؟" مضيفاً أن الأمر "قبل أن يكون قرضا فهو رسالة لكل مؤسسات التمويل في العالم والمستثمرين بأن الاقتصاد المصري قادر وقوي"، ومختتماً اخيراً أنه "من المهم استخدام هذا القرض في العمل والبناء، وخلق فرص العمل، وتحقيق عائد".
تلميع الرئيس
كتب أحمد النجار، الخبير الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية على صفحته على الفيسبوك معلقا على موضوع القرض: "المشكلة في قرض صندوق النقد الدولي أن الحكومة ستستخدمه في تمويل عجز الموازنة وزيادة الاحتياطي بشكل مفتعل للسحب منه بعد ذلك لسداد الالتزامات الخارجية أو لتمويل الواردات الحكومية، لتجعل شكل أدائها جيدا في الأجل القصير، ولتحسين صورتها وصورة الرئيس أمام الشعب، بينما ستتحمل مصر والحكومة المقبلة والرئيس القادم سداد الجزء الأكبر من القرض، حيث سيبدأ السداد بعد 39 شهرا. وخلال فترة حكم د. مرسي، سيتم سداد 42 في المئة من القرض، بينما سيُسدِّد من سيأتي بعده 58 في المئة من قرض لم يستفد منه. والحالة الوحيدة التي يمكن قبول القرض فيها هي استخدامه في بناء مشروعات إنتاجية في المجال الصناعي بالأساس، يمكن لإنتاجها أن يسدد القرض ببساطة، أو تقديم قروض ميسرة بنفس سعر الفائدة للمشروعات الصغيرة والتعاونية، لتحويل مصر إلى ورشة عمل والمساهمة بفعالية في تشغيل العاطلين وخلق رافد جديد للنمو الاقتصادي. وذلك سيكون مشروطا باستقرار سعر الجنيه مقابل الدولار خلال السنوات الخمس القادمة، حتى لا تزيد أعباء السداد في حالة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري".
الشفافية
أما أسامة غيث، الكاتب الصحافي والخبير الاقتصادي، فأكد أن مصر ليس أمامها في ظل الوضع الراهن للاقتصاد المصري إلا الاقتراض من صندوق النقد الدولي، ولكن ينبغي ألا تمس الشروط التي يفرضها الصندوق برنامج النهوض الاقتصادي أو تقف عائقا أمام زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا. "ومن ثم فنحن أمام معضلة"، على حد قوله. وطالب غيث بمزيد من الشفافية من جانب الحكومة المصرية للإفصاح عن الشروط التي يضعها الصندوق للموافقة على القرض، حتى يعرف المختصون والمواطن العادي، مشيرا إلى أن طلب الحكومة المصرية زيادة القرض من 3.2 مليار دولار إلى 4.8 مليار دولار يؤدي بالضرورة إلى زيادة الشروط وشمولها العديد من السياسات التي تمس المواطن محدود الدخل. ويشير غيث إلى الأموال المنهوبة المهربة للخارج والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، لم تبذل مصر الجهد المطلوب لاستعادتها، بينما هي في أمس الحاجة إليها في ظل تردي الوضع الاقتصادي، مؤكدا: "يتحمل مسؤولية هذا التراخي في استرداد الأموال والتقصير في استخدام الآليات الدولية المتاحة لاستعادتها، المجلس العسكري الذي تولى شؤون البلاد عقب تنحي مبارك مباشرة، وكذلك الحكومات المتعاقبة المتمثلة في حكومة شفيق ثم حكومتي عصام شرف وانتهاء بحكومة الجنزوري". ويؤكد غيث أن دول الخليج العربي لم تقم بواجبها لدعم الاقتصاد المصري حيث لم تعط لمصر حتى الآن إلا "الفتات"، برغم أن استقرارها ضروري لاستقرار باقي دول المنطقة، مشيرا إلى أن مصر بحاجة إلى منح لا تُرد، وليس مجرد ودائع بأسعار فائدة عالية، مبررا هذا التقاعس من جانب بعض هذه الدول بـ"وجود حالة عداء للثورة المصرية ورغبة في عدم نجاحها".
مكافحة الفساد أولا
ويقول د.أحمد صقر عاشور الأستاذ بكلية التجارة جامعة الإسكندرية والخبير لدى الأمم المتحدة في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد إن تعافي الاقتصاد المصري مرهون بوضع برنامج لمواجهة الفساد الذي يؤدى إلى استنزاف موارد الدولة وإهدارها بشكل لا تصلح معه أية قروض، سواء داخلية أو خارجية، متسائلا: هل يعقل أنه بعد مرور أكثر من 19 شهرا على قيام الثورة، لم يفتح ملف الفساد، ولم يوضع برنامج لتحجيمه والسيطرة عليه؟! مؤكدا على ضرورة أن تقوم الحكومة بمراجعة الصفقات التي أبرمت على مدار السنوات الماضية إبان حكم الرئيس السابق والتي أدت إلى "إبخاس" قيمة أصول الدولة. وهذا من شأنه أن يوفر أموالا أكبر بكثير من قيمة القرض الذي تريد الحكومة الحصول عليه. ويضيف: "هناك ملف آخر ينبغي فتحه وهو ملف المشاريع الاقتصادية للقوات المسلحة، والتي لا تخضع للرقابة برغم ضخامتها، إذ لا يقل حجمها بالنسبة للاقتصاد الكلي عن 20 إلى 25 في المئة من مجمل الاقتصاد المصري. وإذا كانت الحكومات السابقة لم تستطع فتح هذا الملف لأن المجلس العسكري كان ممسكا بالسلطة، فقد تغير الوضع الآن وحان الوقت لفتحه". ويؤكد عاشور على ضرورة تحرك الدولة بشكل حاسم لمواجهة عمليات التهرب الضريبي والجمركي، وهذا سيؤدي إلى إدخال أموال كثيرة لخزينة الدولة تفقدها حاليا. كما يؤكد أن مصر بحاجة إلى وضع برنامج اقتصادي مدروس ومصمم جيدا، واضح الأهداف والأولويات، يشارك في وضعه الاقتصاديون المصريون الذين لم يُستفد من خبراتهم حتى الآن. و"إذا فعلنا ذلك لن نكون في حاجة إلى الاقتراض الذي يحمل الأجيال القادمة مزيدا من الديون، وهذا البرنامج هو الذي سوف يزيد الثقة في الاقتصاد المصري، وليس موافقة صندوق النقد الدولي على حصول مصر على قرض من عدمها".