المـنســـيـــون فــي صـعــيـــــد مـصـــــر

وسط صخب السجالات السياسية التي يغرق فيها المصريون ليل نهار، جاءت كارثة مصرع أكثر من خمسين طفلا بمحافظة أسيوط جنوب القاهرة نتيجة اصطدام أحد القطارات بحافلتهم المدرسية. حدث ذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وكالعادة بعد وقوع كارثة يكون ضحاياها من أبناء الصعيد، أعادت الحادثة هذه المنطقة إلى الواجهة من جديد، فسُلِّطت الأضواء - لبعض الوقت - على مشاكله ومعاناة سكانه. ثم لم تلبث أن انحسرت عنه الأضواء
2012-12-19

منى علي علاّم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك

وسط صخب السجالات السياسية التي يغرق فيها المصريون ليل نهار، جاءت كارثة مصرع أكثر من خمسين طفلا بمحافظة أسيوط جنوب القاهرة نتيجة اصطدام أحد القطارات بحافلتهم المدرسية. حدث ذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وكالعادة بعد وقوع كارثة يكون ضحاياها من أبناء الصعيد، أعادت الحادثة هذه المنطقة إلى الواجهة من جديد، فسُلِّطت الأضواء - لبعض الوقت - على مشاكله ومعاناة سكانه. ثم لم تلبث أن انحسرت عنه الأضواء مرة أخرى ليعود كما كان، متواريا منسيا، وتعود السجالات السياسية من جديد لتتصدر المشهد، ويصل الاستقطاب السياسي مداه فيطغى على أي حديث عن هموم ومطالب المواطن العادي اياً كان.
تبلغ نسبة سكان الصعيد أو الوجه القبلي، بحسب التعداد الأخير الذي أجري عام 2006، 33 في المئة من مجمل المصريين. ويشمل الوجه القبلي محافظات الجيزة، بني سويف، الفيوم، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، أسوان، والأقصر. وإذا كان المصريون بشكل عام يعانون ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتدهور مستوى التعليم والرعاية الصحية، فإن الوضع في الصعيد يعد الأكثر سوءا، بحسب الأرقام الصادرة من جهات حكومية ودولية. فتشير الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الفقر، إلى أن نسبة الفقراء في مصر قد ارتفعت من 21.6 في المئة من إجمالي السكان عام 2008ـ 2009 إلى 25.2 في المئة عام 2010ـ 2011، حيث بلغت قيمة خط الفقر القومي للفرد ما يعادل 3076 جنيهاً سنويا أو 256 جنيها شهريا، فيما انخفضت نسبة الفقر المدقع بين المصريين من 6.1 في المئة من إجمالي السكان عام 2008ـ 2009 إلى 4.8 في المئة عام 2010ـ 2011، وقيمتها تبلغ 2061 جنيها سنويا، بما يعادل 172 جنيها شهريا (الجنيه المصري يساوي أقل من سدس دولار) .
وبمقارنة السنوات ذاتها، وفي ما يتعلق بنسبة الفقراء وفق أقاليم الجمهورية، فقد ارتفعت نسبتهم من 43.7 في المئة في ريف الوجه القبلي إلى 51.4 في المئة. كما ارتفعت من 21.7 في المئة في حَضَر الوجه القبلي، إلى 29.5 في المئة.
أما في ريف الوجه البحري فقد ارتفعت نسبة الفقراء من 16.7 في المئة إلى 17 في المئة، كما ارتفعت من 7.3 في المئة فى حَضَر الوجه البحري إلى 10.3 في المئة. ويُلاحظ هنا التفاوت الكبير في نسبة الفقراء بين الوجه القبلي والوجه البحري، على مستوى الحضر والريف على السواء. فمحافظات الوجه القبلي سجلت أعلى نسب للسكان الفقراء على مستوى الجمهورية. ففي أسيوط بلغت نسبة الفقراء 69 في المئة، وفي سوهاج 59 في المئة، وفي أسوان 54 في المئة، وفي قنا 51 في المئة، بينما سجلت محافظات البحر الأحمر أقل نسبة للفقراء 2 في المئة، وكذلك السويس ودمياط 3 في المئة، وبورسعيد 6 في المئة.
ويشير تقرير صادر عن البنك الدولي بتاريخ 11 حزيران/ يونيو 2012 بعنوان «استعادة أصواتهم: آراء جديدة لفتيات وشباب صعيد مصر»، إلى أن الصعيد، الذي لم يلعب سوى دور طفيف للغاية في ثورة الخامس والعشرين من يناير، خلافا لتونس حيث انطلقت الانتفاضة من المناطق الريفية الفقيرة قبل أن تمتد إلى العاصمة، يضم 40 في المئة من سكان مصر، وأن 60 في المئة من سكانه يعيشون في فقر، وتعيش نسبة 80 في المئة منهم في فقر مدقع. وتتركز أفقر ألف قرية في البلاد تقريبا في ثلاث محافظات بصعيد مصر، كما تعتبر الرعاية الصحية في الصعيد غير كافية مع عدم توفر الأطباء والأدوية والأجهزة المتخصصة.
ومن خلال سلسلة موسعة من المقابلات، يستعرض التقرير التحديات العديدة التي يواجهها شباب الصعيد من وجهة نظرهم، حيث يشير التقرير إلى أن مصر تشهد طفرة في أعداد السكان من الشباب، حيث يمثلون في الشريحة العمرية 15 - 29 عاما نحو ثلث سكان البلاد، وأن أكثر من نصف سكان الصعيد تقل أعمارهم عن 29 عاما، بينما تتراوح أعمار ثلث السكان هناك بين 15 و29 عاما. ويغلب الطابع الريفي على الصعيد، حيث يعيش نحو 75 في المئة من الشباب هناك في المناطق الريفية. ويقدر المعدل الرسمي للبطالة بين الشباب في الصعيد بنحو 16 في المئة، بعد استبعاد العاطلين الذين لا يبحثون عن وظائف، وهي حالة تنطبق على نصف الشباب في الصعيد تقريبا وفق التقرير. كما أن نسبة 70 في المئة من فتيات الصعيد عاطلات عن العمل، ولا تتجاوز نسبة من يعملن من الفتيات الأميات 4 في المئة، حيث ان معظم فتيات الصعيد اللواتي لم يحصلن على أي قدر من التعليم الرسمي في صعيد مصر لا يعملن. وتصل معدلات الأمية بين الشباب في الصعيد إلى 17 في المئة، وهي أعلى من المتوسط العام في البلاد، مع ارتفاع معدل الأمية بين الإناث إلى ضعفي معدلها بين الذكور. ويرى شباب الصعيد، كما جاء بالتقرير، أن أسباب ارتفاع معدلات البطالة بينهم تتمثل في غياب القطاع الخاص، وتردي مستوى التعليم، وسيادة الوساطة، والفساد. كما يبدي شباب الصعيد عموما عدم رضا عن المراكز الشبابية القائمة نظرا لأنها لا تقدم سوى القليل من الأنشطة الثقافية أو التعليمية، وتعاني نقصا في التجهيزات، فضلا عن أنها لا تخدم سوى الذكور. وإذا كنا نتحدث عن غياب الخدمات الأساسية، بحيث يصبح الحصول على مياه شرب نظيفة غير ملوثة بمياه الصرف الصحي أو الزراعي، هو أقصى ما يطمح إليه المواطن في بعض القرى، فإن الحديث عن مراكز رياضية أو ترفيهية أو حتى ثقافية يعد نوعا من الترف.
وفي ظل أوضاع الفقر والبطالة، يلجأ الكثير من أبناء الصعيد، لا سيما من الشباب إلى الهجرة، سواء كانت داخلية إلى القاهرة أو الإسكندرية أو غيرهما من المحافظات، حيث يعملون كعمال بناء أو باعة جائلين أو غيرها من الأعمال الدنيا، أو الى الهجرة الخارجية إلى دول الخليج، حيث يعملون كذلك في أعمال دنيا أو في أعمال لا تناسب مؤهلاتهم المتوسطة أو العليا.
وكان الرئيس مرسي قد أكد خلال جولته الانتخابية، في مؤتمر جماهيري عُقد في أسيوط في أيار/ مايو الماضي، أن تنمية الصعيد في قلب مشروع «النهضة». إلا أن تخوف ابناء الصعيد يتزايد، في ظل عدم حدوث تغيير حقيقي في سياسات النظام الجديد، فضلا عن حالة عدم الاستقرار السياسي: يتخوفون من أن تكون وعود مرسي الانتخابية لهم كتلك التي ملّوا سماعها طوال ثلاثين عاما من مبارك ونجله، ومرشحي مجلسي الشعب والشورى، الذين كانوا يرونهم فقط في المواسم الانتخابية، وبعد ذلك يطول انتظارهم لما لا يأتي.

مقالات من الصعيد

للكاتب نفسه

قصّة "هَدِية" مع الميراث

في زيارتي الأولى في العام 2016 ركّزتُ على التقصير الحكومي ونقص الخدمات الأساسية، وفي الثانية (2021) عملتُ واحتككتُ أكثر بموضوعات تتعلق بثقافة وسلوكيات الناس أنفسهم هناك: ختان الإناث، قتل النساء...

أوضاع صعبة يواجهها الوافدون السودانيون في مصر وعلى حدودها

قالت مفوضية اللاجئين إنه حتى 15حزيران/ يونيو الفائت، تمّ تمويل برنامج الاستجابة السريعة للأزمة السودانية، الذي يشمل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، بنسبة 15 في المئة فقط...