عودة لتناول إشكالية الاندماج الوطني للأقباط

فى الثامن عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري شهدت الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في القاهرة مراسم تجليس تواضروس الثاني البابا الجديد للكنيسة الأرثوذكسية. وقد طرحت أسئلة كثيرة منذ إعلان اسم البابا الجديد الذي يحمل الرقم 118، يتعلق أهمها بمستقبل العلاقة بين الكنيسة والدولة، وما إذا كانت الكنيسة سوف تستمر في لعب دور سياسي مثلما كانت تفعل في عهد البابا شنودة الثالث. فالبابا الجديد، الذي كان يشغل منصب
2012-11-21

منى علي علاّم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
في أحد الأحياء قرب الأقصر

فى الثامن عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري شهدت الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في القاهرة مراسم تجليس تواضروس الثاني البابا الجديد للكنيسة الأرثوذكسية. وقد طرحت أسئلة كثيرة منذ إعلان اسم البابا الجديد الذي يحمل الرقم 118، يتعلق أهمها بمستقبل العلاقة بين الكنيسة والدولة، وما إذا كانت الكنيسة سوف تستمر في لعب دور سياسي مثلما كانت تفعل في عهد البابا شنودة الثالث. فالبابا الجديد، الذي كان يشغل منصب أسقف عام البحيرة، والذي يبلغ من العمر ستين عاما، أكد في أكثر من لقاء أجري معه بعد اختياره، أن الكنيسة ليس لها دور سياسي وأن دورها مقتصر فقط على الجانب الروحي ثم الجانب الاجتماعي.

يرى الكاتب جمال أسعد أن البابا شنودة لم يكن رئيسا دينيا للكنيسة فقط بل أراد أن يكون زعيما سياسيا للأقباط، ويؤكد في مقال له نشر عقب إعلان اسم البابا الجديد بعنوان "البابا بين السياسة والدين" أن الشروط الذاتية للأنبا شنودة كشخصية كارزمية مثقفة، ذات ميول سياسية وتطلعات زعامية، علاوة على الظروف السياسية، وأهمها الصراع الذي كان بينه وبين الرئيس الراحل أنور السادات منذ البداية، إضافة للممارسات الإرهابية ضد الأقباط، هي التي أدت الى لعبه ذلك الدور. وأن تجربة البابا شنودة السياسية لم تثمر غير "الحصرم" على حد قوله ، فقد ترتب على ذلك "النظر إلى مشاكل الأقباط على أنها مشاكل طائفية لمسيحيين، وليست مشاكل سياسية لمصريين، وكأن الكنيسة هي المسؤولة بديلاً عن الدولة، الشيء الذي أكد المناخ الطائفي وكرس الفرز الطائفي".

وفي كتابه "الدولة والكنيسة" الذي صدر عن دار الشروق عام 2011، والذي يعتبر ثالث كتاب لمؤلفه في موضوع الجماعة الوطنية بعد كتابيه "المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية" عام 1981، و"الجماعة الوطنية .. العزلة والاندماج" عام 2005، يتحدث المستشار طارق البشري عما طرأ على العلاقة بين الدولة والكنيسة (الأرثوذكسية) خلال السنوات الأخيرة، وبالتحديد السنوات التي تولى فيها البابا شنودة الثالث الكرسي البابوي، ويقول إن "سياسة الكنيسة القبطية في هذه المرحلة لم تقم على دمج القبط في الجماعة الوطنية المصرية وإنما على فرزهم ليصيروا شعبا لها، لا بالمعنى الديني المتحقق فعلا ولكن أيضا بالمعنى الدنيوي الحياتي المتعلق بتشكيل جماعة سياسية، جماعة قد لا أقول منفصلة، لكنها جماعة متميزة ومنعزلة تشكل الكنيسة واسطة بينها وبين الدولة المصرية، وعموم المصريين، وتكون متشكلة من جموع الأقباط في مصر وتخضع لهيئة مؤسسة وحيدة هي الكنيسة، أو بعبارة أدق الإدارة الكنسية كهيئة متميزة عن الوظيفة الدينية للكنيسة". ويضيف الكاتب ان الإدارة الكنسية في سعيها لأن تكون المعبر الوحيد عن الشأن القبطي في مصر، وهو مسلك يظهر جليا من سلوك هذه الإدارة في عهد الأنبا شنودة، عملت على جذب الأقباط في مجالات الأنشطة التي ترعاها الكنيسة، ليتجمعوا وحدهم فيها، وليتحقق التشكيل الجمعي المغلق على نفسه تحت سيطرتها المنفردة، وهذا الأمر يستوجب تكاثرا في عدد الكنائس والمحال الملحقة بالكنائس، لأنشطة الرياضة (بدلا من النوادي) والتعليم (بدلا من المدارس العامة وحدها) والتدريب على المهن والحرف (بدلا من المعاهد العامة) والتجمعات (بدلا من الجمعيات المشتركة).
وقد أدت هذه الممارسات في رأيه إلى ما أسماه "الانعزال القبطي" عن الجماعة الوطنية العامة، وهو ما يعتبر من أهم أسباب الاحتقان الطائفي، وهو الجانب الذي يراه الكاتب مسكوتا عنه بل يكاد يكون متجنبا طرقه عند بحث أسباب هذا الاحتقان. "ذلك أن الإدارة الكنسية متخصصة في الشأن العبادي وعندما تحتكر الشأن القبطي في مصر إنما تصوغه كله بالجانب العبادي وتركز على ذلك أكثر مما تركز على شؤون العيش المشترك للمواطنين في مجالات أعمالهم المهنية والحرفية وتبادلاتهم الاقتصادية وترابطاتهم الاجتماعية".

وترى الكنيسة أن ممارسة دور سياسي كان أمرا اضطرت إليه ولم يكن باختيارها، وذلك بسبب الظلم الذي يعانيه أبناؤها، وعدم قيام الدولة بدورها في حل مشاكلهم ورفع الظلم الواقع عليهم، بل عملها على تهميشهم، حيث يرى الأقباط أنهم يعانون التمييز ولا يمثلون بشكل عادل في الوظائف العليا بالدولة، من المحافظين والوزراء ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات وقيادات الشرطة والجيش، كما يطالبون بإزالة العقبات أمام بناء الكنائس أو ترميمها، ومراجعة وتنقيح المناهج التعليمية. شمعي أسعد مهندس ومدون وعضو بالمكتب السياسي وبالهيئة العليا لحزب العدل، أحد الأحزاب الليبرالية التي أسست بعد ثورة يناير، وهو من الجيل الذي نشأ في عهد البابا شنودة الذي تولى قيادة الكنيسة الأرثوذكسية عام 1971، يرى أن دعوة الكنيسة إلى عدم لعب دور سياسي كلمة حق يراد بها باطل ، فهو يراها محاولة من جانب بعض التيارات لإقصاء الكنيسة والمسيحيين عموما من المشهد، لا سيما في ظل تنامي دور تيارات الإسلام السياسي التي يراها إقصائية، وأنه إذا كان مع ألاّ تلعب الكنيسة إلا دورا روحيا فقط، إلا أنه يرى في الوقت ذاته أن إبعاد الدين عن السياسة ينبغي أن يكون مطلبا عاما، وأمرا يلتزم به الجميع وليس فقط الكنيسة، و"إذا كانت بعض التيارات تدعو الكنيسة لذلك، فلماذا من باب أولى لا تنفذه على نفسها أولا؟"، ويؤكد أن انعزال الأقباط ليس بسبب ممارسات البابا شنودة التي ساهمت في رأيه بقدر في هذا الأمر، وإنما بسبب ما تعرضوا له بعد قيام ثورة يوليو من تهميش وذلك قبل تولي البابا الراحل. فكانت الكنيسة هي البديل المتاح أمامهم، وأن ممارسة الكنيسة دورا سياسيا كان لها تأثير سلبي علي الأقباط وأضرت بقضاياهم، ومن ثم ينبغي أن ينخرطوا في الأحزاب السياسية بدلا من المطالبة بالحقوق على أساس طائفي، وهو ما بدأ يتحقق بالفعل مع اهتمام كثير من المواطنين مسلمين ومسيحيين بالمشاركة السياسية بعد ثورة يناير، على حد قوله.

**********
صرح اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بأن عدد الأقباط في مصر يبلغ 5 ملايين و130 ألفا، بنسبة حوالى 5.5 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم حوالى 83 مليون داخل الجمهورية، وأن عددهم في تناقص لأنهم الأكثر هجرة والأقل إنجابا، حيث ان معظمهم يتمتع بمستوى اجتماعي وتعليمي واقتصادي مرتفع وتزداد معدلات التكافل بينهم. وقد رفضت الكنيسة هذا التعداد مؤكدة أن العدد الحقيقي للأقباط وفق الإحصائيات التي تقوم بها، لا يقل عن 15 مليونا، وقد قال البابا الجديد في لقاء تلفزيوني انه يعتقد أن نسبة الأقباط تتراوح بين 15 و17 في المئة من إجمالي عدد السكان. وكان آخر تعداد رسمي "معلن" عام 1986 قد قدر عددهم بأقل من 3 ملايين أي بنسبة 5.7 في المئة من السكان.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

قصّة "هَدِية" مع الميراث

في زيارتي الأولى في العام 2016 ركّزتُ على التقصير الحكومي ونقص الخدمات الأساسية، وفي الثانية (2021) عملتُ واحتككتُ أكثر بموضوعات تتعلق بثقافة وسلوكيات الناس أنفسهم هناك: ختان الإناث، قتل النساء...

أوضاع صعبة يواجهها الوافدون السودانيون في مصر وعلى حدودها

قالت مفوضية اللاجئين إنه حتى 15حزيران/ يونيو الفائت، تمّ تمويل برنامج الاستجابة السريعة للأزمة السودانية، الذي يشمل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، بنسبة 15 في المئة فقط...