كثيراً ما يثير مصطلح «النِسْوية الإسلامية» الجدل، إذ يقابَل بالرفض من جانب العلمانيين وكذلك الإسلاميين/ات الذين يتحفظون على استخدام مصطلح «نِسْوية» لما يحمله بحكم النشأة والتطور من «قيم غربية» تتناقض مع الخصوصيات الثقافية للمجتمعات المسلمة.تختلف تعريفات المصطلح، ولكن يمكن الاتفاق عامة على أنه كأي اتجاه نسوي، معنيّ بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين ، وذلك من منظور إسلامي، وهو ما يميزه عن الاتجاهات النسوية الأخرى، على اعتبار أن الإسلام قد كفل للمرأة حقوقها كاملة، وأن المشكلة تقع في تفسير الدين وتطبيقه وليس في أصله. تهتم النسوية الإسلامية بأن يكون للنساء دور في إنتاج المعرفة الدينية التي اقتصر إنتاجها على الرجال فجاءت متأثرة بالمنظور الذكوري وبالسياق الاجتماعي والثقافي الذي أنتجت فيه، ولم تعد ملائمة لواقع جديد.وفي سبيل «كسر احتكار الرجال لإنتاج المعرفة الدينية»، حرصت رائدات النسوية الإسلامية على تقديم «اجتهادات» حول حقوق النساء والمساواة بين الجنسين في الإسلام.
وغالباً ما تواجَه هذه الاجتهادات بانتقادات تتعلق بعدم توافر الأهلية العلمية للمجتهدات، وعدم الالتزام بالقواعد المتفق عليها، والاجتزاء والانتقائية عند قراءة النصوص الشرعية والتراث، والتحيّز للنوع، واتخاذ موقف مسبق من التراث المتنوع، والوصول إلى نتائج تفتقر إلى مقدمات منطقية... ويصل الأمر إلى وصف بعضها بالتعارض الكامل مع مبادئ الإسلام (كتلك التي لا تعتمد على السنّة مثلاً كمصدر معتمَد).
على كل ذلك وبالرغم منه، حلّت «النسوية الإسلامية» كواحدة من مواضيع مؤتمر «قضايا المرأة: نحو اجتهاد إسلامي معاصر»، الذي عُقِدَ في آذار/ مارس الماضي في مكتبة الإسكندرية. وكان لافتاً أن الأبحاث جميعها (باستثناء واحد فقط) قدمتها نساء، من مصر والمغرب وتونس والسعودية...
تحليل نقدي للخطاب في مصر
في بحثها المعنون «التحديات التي تواجه مساعي النسوية الإسلامية لإصلاح قانون الأحوال الشخصية منظمات حقوق المرأة غير الحكومية في مصر بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي لحقوق الإنسان» تشير الباحثة النسوية د. مروة شرف الدين («حركة مساواة») إلى أن الخطاب الذي تستخدمه بعض المنظمات غير الحكومية وبعض النشطاء لإصلاح قانون الأحوال الشخصية في مصر أو في مجال حقوق المرأة يمكن توصيفه بأنه «نسوي إسلامي»، مُعتبرةً أن نشأة ما يوصف بـ«الخطاب الإسلامي المستنير» جاءت من التفاعل بين الواقع الاجتماعي والاقتصادي للنساء في مصر وبين القانون الإسلامي (الجانب القانوني من الشريعة)، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.وعدّدت الباحثة الأدوات المُستخدمة لصياغة هذا الخطاب: التحليل التاريخي والسياقي واللُغوي للآيات القرآنية، دراسة الآيات في ضوء مقاصدها، إعادة تفسير الآيات القرآنية بالاسترشاد بمبادئ قرآنية عامة كالمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية، التمييز بين الشريعة والفقه، تمييز الأحاديث القوية من الضعيفة، تقديم جوانب وأمثلة من حياة النبي تدعّم المطالب وتدعيم الخطاب بحقائق وإحصائيات علمية مستقاة من الواقع (هذا مع الاسترشاد بالخطاب العالمي لحقوق الإنسان).وأشارت الباحثة إلى أن هذا الخطاب ولَّد تضارباً بين الالتزام بالمرجعية الإسلامية ومعايير حقوق الإنسان (حسب القانون الدولي)، على الرغم ممّا يحمله من إمكانات مهمة (خاصة أنه أكثر قبولاً في المجتمعات المحافظة). والإشارة هنا إلى التضارب في مسائل كتعدد الزوجات والميراث وقوامة الزوج وطاعته في مقابل النفقة وتأديب الزوجة.
أمّا عن أسباب التضارب، فتقول شرف الدين إن العقيدة الدينية الشخصية تمنع بعض النشطاء من تقديم مطالب معيّنة تتعلق بتحقيق المساواة، إضافةً إلى مدى استعداد المجتمع لتقبل بعض المطالب في ظلّ وجود ضعف بنيوي للمنظمات وضعف قدرتها على الحشد والضغط. كما أن هذا الخطاب ما زال في طور التشكّل التدريجي وحدوث التضارب أمر متوقع خلال مرحلة الصياغة والتطوير.
وفي تعقيبها على الورقة البحثية، أشارت سوسن الشريف (باحثة مشاركة بمركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأميركية في القاهرة) إلى أن محدودية الاتجاه النسوي الإسلامي في مصر تجعل من الصعب الكلام عن «منظمات غير حكومية» تتبنّى هذا الاتجاه، مرجّحةً تبنّيه من قبل أفراد من دون مؤسسات حاضنة.وانتقدت الشريف اعتماد الباحثة على مراجع أجنبية في تعريف الشريعة والفقه بدلاً من العودة إلى المراجع الأصلية، كذلك عدم طرح أي استراتيجيات أو حلول لمواجهة التحديات.
النساء وإنتاج المعرفة الدينية تاريخياً
«النساء والحق في الاجتهاد وإنتاج المعرفة: قراءة في مفهوم النقص وتأويلاته» هو عنوان الورقة البحثية التي قدّمتها فاطمة حافظ الباحثة في «مركز خُطوة للتوثيق والدراسات» . والمقصود بالنقص هنا نقص العقل المنسوب للنساء في حديث نبوي. تستنتج الباحثة أن مقولة النقص تخلقت تاريخيا عبر عصور التراجع الحضاري حيث تم إكسابها دلالات ومعاني الحط من قدرات النساء، وهو ما لم يفهمه علماء القرون الأولى. وإن هذا النقص لم يُفهَم منه تاريخيا أن تدع النساء المجال المعرفي للرجال وحدهم، أو أن تقتصر النساء على أنواع بعينها من المعرفة الدينية. فالتجربة التاريخية غنية بالنماذج التي تؤكد اشتغال النساء بشتى أنواع المعرفة ومنها الفقه والحديث. أمّا عن مراحل استدعاء مقولة النقص فهناك مرحلتان، وفق حافظ: في الأولى اكتُفِيَ بإيرادها حال التعرض لاجتهاد النساء للتلويح بأنهن "ناقصات عقل" رغم اجتهادهن، وفي المرحلة التالية تجاوز الأمر مجال التلويح إلى حيز التفعيل حيث استخدمت المقولة لإضفاء الشرعية على عملية إقصاء النساء من المجال المعرفي وتبرير ممارسات اجتماعية قائمة على الحجب والعزل. وتستخلص الباحثة أن المشكلة لا تكمن في نص الحديث بحدّ ذاته - أو في أي نص ديني آخر - إنما في كيفية التعامل معه وإسقاطه في الواقع، وكذلك في الدلالات والمعاني التي يكتسبها في لحظة تاريخية معينة (التي تشكل جزءاً من عملية فهم النص لاحقاً).وعلى هذا فإنه من أجل فهم أدق لمضمون النصّ لا بدّ من إعادة قراءته على ضوء سياقه الخاص (مناسبة نزوله)، وعلى ضوء علاقته بشبكة النصوص والمفاهيم الدينية التي يرتبط بها.
اجتهاد ثقافي
برأي الباحثة فاطمة حافظ فإن الجدل حول مصطلح «النسوية الإسلامية» مفتعل وغير مجدٍّ منهجياً، فالمشكلة في المضمون، معتبرةً أنّ ولادة المصطلح هي ردّ فعل على تدني واقع المرأة المسلمة ومحاولة للإسهام في التغيير.تصف حافظ اجتهادها هي وزميلاتها بأنه «اجتهاد ثقافي فأنا لست أزهريّة، لكن في إطار إعدادي لرسالة الدكتوراة في التاريخ الحديث وهي رسالة تاريخية فقهية، درستُ الفقه وأصوله بتعمق وقرأت في النظريات الفقهية وتاريخ الفقه وتطور التشريع ما أكسبني معرفة بعقليّة الفقيه وكيف يفكر ويحكم على الأمور». من هنا استطاعت القول بأنّ المسألة ليست تحيّزاًً ذكورياً وإنما بيئة ثقافيّة وفكريّة تعمل في نفوس المشتغلين بإنتاج المعرفة الدينية وتؤثر في قراءتهم للنص الديني وفي إصدارهم للأحكام الشرعية، مضيفةً أنها تجتهد في الالتزام بالقواعد المتفق عليها للاستنباط وعند الكتابة يتملكها هاجسان هما: الخشية من التعامل مع النص الديني (كونه مقدّساً) وهذا له رهبة وجلال، والرغبة في الكشف عن عدل الشريعة وسماحتها مع النساء.
التجاذبات السياسية وراء محدوديّة الاتجاه
وعن واقع النسوية الإسلامية في مصر تقول الباحثة إنها «اتجاه محدود جداً والسبب هو التجاذبات السياسية. فالحركات الإسلامية لها أذرع نسوية، والباحثات الإسلاميات الأكاديميات يعانينَ لأن البعض يصنفهنّ ضمن تيار الإسلام السياسي، وعلى الجانب الآخر يُنظَر إليهنّ على أنهنّ «علمانيات متغرّبات»، وهو ما حدث أثناء مشاركتهنّ في «وثيقة الأزهر لحقوق المرأة». فهنّ في نظر التقليديين تيار علماني، وفي نظر «دعاة المدنية» إسلام سياسي.
ومن ثم يتطلب الدفع بالنسوية الإسلامية في رأيها التأكيد على أنها "حركة معرفية" في المقام الأول وأنه لا مجال لتسييسها، مع ضرورة تدشين حقل دراسات نسوية تكون له مناهجه وأدواته البحثية الخاصّة. والباحثة لا ترى أصلاً في مسائل القوامة والتعدّد وانتصاف الشهادة والميراث نفياً لفكرة «عدل الشريعة»، لأن المسألة ليست مساواة حسابية بين ما يحقّ للرجل وما يحقّ للمرأة...