في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الأزهر الشريف، انتخبت هيئة كبار العلماء د. خديجة عبد الرحمن لتولي مشيخة الأزهر خلفاً للشيخ الحالي الذي تنتهي فترة توليه المنصب نهاية الشهر المقبل، لتكون بذلك أول امرأة في تاريخ الأزهر تتولى منصب شيخ الأزهر منذ إنشائه في العصر العثماني، حيث كان أول من تولاه - كما يذهب معظم المؤرخين - الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي المتوفى عام 1690.
وقد أُعلن رسمياً عن فوز د. خديجة (50 عاماً) بالمنصب بعد حصولها على 65 في المئة من أصوات هيئة كبار العلماء التي تتمثل النساء فيها بأكثر من 30 في المئة من أعضائها البالغ عددهم مئة عضو من جنسيات مختلفة، بينما حصل أقرب منافسيها، الشيخ طلعت فرغلي (65 عاماً) على 15 في المئة من الأصوات، وتوزعت باقي الأصوات على المرشحيْن الآخرين.
وبحصولها على أعلى الأصوات، تتولى د. خديجة المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، أو تنتخب الهيئة شيخاً جديداً من بين من يُرشحون أنفسهم للمنصب، وذلك بِناء على أدائها وإنجازاتها خلال السنوات الأربع.
ويُعد فوز خديجة بالمنصب ضربة جديدة هي الأقوى للتيار المحافظ الذي يمثله الشيخ فرغلي، وهو التيار الذي ظلّ لقرون مسيطراً على مقاليد الأمور داخل المؤسسة العريقة، قبل أن ينجح التيار الإصلاحي في إزاحته بشكل تدريجي خلال العقود القليلة الماضية.
وكان عهد الشيخ الراحل نجيب محيي الدين الذي تولى منصب شيخ الأزهر عام 2020 مرحلة فارقة في تاريخ الصراع بين التيارين الإصلاحي والمحافظ، إذ أجريت في عهده تغييرات جوهرية في مناهج التعليم بالأزهر الشريف، وهي الخطوة التي اعتـُبرت وقتها بداية النهاية لتيار الجمود داخل المؤسسة الأزهرية. هذا بالإضافة إلى الإصلاحات التشريعية التي ضمنت استقلال الأزهر ماليّاً وإدارياً ومن ثمّ سياسياً بعد أن ظلّ لسنوات طِوال تابعاً للسلطة الحاكمة. وقد استكمل أخلاف الشيخ محيي الدين مسيرة الإصلاح والتجديد داخل الأزهر، وأبرزهم الشيخ أنس التونسي الذي تولى المنصب بعده مباشرة. وكثيراً ما شُبّه الشيخ محيي الدين بالإمام محمد عبده (1849 1905) نظراً لأفكار الشيخ التجديدية وآرائه المستنيرة والجهود الكبيرة التي قام بها في سبيل إصلاح الأزهر.
ولم يكن مصير جهود الشيخ الراحل ومن جاء بعده ليختلف عن مصير تلك التي بذلهاالإمام محمد عبده ومَن نَهَجَ نهجَه والتي لم يُكتب لها النجاح، لولا الدعم الحكومي والبرلماني، وكذلك دعم وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لخطواته الإصلاحية.
وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقد بمقر المشيخة بالقاهرة، أكدت د. خديجة عبد الرحمن بعد إعلان فوزها أنها سوف تسير على النهج الإصلاحي الذي بدأه أستاذها الراحل الشيخ نجيب محيي الدين. وقالت إنها مهتمة بشكل كبير بالتوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية والمراكز الثقافية، خاصة في القرى والمحافظات النائية لنشر الوعي وتنشئة أجيال جديدة قادرة على مواجهة ثقافة الجمود والتشدد التي ما زالت موجودة في بعض هذه المناطق. وكذلك إنشاء المزيد من الفروع لجامعة الأزهر خارج مصر استكمالا للخطة التي وضعها سلفها والتي تستهدف افتتاح خمسة
فروع للجامعة العريقة في خمسة بلدان لا يوجد فيها مثل هذه الفروع، وذلك في مدى عشرة أعوام، وقد افتُتِح منها حتى الآن فرعان.
وقد حرص عدد كبير من وسائل الإعلام المحلية والعالمية على تغطية المؤتمر الصحافي الذي ظهرت فيه د. خديجة أنيقة كعادتها، وتحدثت بلغة عربية سليمة. يُذكر أن د. خديجة عبد الرحمن قد تخرجت في قسم الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة عام
2026 بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف وبترتيب الأولى على دفعتها، وعُينت معيدة بالكلية. وقد حصلت على درجة الماجستير عام 2029، وكانت رسالتها تحت إشراف الشيخ نجيب محيي الدين، الذي كان يصفها دوما بـ«التلميذة النجيبة» وكان يتوقع لها «مستقبلاً مشرقاً». بينما حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا عام 2044.
وهي تشغل حاليّا وظيفة أستاذ مساعد للفقه الإسلامي بجامعة الأزهر بالقاهرة كما أن لها عدداً من المؤلفات التي قدمت خلالها اجتهادات فقهية قيّمة. وقد تُرجمت بعض مؤلفاتها إلى للغات أجنبية، بالإضافة إلى عملين أدبيين أحدهما مجموعة قصصية صدرت قبل تخرجها، والآخر رواية صدرت العام قبل الماضي.وهي متزوجة ولديها ولد وبنت.
من جانبه غادر الشيخ طلعت فرغلي المؤتمر الصحافي فور إعلان النتيجة رافضاً الإدلاء بأية تصريحات. بينما نظّم عدد من مؤيديه وقفة احتجاجية أمام مقر المشيخة رددوا خلالها هتافات رافضة لأن تتولى «امرأة» هذا المنصب الرفيع، ومنددة بـ«تدخل النساء في شؤون الرجال»، وقد ارتسمت على وجوههم أمارات الغضب، وكان عددهم لا يتجاوز بضع مئات، معظمهم من كبار السن.