التعليم الأزهري: آفات التعليم العام وجمود مكين

السمات الخاصة التي تميز التعليم في الأزهر لم تلغ أوجه الشبه بينه وبين التعليم العام. فكلاهما يعاني من ارتفاع الكثافة في الصفوف، وتهالك المباني، وقلة المخصصات المالية، ومناهج دراسية تقليدية، ومعلم بحاجة إلى تأهيل علمي وتربوي، والاعتماد على الحفظ والتلقين، وسوء الإدارة، وغياب الأنشطة، وقلة المعامل والتجهيزات...تاريخيّاًبدأ العمل في بناء
2013-12-18

منى علي علاّم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
(من الانترنت)

السمات الخاصة التي تميز التعليم في الأزهر لم تلغ أوجه الشبه بينه وبين التعليم العام. فكلاهما يعاني من ارتفاع الكثافة في الصفوف، وتهالك المباني، وقلة المخصصات المالية، ومناهج دراسية تقليدية، ومعلم بحاجة إلى تأهيل علمي وتربوي، والاعتماد على الحفظ والتلقين، وسوء الإدارة، وغياب الأنشطة، وقلة المعامل والتجهيزات...

تاريخيّاً

بدأ العمل في بناء الجامع الأزهر في أعقاب دخول الفاطميين مصر. وبعد عامين، اكتمل تشييد أول مسجد جامع يقام في المدينة الجديدة التي بناها جوهر الصقلي لتكون عاصمة للدولة الفاطمية، وأطلق عليها المعز لدين الله اسم القاهرة. وقد أقيمت صلاة الجمعة فيه رسمياً لأول مرة عام 972.
وإلى جانب كونه جامعاً، ما لبث الأزهر أن أصبح مركزاً علمياً تُعقد في رحابه الحلقات الدراسية، كما هي الحال في جوامع ذلك الزمان. وكانت تُدَرّس في هذه الحلقات العلوم الدينية واللغوية بشكل أساسي، والتاريخ، وإن لم يمنع ذلك وجود علوم أخرى. وهناك العديد من العلماء البارزين الذين درسوا ودرّسوا في الأزهر على مدار العصور المختلفة، سواء كانوا مصريين أو وافدين، مثل العلامة ابن خلدون الذي قدم إلى مصر من بلاد المغرب أواخر عام 1382، وقام بالتدريس في الأزهر حيث لقيت دروسه إقبالا شديدا.
وقد ظل الأزهر والكتاتيب المنتشرة في أنحاء البلاد، إلى جانب المدارس الملحقة بالمساجد الكبرى في بعض المدن، مصدر التعليم والثقافة في مصر حتى عهد محمد علي (أصبح والياً على مصر عام 1805)، الذي أنشأ المدارس الحديثة على النمط الأوروبي لتزوده بموظفين فنيين وإداريين يسهمون في إقامة دعائم دولته.
ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر توالى صدور عدد من القوانين والقرارات التي تهدف إلى تنظيم الأزهر إدارياً وتنظيم الدراسة فيه. وبعد يوليو 1952، وتحديداً عام 1961، صدر قانون إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، ومن بين ما نصّ عليه ألا تقتصر الدراسة في معاهده على العلوم الدينية واللغوية بل أضيفت إليها "المعارف والخبرات التي يتزود بها نظراؤهم في المدارس الأخرى المماثلة". أما بالنسبة لجامعة الأزهر فلم تعد الدراسة فيها تقتصر على الكليات الثلاث المعروفة (الشريعة وأصول الدين واللغة العربية) بل أنشئت كليات جديدة كالطب والزراعة والهندسة والصناعات والمعاملات والإدارة، وذلك حتى يستطيع رجل الأزهر أن "يجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا". كما أنشئت كلية للبنات تضم شُعباً مختلفة.
وبمقتضى هذا القانون أيضاً أصبح شيخ الأزهر ووكيل الأزهر ورئيس جامعة الأزهر يعيَنون بقرار من رئيس الجمهورية، ومن ثَمّ أصبح الأزهر تابعاً للدولة إداريّاً وماليّاً (بعد أن صادرت الدولة الأوقاف التي كانت تدر عليه أموالا ضخمة)، مما أثّر بالطبع على استقلاله.

من الماضي إلى الحاضر

تقول الإحصائيات الرسمية إن عدد طلاب التعليم الأزهري قبل الجامعي قد بلغ عام 2011 –   2012  أكثر من مليوني طالب (في مقابل أكثر من 18 مليون طالب في التعليم العام قبل الجامعي)، 55.7 في المئة منهم من الذكور. وتستحوذ المرحلة الابتدائية على أكثر من نصف عدد الطلاب. كما بلغ عدد المعاهد الأزهرية في العام نفسه أكثر من 9 آلاف معهد، وهي تتبع الأزهر الشريف وليس وزارة التربية والتعليم. ويدرس الطلاب في هذه المعاهد، إلى جانب المواد الشرعية واللغوية، المواد التي يدرسها نظراؤهم في التعليم العام، ويُطلق عليها المواد الثقافية. كما يـُتم الطالب حفظ القرآن الكريم كاملا خلال المراحل التعليمية المختلفة.
ويشكو الكثير من الطلاب وأولياء الأمور من كثرة المواد وصعوبتها، الأمر الذي يدفع كثيرين إلى تحويل أبنائهم إلى التعليم العام. ويعتبر ذلك أحد التحديات التي يواجهها التعليم الأزهري حاليّاً.
وبالنسبة للتوزيع الجغرافي لهذه المعاهد على محافظات الجمهورية، تأتي محافظة الشرقية في المركز الأول فتضم 13.3 في المئة من إجمالي المعاهد، تليها محافظة الدقهلية ثم الغربية فالبحيرة... بينما تضم القاهرة 4.7 في المئة من المعاهد (7.2 في المئة من الطلاب). ويشير بعض الباحثين إلى العشوائية في إنشاء المعاهد الأزهرية، مما جعلها تتركز في بعض المناطق من دون أخرى.
وتتفاوت نسب الذكور والإناث من مرحلة لأخرى. ففي المرحلة الابتدائية بلغت نسبة الذكور 56 في المئة، بينما هي في الإعدادية 58  في المئة وترتفع في الثانوية الى 62 في المئة (وذلك في العام الدراسي 2009 – 2010). وبالنسبة لعدد أعضاء هيئة التدريس بالمعاهد الأزهرية، فقد بلغ في العام الدراسي نفسه أكثر من 151 ألف عضو، أكثر من 43 في المئة منهم في المرحلة الابتدائية.
وتبلغ نسبة المدرسين من إجمالي عدد أعضاء هيئة التدريس 62 في المئة، أما نسبة المدرسات فتبلغ 38 في المئة، وترتفع هذه النسبة في مرحلة رياض الأطفال لتبلغ 88 في المئة، وتقل بالتدريج في المراحل اللاحقة. وفي ما يتعلق بالإنفاق، تشير إحصائية رسمية لعام 2009 – 2010  إلى أن الإنفاق الحكومي على التعليم الأزهري قبل الجامعي يمثل 9.3 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم، بينما بلغت نسبة الإنفاق على التعليم قبل الجامعي غير الأزهري 66.1 في المئة، وتبلغ النسبة 24.6 في التعليم العالي. وقد بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم في العام نفسه 47.7 مليار جنيه، بما يمثل 14.7 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي العام.

التعليم الأزهري الجامعي

وفقا لإحصائيات عام 2009 – 2010 تضم جامعة الأزهر 66 كلية، تتوزع جغرافياً على محافظات الجمهورية، وتستأثر محافظة القاهرة بالعدد الأكبر إذ تضم 22 كلية (14 للبنين و8 للبنات)، تليها محافظة أسيوط (9 كليات، 8 للبنين وواحدة للبنات). وهناك محافظات تضم كلية واحدة فقط مثل بني سويف والإسكندرية وكفر الشيخ والقليوبية وبورسعيد والأقصر، وكل واحدة منها تضم كلية واحدة للبنات، أما محافظة أسوان فتضم كلية واحدة للبنين.
وهناك محافظات لا يوجد فيها أي كليات تابعة لجامعة الأزهر، وهي الجيزة والفيوم ومرسى مطروح والوادي الجديد والمنيا والإسماعيلية والسويس وشمال سيناء وجنوبها والبحر الأحمر. وعام 2011 – 2012، بلغ عدد الطلاب المسجلين بجامعة الأزهر 269 ألف طالب، وذلك بنسبة 12.7 في المئة من إجمالي عدد الطلاب المسجلين بمؤسسات التعليم العالي. وبهذه النسبة تحتل جامعة الأزهر المرتبة الثالثة من حيث عدد الطلاب، بعد الجامعات الحكومية (تضم 51 في المئة من الطلاب) والمعاهد العليا الخاصة (تضم 13.4 في المئة من الطلاب).
ووفق أرقام العام نفسه، بلغ عدد المتخرجين من جامعة الأزهر 43.600 ألف متخرج، بنسبة 9 في المئة من إجمالي عدد المتخرجين في مؤسسات التعليم العالي، البالغ عددهم 484.4 ألف متخرج (58.7 في المئة منهم ينتمون لجامعات حكومية و16.4 في المئة لمعاهد عليا خاصة). وعام 2011 – 2012، بلغ عدد المسجلين بجامعة الأزهر في مرحلة الدراسات العليا، حوالي أربعة آلاف طالب، بنسبة 1.9 في المئة من إجمالي المسجلين بالدراسات العليا (94.7 في المئة منهم ينتمون لجامعات حكومية و2.9 في المئة لجامعات خاصة وأكاديميات).
أما عدد المتخرجين (في مرحلة الدراسات العليا) فقد بلغ ألفين و900 متخرج من إجمالي 108 آلاف متخرج، وذلك بنسبة 2.7 في المئة، بينما 95.4 في المئة منهم ينتمون لجامعات حكومية و1.7 في المئة لجامعات خاصة وأكاديميات. وفي العام 2011 – 2012، بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر 8900 عضو بنسبة 10.4في المئة من إجمالي عدد الأعضاء بمؤسسات التعليم العالي الجامعي. وتشير إحصائية رسمية إلى أن نسبة الإنفاق على التعليم الجامعي الأزهري إلى إجمالي الإنفاق على التعليم العالي قد تراجعت خلال الفترة من 1965 إلى 2007 من حوالي 15.1 في المئة إلى 6.7  في المئة.

في أي العصور يعيش الطلاب؟

المناهج الدراسية التي يتلقاها الطلاب تقليدية، وهي وفق المختصين "غير قادرة على متابعة وملاحقة الأحداث والتغيرات المحلية والعالمية، ولا تنسجم مع حاجة الطالب، لأنها لا تعبر عن واقعه ولا تراعي التقدم العلمي والتغير الاجتماعي والسياسي". وتتجلى هذه المشكلة في مقررات بعض المواد الشرعية التي يدرسها طلاب الأزهر، وهي المواد التي تميز التعليم الأزهري عن غيره. فإذا ركزنا على مقررات علم الفقه على سبيل المثال، وهو العلم الذي يضبط حياة الفرد والمجتمع بأحكام الشرع، نجد الاعتماد على كتب أُلِّفت منذ قرون. وعلى سبيل المثال، فكتب الفقه المقررة على طلاب المرحلة الثانوية الأزهرية هي كالتالي:
 -  لطلاب المذهب الحنفي: كتاب "الاختيار لتعليل المختار" تأليف عبد الله بن مودود، المولود بالموصل سنة 599 هـ، وهو من طبقة المقلدين كما تقول ترجمته.
-  لطلاب المذهب المالكي: كتاب "الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك" تأليف أحمد بن الدردير، المولود سنة 1127 هـ، وقد انتهى من تأليفه وشرحه سنة 1193 هـ.
-  لطلاب المذهب الشافعي: كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" تأليف الخطيب الشربيني المتوفى سنة 977 هـ.
  - لطلاب المذهب الحنبلي: كتاب "الروض المربع بشرح زاد المُسْتـَقـْنِع – مختصر المُقْنِع" ، لمنصور البهوتي، وهو أحد أعلام المذهب الحنبلي المتأخرين، ولد عام 1000هـ .وكتاب "المقنع" ألفه ابن قدامة المقدسي (541 – 620 هـ.)

وفضلا عن صعوبة الأسلوب وطريقة العرض، واستخدام ألفاظ ومصطلحات ومعايير ومقاييس لم تعد مستخدمة، فإن هذه المؤلفات قد عالجت قضايا العصر الذي أُلِّفت فيه، والمختلف بالطبع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلميّاً عن عصرنا، مما يجعل الطالب يشعر بفجوة واسعة بين ما يدرسه في هذه المؤلفات والواقع الذي يعيشه، هذا في الوقت الذي تُهمَل فيه اجتهادات قدمها فقهاء ومفكرون معاصرون عالجت العديد من القضايا والإشكاليات المطروحة حاليّاً، كقضايا العلاقة بين الحاكم والمحكومين، والمواطنة، والمرأة... وغيرها من القضايا التي لم تكن مطروحة في ذاك العصر.
حذر الكثيرون، سواء من داخل المؤسسة الأزهرية أو من خارجها، من آفة الجمود على القديم، وهي مشكلة قديمة تزداد تفاقماً مع الوقت، ولا تقتصر بطبيعة الحال على المرحلة قبل الجامعية، بل تمتد لما بعدها. بل هي مشكلة يواجهها الفقه الإسلامي بشكل عام حاليّاً.
وإذا كان من غير الممكن إهمال كتب التراث أو الاستغناء عنها بالكلية، فإنه من الضروري أن يفهم الطالب الذي يتلقاها أنها تمثل اجتهادات عصور سابقة وأزمنة مختلفة، وأن تكون الأولوية للاجتهادات التي تناسب العصر وتستطيع الإجابة عن أسئلته (والتي وضعت وفقاً لشروط الاجتهاد)، ومع ضرورة ربط أحكام الفقه بمقاصدها.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

قصّة "هَدِية" مع الميراث

في زيارتي الأولى في العام 2016 ركّزتُ على التقصير الحكومي ونقص الخدمات الأساسية، وفي الثانية (2021) عملتُ واحتككتُ أكثر بموضوعات تتعلق بثقافة وسلوكيات الناس أنفسهم هناك: ختان الإناث، قتل النساء...

أوضاع صعبة يواجهها الوافدون السودانيون في مصر وعلى حدودها

قالت مفوضية اللاجئين إنه حتى 15حزيران/ يونيو الفائت، تمّ تمويل برنامج الاستجابة السريعة للأزمة السودانية، الذي يشمل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، بنسبة 15 في المئة فقط...