يبيت معتصمو الإحتجاج العراقي كل ليلة والبرد يهاجم خيامهم متأملين أن يأتيهم بابا نويل / سانتا كلوز بنبأ يقين عن وطنٍ حلم. لكن الصباحات تتوالى بجعبة ملؤها الموت، بأشكال لا حصر لها. فبعد مجزرة السنك التي ارتكبتها عصابات الموت، وحادثة الوثبة البشعة التي استنكرها المتظاهرون واستغلها إعلام الأحزاب (الامساك بشاب وشنقه بحجة أنه كان يطلق النار على المتظاهرين)، دخلت الأسلحة الكاتمة للصوت الخدمة ليحصد رصاصُها أرواح ما لا يقل عن 25 ناشطاً في التظاهرات. وعلى خط موازٍ، كانت حالات إختطاف نشطاء تسير على وتيرة متصاعدة، حيث أعلن عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي بلوغ عدد حالات ذلك الإختطاف والاختفاء 48 حالة لم يتم تحرير إلا عدد قليل منهم..
بالضرورة، كان لمخالب الموت والتخويف هذه دور في تراجع أعداد المعتصمين في بغداد والمحافظات الجنوبية. لكنهم، وبالمقابل، عملوا على رص الصف الإحتجاجي والتحشيد لنصرة قضيتهم. فانطلقت حملات التحشيد داخل الساحة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وسرعان ما عادت الساحات لتغص بالمحتجين على الرغم من استمرار الرعب وتضاعف احتمالات القتل أو الاختفاء..
لم تكن هذه الظروف لتمر وحدها. كانت الكتل السياسية تمارس لعبتها المعهودة بأدوات جديدة، إذلم تنقطع صراعات الكتل من أجل إدامة مصالحها، على الرغم من حرجها (الشكلي) الذي صنعته الإحتجاجات وما رافقها من قمع..
____________
من دفاتر السفير العربي
العراق ينتفض: أريد حقي، أريد وطناً!
____________
كان تعديل قانون الإنتخابات أو استبداله بآخر منصف من أوائل مطالب المتظاهرين الذين خرجوا مطلع تشرين الأول/اكتوبر. وفي هذا الصدد، نشط حقوقيون وخبراء باقتراح تعديلات أو طرح نماذج بديلة عن القانون المعتمد (الذي يعين نظام توزيع المقاعد واحتساب الاصوات وفق طريقة "سانت ليغو المعدل 1.9"). لكن الكتل المسيطرة على العملية السياسية كانت تصيغ قانوناً يناسب مصالحها ويضمن بقاءها على أن يكون بهيئة يمكنها أن تهدئ من غضب المحتجين. لم ينجحوا، ففشل مجلس النواب ليلة الأربعاء 18 كانون الأول/ ديسمبر بالتصويت على جميع فقرات القانون الذي سبق وتمت قراءته مرتين، وتعرّض لتعديلات وتطويعات كثيرة، واختلّ النصاب البرلماني بانسحاب بعض الكتل عند الوصول للفقرتين 15 التي تخص نسبة الترشيح الفردي أمام نسبة ترشيح الكتل، و16 من القانون لتحفظهم على مضامينها..
قبل التصويت عليه، كان المحتجون قد أبدوا موقفهم من مشروع القانون، رافضين الإلتفاف على مطالبهم ومجددين مطلبهم بقانون حقيقي لا خادع.
لا أحد يستطيع التنبؤ بغد الحالة العراقية. فهناك من اعتبر الأسماء المتداولة المرشحة لرئاسة الحكومة، مجرد أوراق تُحرق لكسب الوقت، وأن الكتل الأساسية تخبئ مرشحاً فعلياً ستُظهره في اللحظة الأخيرة. وهناك من اعتبر أن هذه الكتل تراهن على نفاد الوقت والدخول في فترة فراغ دستوري يجيدون اللعب فيها، باعتبار أنهم أبناء الفوضى...
كما لم يعطوا الفرصة–على الرغم من الموت الذي يحاصرهم - لأي مرشح لمنصب رئيس الوزراء كخلفٍ للمستقيل عبد المهدي، بأن يستغل احتجاجاتهم، فكلما برز اسم مرشح من أحدى الكتل السياسية (أو يقدم على أنه من خارجها)، خرجت الساحات بموقف حازم مفاده أنها بريئة من دعمه أو دعم أي إسم آخر، وأن المحتجين يريدون من يحقق مطالبهم ويضمن إجراء انتخابات مبكرة بقانون عادل جديد،يحاسب المجرمين والفاسدين جميعاً، ويبني دعامات وطن يسود فيه العدل.
لا أحد يستطيع التنبؤ بغدِ الحالة العراقية. فهناك من اعتبر الأسماء المرشحة التي تمّ تداولها مجرد أوراق حرقٍ لكسب الوقت، واعتقد أن الكتل الأساسية في لعبة السياسة العراقية تخبئ مرشحاً فعلياً ستُظهره في اللحظة الأخيرة. وهناك من سرّب نبأً مفاده أن هذه الكتل تراهن على نفاد الوقت والدخول في فترة فراغ دستوري، يجيدون اللعب فيها، بفرض أنهم أبناء الفوضى. وآخر يعتقد أن قادة هذه الكتل يتلاعبون من أجل نفاد المهلة الدستورية وتجديد الثقة بعادل عبد المهدي كرئيس وزراء لحكومة تصريف أعمال..
كل هذا يجري في وقت يحافظ المحتجون على أماكنهم، معتصمين، وعلى موقفهم رافضين لمراوغات الكتل السياسية السلطوية. على أمل ألاّ ينتهي العام بشجرة ميلاد زِينتُها صور الشهداء!