بعد القرار التعسفي للسيد مارك الذي ابلغني بمنعي من استخدام صفحة (الفيسبوك) للنشر لتجاوزي الشروط المسموحة بحسب بلاغ وردهم من "الاحبة" الذين "دغدغت" مشاعرهم الكلمات التي نختارها ضد اسيادهم، لم أجد غير (تويتر) ليكون منقذا وانيسا اتابع من خلاله ما يدور في ساحات الاحتجاجات وردود افعال اصحاب السيادة من القوى السياسية، ليقفز امامي مقطعا فيديويا لرئيس المجلس الأعلى الإسلامي الشيخ همام حمودي، تراجعت قليلًا ثم تساءلت لعله خرج من صمته ليساند المحتجين ويطالب بدعمهم، فتسارعت للاستماع له بتفاؤل كبير، لكن تلك الأمنيات اختفت بعد ثوان معدودات ابلغنا الشيخ خلالها بان "مايجري ليست تظاهرة إنما فتنة ومؤامرة وسيكشف من يقف خلفها".
لا اعلم لماذا يتمسك اصحاب القرار في كل ازمة تشهدها البلاد بمبدأ "تجريم" عباد الله وتحميلهم مسؤولية ما يحصل، ليقدموا أنفسهم كنموذج للقيادة الصالحة التي أنقذتنا من "الظلم والاستبداد" وأصحاب الفضل في حصول المواطنين على اجهزة هاتف حديثة وسيارات تناسب ما تشهده بقية بلدان العالم من تطور في مختلف المجالات، حتى أصبحت طريقة يحاولون تذكيرنا بها في كل مناسبة من دون الشعور بالخجل، فقبل عدة اشهر خرج علينا القيادي في تيار الحكمة الشيخ حميد معلة، ليبلغنا بان "ما يعيشه الشباب اليوم من ارتداء الملابس على الموضة وقصات الشعر وامتلاكهم للسيارات الحديثة يعود لقيادتهم عمليات التحرير ضد نظام صدام حسين"، لكنه تناسى ان يحدثنا عن اوضاع الطبقة السياسية قبل العام 2003، وكيف تحولت قياداتها من أفراد لاجئين في الدول الى تجار ينافسون "أغنياء" العالم في أرصدتهم المالية وممتلكاتهم من المشاريع، هل كانت تلك الأموال "ميراثا" استحصلوا عليه من تركة عائلية؟، ام كانت هناك جوائز وزعت لأصحاب الفخامة نظرا لتضحياتهم في بلاد المهجر؟، جميع تلك التساؤلات لم نسمع إجاباتها من "جهابذة" العملية السياسية الذين يستكثرون على الشباب اليوم الخروج في تظاهرات سلمية تطالب بحقوقهم "المسلوبة" التي يتمتع بها اصحاب "الفخامة".
لكن تلك "العدوى" لم تقف عند "المتبحرين" بالسياسة إنما امتدت لتشمل قيادات امنية كانت بالأمس تتغنى "بالثورة الشعبية" لمواجهة الفاسدين وتدعو المواطنين لاقتحام المنطقة الخضراء لاستعادة حقوقهم، لكنهم بعد حصولهم على مناصب في حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تغيرت لهجتهم وأصبحت "الاحتجاجات الشعبية" مؤامرات تستهدف الدولة من قبل اجندات خارجية تديرها "جهات مشبوهة" ولعل أفضل مثال على ذلك المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة للواء الركن عبد الكريم خلف الذي كشف في احد مؤتمراته الصحفية عن "تحول المطعم التركي (جبل احد) الى معمل لصناعة المتفجرات لاستهداف القوى الامنية" ليستخدم بعدها لغة التهديد حينما اكد بان "القوات الامنية قادرة على اقتحام ساحة التحرير وفض الاحتجاجات خلال ساعات" لتكون جميعها مقدمة لأساليب اكثر "عدوانية" تمثلت بتفجير عبوات صوتية تطورت بعدها إلى ناسفة كانت اخرها ثلاثة تفجيرات ليلة الجمعة، وصلت حصيلتها الى 28 شهيدا وجريحا من المحتجين، لكن طريقة المتحدث العسكري لعبد المهدي في "تبرير" عمليات قتل المحتجين تطورت الى مهاجمة منتقديه ومخالفيه بالرأي، ووصفهم بكلمات لا تليق بشخص يمثل منصبا عسكريا يتطلب الانحياز الى "الشعب" فخرج ليبلغنا بان "الهجوم الذي تجاوز الملايين يؤكد نجاحه وافشال ما دبر بليل، ليعلن إنه سيستمر بعمله واصفا منتقديه بأنهم "ذباب دواءه الفعص" ليختتم تغريدته على تويتر بعبارة "الأيام بيننا".
نعم لا تستغربوا بهذه الطريقة تحدث من يمثل صوت الحكومة باستخدام كلمات الوعيد والتهديد التي يحاسب عليها القانون في جميع أنحاء المعمورة الا في بلادنا التي يسمح فيها لسيادة اللواء التجاوز على المواطنين لانهم يخالفونه بالرأي وينتقدون أسلوبه "بالكذب"، لكن ماذا تقول لشخصية سيدها رئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة يخاطب جهات مسلحة اختطفت مدير المعهد العالي في وزارة الداخلية وهو برتبة لواء، بطريقة التوسل للإفراج عنه، وكأنه رئيس جمعية خيرية او مرصد لحقوق الإنسان، لكونه لا يملك الجرأة على اعتقال تلك الجهة التي تمثل كما قالها وزير الدفاع نجاح الشمري الطرف الثالث الذي يستورد القنابل المسيلة للدموع والأسلحة التي تقتل المتظاهرين خارج نطاق الدولة ومن دون علم الحكومة، لكن هذا لا يعفي عبد المهدي والمتحدث العسكري باسمه من تحمل المسؤولية، مرة لصمتهم وأخرى لمحاولة حرف الحقائق.
صحيح ان رئيس الوزراء يحاول تقديم نفسه بموقف "الملتزم" بوعود الإصلاحات، لكن المرجعية الدينية ارسلت في خطبة الجمعة إشارات مباشرة بعيدا عن التلميحات وكأنها تريد القول بان "المواجهة ستكون مباشرة"، من خلال قولها بانه، "اذا كان من بيدهم السلطة يظنون أن بإمكانهم التهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنهم واهمون، إذ لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها في كل الاحوال، فليتنبهوا الى ذلك"، لتأتي بعدها كلمات اكثر وضوحًا حينما أكدت المرجعية بانه "لأي شرعية لأي حكومة الا من الشعب"، وهذه رسالة بان حكومة عبد المهدي اذا استمرت على نهجها ستكون "فاقدة للشرعية" وبالتالي ليس لها اي سلطة على المواطنين الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم، لتكون المرجعية بهذا الخطاب قد قطعت جميع "خطوط النجاة" عن عبد المهدي ومن يؤيده بقتل المتظاهرين السلميين، وتضعهم "بخانة" الايام المعدودات.
الخلاصة... ان التفجيرات التي شهدتها ساحات الاحتجاج في بغداد والناصرية، لا يمكن تفسيرها بغير الرد من "الطرف الثالث" على خطبة المرجعية والتي كشفت عن حجم تمسك قياداته وعبد المهدي بالسلطة، واستعدادهم للاستمرار بمسرحية اصحاب الفضل في التغيير ويجب بقائهم في المقدمة اكراما لإنجازاتهم، لكن القصة اقتربت من نهايتها وقد تختتم فصولها قريبا بتوقيع من ساحات الاحتجاج... اخيرا... السؤال الذي لابد منه... متى يفهم عبد المهدي؟