سوار النبي.. يا شروح الروح!

ثمة أشخاص نلتقيهم لأول مرة ونحن متأكدون بأننا التقيناهم من قبل وهم أيضاً متأكدون. أشخاص ينتظروننا وننتظرهم، لأنهم يشكلون جزءاً من حياتنا، ونألفهم قبل أن نعرفهم.
2019-11-28

عبد الرزاق الحطامي

كاتب من اليمن


شارك
غسان جديد - سوريا

في كل لقاء أمنحه وادياً جديداً من أودية اليمن، وذلك لينساق البيت الشعري الترحيبي الذي لا بد أن يكون مطلع صدره "يا شروح الروح!" ارتجالاً على وزن وقافية ، وما أنا بشاعر ، إلا أن شعراً قد يحدث كلما التقيت الزميل عبد الله شُرُوح .

ولعل "يا شروح الروح في وادي بنا" هو الأدق وقعاً على قلبه. فالوادي في محافظة إب ، سيدة البلس الشوكي وابنة المطر، وشروح من هناك .

هي دعابة شعرية يحلو لي أن استقبل بها شروح الروح، الشاعر المباغت والروائي القادم من أقاصي الخيال والواقعية . يأخذه عالم الرواية إلى قراءة كل روايات العالم بشغف. وهو يقول إنه لايقرأ الروايات بل يشاهدها ، وكثيراً ما يلتهم أحدهما الآخر .

مرة صعقني بأقصودة نشرها في الفيسبوك، وآمنت به شاعرا ً من مطلعها. وكان المطلع يقول : أشدُّ من الليل يا كحلها .

وحين نزحت إلى مأرب عاصمة مملكة سبأ العتيقة كان هو قد سبقني إليها. وفي جلسة مقيل قاتية تعرفت الى الشاب النحيل القابع جواري، وكان من النحول بحيث نصحه الممثل الكوميدي أبو بكر سالم بأن يشد على الوتيرة ذاتها ليصبح شهيداً!

منذ لحقتني عائلتي إلى مخيم النزوح في مأرب - لأن نزوح الصحافيين يتم بالتقسيط العائلي، ففي الغالب كل الطرق في مناطق الحوثيين تؤدي إلى السجن والصحافيون لا يصلون - منذها وأنا أفتقد تلك الليالي الحميمة التي كدنا أن نكون فيها أنبياءها، ونحن نسهرها معاً على شجون الروايات وشؤون عالم إبداعي شاسع، أصر شروح الروح وهو من برج الحمل أن يقتحمه كاتباً بعد أن فرغ من قراءة فصله الأخير والفهرس وتشبع.

ثمة أشخاص نلتقيهم لأول مرة ونحن متأكدون بأننا التقيناهم من قبل وهم أيضاً متأكدون. أشخاص ينتظروننا وننتظرهم لأنهم يشكلون جزءًا من حياتنا، ونألفهم قبل أن نعرفهم، وشروح الروح هو من هؤلاء .

قادتني قصيدة الكحل القصيرة إلى معرفة شروح الروائي. ثمة نص سردي عنوانه "ماء" أوقفني على قارة مارك الزرقاء على صفحة شروح الفيسبوكية، حتى أنني غضبت وقلت تباً ،أنى لك أن تُهرق هذه الرائعة الأدبية الروائية المائية هكذا على قارة تتكاثر فيها اللغة الغثة وتحوز فيها الركاكة على أعلى معدلات الإعجاب؟

منذ لحقتني عائلتي إلى مخيم النزوح في مأرب - لأن نزوح الصحافيين يتم بالتقسيط العائلي، ففي الغالب، تؤدي كل الطرق في مناطق الحوثيين إلى السجن والصحافيون لا يصلون - منذها وأنا أفتقد تلك الليالي الحميمة التي كدنا أن نكون أنبياؤها، ونحن نسهرها معاً على شجون الروايات وشؤون عالم إبداعي شاسع.

لحظةَ عرفت أن "ماء" هو الإسم الافتراضي لحبيبة شروح آمنت به روائياً وأحببت ماء.

وماذا عن سوار النبي؟

إنها الرواية. استنضجها شروح الروح، صاحب برج الحمل المتسم بالهدوء والعناد، من مسودتين مثلتا بثاً تجريبياً وعراكاً حامياً على بوابة اقتحام الرواية، حتى استقر الأسلوب واختص على صاحبه، وكانت المسودتان صراط العبور الضروري إلى الرواية الأولى، "سوار النبي"، وهي رواية أشتاق لقراءتها في اللحظة التي أنا أقرؤها.

وقد جرت عادتي أن أعتمد معياراً خاصاً في قياس جودة أية رواية من عدمها، تتمثل في الجوع والسهد والاحتقان. وأن الرواية الناجعة إبداعياً لايمكن لقارئها إلا أن يعيشها دفعة واحدة، وهي لا تقبل القراءة بالتقسيط أو المشاهدة الحصصية وفق مواقيت جدول زمني، وهي أيضاً تلك الرواية التي تأخذك في غيبوبة زمن واحد متصل لتكتشف عند الانتهاء من قراءتها أنك لم تنم ولم تتناول طعام العشاء وأن مثانتك توشك على الانفجار.

كذلك فعلت بي "سوار النبي" يا شروح الروح!

تفضح رواية "سوار النبي" حالة من العقم الفكري العام، وعدم قدرة اليمني على استثمار التاريخ لصالح المستقبل، من أجل أن ينجو من الحفرة التي يقع فيها ألف مرة، وينسى أن يردمها في كل مرة يكتشف فيها ساقيه المكسورتين.

تغوص الرواية البكر في تجاعيد اللحظة التاريخية الراهنة التي يعيشها اليمن في ظل حرب متثائبة تمتد على اللا أفق وتتعدد فصائلها بين أطراف الصراع، في الحوثيين والشرعية والتحالف الاماراتي السعودي الداعم للشرعية أو عدوها. كما تتبع الرواية بعينيين يقظتين خيوط صراع الإيديولوجيات والأبعاد التاريخية للمعضلة اليمنية وملابسات المأزق التاريخي الذي يتكرر بالنمط ذاته والدوافع. والرواية تقشع ستائر القصر الرئاسي وتعرّي كواليس السياسة وما يحدث في الخلف وما يدور داخل المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها الروائي على مضض.

كما تفضح "سوار النبي" حالة من العقم الفكري العام، وعدم قدرة اليمني على استثمار التاريخ لصالح المستقبل، من أجل أن ينجو من الحفرة التي يقع فيها ألف مرة، وينسى أن يردمها في كل مرة يكتشف فيها ساقيه المكسورتين.

____________
من دفاتر السفير العربي
اليمن بعدسة ريم مجاهد
____________

وخلاصة، يمكن القول إن ثيمة النص الروائي في سوار النبي تتكثف في لحظة انكشاف على ما لم تطرقه الروايات اليمنية، على الأقل تلك الصادرة في زمن الحرب والمؤامرات وازدهار الدم المسفوح .. زمن ملبد وملطخ ، تتعذر رؤية شمس حقيقته وهي تنزاح بفعل السياسة التي لا تبيض ولا تلد، والتضليل الإعلامي، فتندفن وراء أكمات الغبار والضباب والدخان، في بلد يذوب ويغيب بعيدا عن أبنائه وهم سادرون.

ومن وراء ذلك الغياب البعيد خلف الأكمات، تعود إلينا "سوار النبي" بيمن قبس، نراه ويرانا، وروائي معاند من برج الحمل، لا تخطئ خطواته درجات السُلَّم الأقرب إلى النجوم.

وفي كل خطوة على السلم يؤانس شروح الروح سراً من أسرار الرواية ويجد على النار هدى، فإذا الأسلوب لا يختص إلا على كاتبه وحده.

أما القارئ اليمني فيتأكد لديه وهو في حضرة "سوار النبي" أن عليه أن يردم الحفرة أولاً، كلما انكسرت ساقاه.

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه

تزوير وتكفير الآثار اليمنية!

في منتصف آذار/ مارس الماضي 2021، وبالتزامن مع الذكرى السنوية السابعة لـ"عاصفة الحزم"، دعا محافظ ذمار إلى فتح باب المنافسة أمام المصممين الفنيين والنحاتين لتشييد نصب تذكاري وسط المدينة للملك...