تنوع هائل وتداخل لسكان بلاد الأزواد

في الوقت الذي تبدو فيه الأمور في شمال مالي تتجه نحو المجهول، إن لم يكن نحو «الصوملة» أو «الأفغنة» كما تقول الصحف، يدفع الشعب الأزوادي من حياته ورزقه القليل ثمن حرب لا تعود عليه على الأرجح سوى بالخسارة، لتحكم مصالح الدول الكبرى بها، والأنظمة المحلية وهي ليست سوى امتداد للمستعمر أو في خدمته.بسقوط نظام القذافي في ليبيا منذ عام، «عاد» الآلاف من
2013-01-30

علّية عباس

أستاذة أدب عربي، مقيمة في نواكشوط


شارك
(من الانترنت)

في الوقت الذي تبدو فيه الأمور في شمال مالي تتجه نحو المجهول، إن لم يكن نحو «الصوملة» أو «الأفغنة» كما تقول الصحف، يدفع الشعب الأزوادي من حياته ورزقه القليل ثمن حرب لا تعود عليه على الأرجح سوى بالخسارة، لتحكم مصالح الدول الكبرى بها، والأنظمة المحلية وهي ليست سوى امتداد للمستعمر أو في خدمته.

بسقوط نظام القذافي في ليبيا منذ عام، «عاد» الآلاف من الأزواديين الى الصحراء. و«عاد» آخرون إلى دول الجوار، موريتانيا، النيجر، مالي... وفي هذه الأخيرة، أعلنت حركة تحريرهم استقلال بلاد أزواد. فمن هم الأزواديون؟
يقع إقليم أزواد بين خمس دول هي على التوالي الجزائر، موريتانيا، مالي، بوركينافاسو والنيجر.وتبلغ مساحته 827485 كلم مربعا، ما يمثل سبعين في المئة من مساحة مالي البالغة 1.247.228 كلم مربعا. وهو يضم ثلاث مدن رئيسية: تمبكتو، غاوا، وكيدال. وعدد سكانه يقارب 4 ملايين إنسان. وتعوز الدقة الأرقام وبخاصة نسب كل فئة في التركيبة السكانية الإجمالية، لأسباب عديدة أبرزها حالة التشتت والنزوح الدائمين، بسبب الانتفاضات والمواجهات مع الحكومات المالية منذ نالت مالي استقلالها عن فرنسا سنة 1960، حيث لم يهدأ حراك هذا الإقليم طلبا للاستقلال، أو بسبب الأحوال المناخية التي تجبر قسما كبيرا من السكان على الارتحال بحثا عن المرعى والماء. ولكن يمكن تمييز ثلاثة مكونات رئيسية هي الطوارق والعرب والزنج. وهذا التقسيم لا يلغي التقاطعات في ما بينهم.

الطوارق ـ الرجال الزرق

المكون الأساسي المعروف لبلاد أزواد في شمال مالي هو الطوارق أو «أمازيغ الصحراء»، ويلقبون أيضا بالرجال الزرق لطغيان اللون الأزرق على لباسهم. وهم شعب من الرحل والمستقرين، ومن المسلمين السنة المالكيين، شأن كل مكونات الشعب الأزوادي، يتحدثون الأمازيغية بثلاث لهجات، وهم بذلك ينتمون الى مجال لغوي ممتد من المغرب إلى مصر، ومن تونس والجزائر شمالا إلى النيجر وتشاد وبوركينا فاسو.
تتباين التفسيرات حول تسميتهم. فمن قول أنها مشتقة من كلمة «كل تماشق» الأمازيغية، والتي تعني كل من يتحدث لغة الطوارق، أو مشتق من كلمة «أيموهاغ» الأمازيغية التي تعني «الرجال الشرفاء»، إلى قول آخرين، ومنهم ابن خلدون، انّ أصل التسمية عربي، إذ سموا بالتوارك، لتركهم المسيحية ودخولهم في الإسلام. أما نسبتهم إلى مجموع مكونات المجتمع الأزوادي فيصعب تحديدها بدقة «بسبب ما تعرض له هذا الشعب من عمليات قمع وقتل سبب تشرده في عدة دول» بحسب السيد محمد المولود رمضان، مسؤول العلاقات الخارجية للحركة العربية الأزوادية في موريتانيا. ولكنه يرجح أنهم يمثلون حوالي 35 في المئة من مجموع الأزواديين. وطغيان حضورهم في الإعلام يعود الى انتشارهم الواسع من جهة، والى رغبة مالي في جعل القضية طوارقية لا أزوادية، ما يسهل إخافة الدول المجاورة التي ينتشرون فيها من عدوى مطالباتهم.
ينقسم الطوارق إداريا إلى مجموعتين، الأولى من طوارق الغرب ويسكنون في ولاية تمبكتو، والثانية تتشكل من قبائل طوارق الشمال ومنها قبائل «إموشق»التي تنتشر قرب الحدود مع الجزائر والنيجر، وقبائل «إفوقاس»(«الشرفاء»، ومنهم إياد آق غالي زعيم «حركة أنصار الدين» الذين ينتشرون ما بين النيجر والجزائر). ولكل من هذه المجموعات زعامة منفصلة، إلا أنها تعترف بالقيادة الزمنية لمجموعة إفوقاس، وأسرة «انتاله آق الطاهر» خاصة.يشتهر رجال الطوارق بقاماتهم الممشوقة وثيابهم الزرقاء واللثام الذي يغطي كامل الوجه عدا العينين، والتخلي عنه يعتبر مسبة وعارا. ويعيد الطوارق هذه الظاهرة إلى أسطورة تقول أن رجال إحدى القبائل خرجوا يوما في مهمة، فهجم العدو على مضاربهم التي لم يكن فيها سوى النساء والأطفال، ففزعت النساء إلى عجوز في الحي نصحهن بارتداء زي الرجال وحمل السلاح. وفجأة عاد الرجال فظن العدو انّه واقع بين جيشين فانهزم.
أما المرأة الطوارقية فتتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع. وربما كان الطوارق من البقية النادرة من الشعوب التي لا تزال تحافظ على تقاليد المجتمع الأمومي في مقابل سيطرة الأبوية على معظم أرجاء المعمورة. وحين تصل الفتاة سن البلوغ يقام لها احتفال عظيم على اعتبار أنها صارت مؤهلة للزواج، وترتدي لذلك أفخر ما لديها من ثياب وحلي، وتصبح حرة في الدخول في تجربة مع من تحب. فالزواج عندهم لا يبنى إلا على الحب الذي قد يدوم حراً لسنوات، دون أن تستنكر القبيلة ذلك. أما عند الزواج، فيقدر الزوج زوجته ويحترمها، وضربها عار يلحق بصاحبه إلى درجة اضطراره أحيانا إلى ترك موطنه. والمرأة لا تحتمل الاهانة، وان كرهت الحياة مع الرجل فباب الطلاق مشرع. ويتقاسم الزوجان كل الأعمال خارج المنزل أو داخله. فالرجل يعجن ويكنس ويطبخ كما تشارك المرأة في رعي الماشية وما اتصل بذلك من أعمال. وتعدد الزوجات أمر غير وارد لدى الطوارق. والنساء لسن أميات، بل يقرأن ويكتبن بالأمازيغية.

العرب

المكون الثاني الأزوادي هم العرب الذين يقدرون بحوالي 25 في المئة من السكان، وهم ينتسبون إلى قبائل مشتركة مع القبائل الموريتانية، مثل قبيلة البرابيش والدواعلي وأولاد ادريس.وهم كثيراً ما يحملون جوازي سفر في الوقت نفسه، الموريتاني والمالي. ورغم اعترافهم بدعم الجزائر لهم كما دعموها في حرب التحرير، إلا أنهم يجدون أنفسهم أقرب إلى الموريتانيين.اذ بالإضافة الى كونهم يتحدثون مثلهم العربية باللهجة الحسَّانية - نسبة لقبائل بني حسان اليمنية التي ينحدرون منها بمعظمهم ـ فهم يشتركون معهم أيضا في بقية خصائص الموريتانيين الاجتماعية والثقافية، إن من حيث اللباس أو أسلوب الحياة. ثم أن العادات الغذائية واحدة، إضافة إلى الموسيقى وغير ذلك من التفاصيل. وهناك منهم قبيلة كنتة التي تميل الى التحالف مع الطوارق لأسباب اجتماعية وتاريخية. واكثر ما يمارسون من أعمال هو تربية المواشي وخاصة الأبل والغنم، ولهم مواضع أبار خاصة بهم ينتقلون إليها بحسب الفصول، ولهذه الآبار أسماء عربية.

الزنوج

وأهمهم «الصونغاي» الذين ينتمون الى قومية زنجية من أصول عربية مغربية، ولغتهم مزيج من البامبارة- لغة مالي والفِلانية. ويسكنون في الأصل ما بين مدينة غاوا والنيجر. لكن، ومنذ انقلاب 1991، عملت الحكومات المالية المتعاقبة على ربطهم بشمال مالي فأعطتهم أراضي واسعة في اقليم أزواد، وخاصة في تومبكتو وغاوا. يذكر أن الرؤساء الماليين الذين تعاقبوا على الحكم منذ ذلك الحين هم من «الصونغاي». والنشاط الاقتصادي الأساسي لهم هو تجارة المواشي، ونسبتهم الى مجموع سكان إقليم أزواد هي 30 في المئة.
ثم هناك «الفِلان»، وهم يشكلون حوالي 15 في المئة من السكان، وهم في الأصل قبائل زنجية مترحلة، أقدم موطن لهم هو حوض السنغال، ثم انتشروا في المنطقة بعد ذلك. يسكن أكثرهم في ولاية «موبتي» حيث توجد بقايا آثار مملكة «دوقون» المشهورة. وقد اختلف النسّابة في أصولهم، فمنهم من أرجعهم إلى عقبة بن نافع ومنهم من أوصلهم إلى الخليفة أبي بكر الصدّيق، وآخرون يرجعون أصول هذه القبيلة إلى بني حمير العرب. واذا سئل كبار السن منهم يقولون: أجدادنا أتوا من اليمن عبر الحبشة، ومنهم علماء منتشرون في القارة الأفريقية.وينسبهم البعض إلى أصول مسيحية، وغيرهم إلى أصول يهودية. يعيش جزء كبير منهم على الرعي وينتشرون في المناطق الزراعية ، يتحدثون باللغة البولارية التي تنتمي الى فصيلة اللغات الأطلسية من عائلة لغات النيجر الكردفانية. وهي ظلت تكتب بالحرف العربي حتى مجيء المستعمر الفرنسي. بل ينسب إليهم دور رائد في نشر اللغة العربية في أفريقيا. لكنّ المستعمر سعى إلى التفرقة من خلال العمل على احياء «لغات أم» لكل من مكونات المجتمع. وعلى أي حال، فالمعلومات قليلة جدا عنهم، باستثناء ما تذكره بعض المصادر عن سلاطين وحكام التكرور من الفِلان.

التوزع السياسي للأزواد

حركات بأغلبية طارقية

ينتمي غالبية الطوارق, والقليل من العرب من قبيلة البرابيش الى الحركة السياسية الأقوى، "أنصار الدين"  التي يترأسها أياد غالي الطارقي. هم لا يطالبون  بالاستقلال، بل هدفهم الرئيس تطبيق الشريعة  لا في منطقة أزواد وحسب بل في عموم مالي. وهم مدعومون من الجزائر أساسا، التي تسعى بذلك الى إبعاد احتمال مطالبة الطوارق على أرضها بالاستقلال.
يشكل الطوارق أيضا العمود الفقري ل"لحركة  الوطنية الأزوادية" وأمينها العام بلال الشريف،  الذي ينتمي الى قبيلة اياد غالي الطارقي نفسها، وهي القوة الثانية ترتيبا من حيث حضورها في المشهد الأزوادي. هؤلاء يسعون إلى الاستقلال وبناء دولة مدنية.
وهنالك  "المؤتمر الوطني الأزوادي، وهو خليط من العرب والطوارق. هو حزب سياسي مدني يتشكل من طوارق "تومبكتو" والمغتربين الأزواد، أعضاؤه بمعظمهم من المثقفين وطلاب الجامعات، ونشاطهم في شبكات التواصل الاجتماعي يلعب دورا تثقيفيا لصالح المطالبين بالاستقلال.

موقع أغلبية العرب

أما الحضور الأكبر للعرب فهو في "الحركة العربية الأزوادية" المدعومة من العرب في "الحركة الوطنية لتحرير ازواد". وسبّب تشكل هذه المجموعة باستقلال عن بقية الحركات شعور أعضائها بان دور العرب مهمّش في "الحركة الوطنية الأزوادية". أعلنت هذه الحركة عن وجودها أثناء المعارك في "تومبكتو" بعد إعلان الاستقلال السنة الماضية، وهي التي أسقطت المدينة وطردت الجيش المالي، لكنها "اضطرت الى ترك مواقعها لأن "القاعدة" دخلت على الخط ، "والحرب مع القاعدة مشكلة دولية، ولا يمكن لنا  نحن الوقوف في  وجهها. ونحن لا ندعو إلى الانفصال عن مالي" كما يقول السيد محمد المولود رمضان، مسئول العلاقات الخارجية للحركة في موريتانيا، مضيفا  أن حركته  تدعو إلى "حكم ذاتي موسع مع العلم بأن التجارب مع الحكومة المالية لا تشير إلى إمكانية الوثوق بوعودها، هي التي سعت بكل ما تملك إلى طمس الهوية العربية لنا كما تهميش وتجويع مناطقنا خاصة بعد كل اتفاق نعقده". وهو يرى أن حركته واقعة بين مطرقة القاعدة والإرهابيين وتجار المخدرات من جهة، وبين سندان التدخل الأجنبي المرفوض من قبلهم من جهة أخرى. وينسب إلى الحركة  دورا مهما في الانشقاق الأخير لفئة من "أنصار الدين" سعياً لتشكيل حالة داخلية غير إرهابية تلقى قبولا دوليا. ويتم ذلك برعاية جزائرية، لفك الارتباط ما بين القاعدة و"أنصار الدين" الذين يسعون إلى تطبيق الشريعة ولا يمارسون الإرهاب. آلية التحرك الإقليمي والدولي لتسويق هذه الفكرة ما زالت غامضة، وتلك المجموعة لا تمتلك حضورا مؤثرا  في المشهد العام للأزمة على الصعيدين العسكري والسياسي.
العرب، وخاصة من قبائل الأمهار، ينضوون أيضا تحت اسم"حركة الجهاد والتوحيد"، ومعهم بعض من أبناء الصحراء الغربية، ويلقون دعما من الجزائر وبوركينا فاسو. قد يفسر ذلك بعدم دعوتهم لا إلى الاستقلال ولا إلى الحكم الذاتي, وجل ما يطمحون إليه هو تطبيق الشريعة. ويلعب التنوع القبلي دورا أساسيا في الانتساب إلى هذه الحركة أو غيرها.

العرق والانتماء السياسي

"الصونغاي" و"الفلان"، على الرغم مما يقال في أصولهم العربية والأمازيغية، إلا أن غالبيتهم يرغبون بالبقاء مع مالي. وهؤلاء لا يشكلون أحزابا خاصة بهم، بل هم مندمجون في الأحزاب المالية ولا يُحتسبون من ضمن الحركات الازوادية، اللهم إلا في دعم الحكومة المالية المناهضة لأي استقلال أو انفصال.

مقالات من إقليم ازاود

للكاتب نفسه