موضوع ختان الاناث ليس جديدا، فقد عقدت لأجله مؤتمرات عالمية، وخيض فيه في وسائل الاعلام كثيرا، خاصة في الدول التي تمارس هذا التقليد. لكن الجديد هو التطور الايجابي الذي يحصل في موريتانيا في هذا الخصوص.
ففي هذا البلد الذي تقيده العادات الاجتماعية وتثقل خطواته التقاليد المختلطة المتسربة اليه من ماض سحيق، ومنها الثقافة الافريقية والبربرية والعربية، والمتعدد الأعرا ق الاساسية :عرب وبولار وولف وسينونكي، يدهشك أن ما يبدو من عاديات مباشرة التواصل الاجتماعي في مجتمعات أخرى، يعامل في موريتانيا كعيب يستنكر تداوله أو البحث فيه أو السؤال عنه، لأسباب متعددة تتراوح ما بين الحرام والحشمة، خاصة في ما يتعلق بعلاقة الرجل والمرأة . أضف الى ذلك أن الخوض في التفاصيل ليس من ميزات التواصل هنا.
واذا كان الشعب الموريتاني يتحدث بخمس لغات (العربية والفرنسية وثلاث أفريقية بحسب كل اثنية)، الا أن الصمت يمكن اضافته كلغة أخرى مشتركة حين يأتي الحديث على موضوعات محرمة كختان الاناث مثلا. من هنا الأهمية المضاعفة للاضاءة على هذا الموضوع الذي خرج الى العلن حديثا، فبتنا تشاهد برامج تلفزيونية تتناول هذا الموضوع، أو لافتات ترفع في الأماكن العامة، وشعارات مرسومة على ألبسة يرتديها ناشطون وناشطات في المجتمع المدني من العاملين أو المناصرين لإلغاء ختان الاناث كعنف واقع على النساء، اضافة الى طرح استراتيجية وطنية من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع اليونيسف، تعلن كلها بصيغ مختلفة في مفرداتها، الدعوة للتخلي عن "الخفاض"، أي ختان الإناث.
تحديد وبعض التفاصيل
الختان بحسب منظمة الصحة العالمية عام 2000 هو" جميع الإجراءات التي تؤدي إلى إزالة، جزئية أو كلية، للأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة، أو أي قطع للأعضاء التناسلية الأخرى يتم تنفيذه لأسباب ثقافية أو أسباب أخرى غير الأغراض العلاجية". ويسمى عند العرب من الموريتانيين "الزينة أو "الحفول"، وعند السود "الطهارة".
وتظهر منشورات وخارطة متداولة في الجمعيات والمؤسسات التي تعمل على هذا الموضوع أن هذه العادة منشأها مصر أيام الفراعنة، والهدف من ذلك الحفاظ على عذرية الفتيات اللواتي كن يقدمن للفرعون، ومن ثم انتشرت في العديد من الدول الافريقية ومنها موريتانيا.
تؤكد دراسة قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعية الموريتانية بالتعاون مع اليونيسف أن المتوسط العام لنسبة ممارسة هذه العادة في موريتانيا هو 72 في المئة، وتصل في المناطق المحاذية لمالي والسنغال الى نسبة تتجاوز 90 في المئة، في حين أنها قليلة الممارسة في المناطق المحاذية للمغرب، مما يدعم القول بأصولها الافريقية لا العربية. ويمارسها السكان بمختلف تلاوينهم الاثنية.
يتم الخفاض في 90 في المئة من الحالات، ولدى جميع الفئات وفي كل المناطق، في نهاية الأسبوع الأول من عمر الطفلة، مترافقا مع الاحتفال بإعطائها اسما. ونادرا ما يتم بعد عمر السنة. وتقوم بهذه المهمة امرأة مسنّة تكون من طبقة أدنى اجتماعيا، وهي لا تتقاضى عادة أجرا،بل تقدم لها الأسرة ما يعتبر اعترافا بحسن صنيعها، يختلف تقديره بحسب الامكانيات المادية للأسر. وفي حالات قليلة يجري الختان على أيدي اشخاص من الجسم الطبي. يستخدم في هذه العملية اّلات مثل الشفرة والسكين والمقص والتي قد لا تتوافر فيها أو في المكان الذي يتم فيه الختان الشروط الصحية اللازمة. كما يتم أحيانا استعمال الفحم والرماد وورق الأشجار والحجار وحتّى روث الحمار لوقف النزف والتئام الجرح.
كيف يفسر الناس هذه العادة؟
هنالك أكثر من تبرير: في دراسة سوسيو-انتروبولوجية قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعية عام 2007، اوردت أن44 في المئة من الفئة المستطلعة ترى الدين سببا، ويربطون ما بين الختان والطهارة، خاصة السود الذين يعتبرون المرأة التي لا يجري قطعها غير مقبول منها صلاة أو صيام أو حتى اعداد طعام. و11 في المئة تربط ما بين الدين والتقاليد اذ لا مناص بالنسبة لهم من السير على خطى السلف. بينما يرى 23 في المئة أن الغاية هي السيطرة على الاندفاع الجنسي للمرأة والحؤول بينها وبين ممارسة الجنس قبل الزواج. هذه الفئة نفسها تعود، بعد النقاش معها، لتربط ذلك بالدين أيضا. والنسبة نفسها ترى أن الأمر متعلق بمعتقد اجتماعي متجذر في المجتمع ولا قبل لهم بالتخلي عنه. ويعيد 23 في المئة منهم ذلك الى سبب تجميلي (خاصة العرب)، فيما يعتقد اّخرون أن في ذلك صحة ونظافة، وغيرهم يرى أن هذا يحد من النحافة التي هي صفة تقلل من جمال المرأة وأنوثتها.
استراتيجية للحل
اعتُمدت التبريرات أعلاه منطلقا لوضع استراتيجية وطنية لمحاربة هذه العادة بهدف اعلان التخلي الطوعي عن الختان. وبعد نقاش مع الفئة المستطلعة في الدراسة، حيث أن معظم المجيبين (80 في المئة تقريبا) يجمعون على القول أن هذه الممارسة لا ميزة ملموسة لها بشكل واضح على الإطلاق بالنسبة للفرد والأسرة أو المجتمع، وأكثر من 90 في المئة من أفراد العينة (الرجال والنساء) يجمعون على القول بأن ختان الإناث له عواقب سلبية على صحة المرأة.
تتضمن الاستراتيجية نقاطا عدة، منها تنوير الناس على خطل فكرة أن الإسلام يدعو لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، ورفع الوعي حول الفتوى التي أصدرها العلماء والتي تنص على ان "الخفاض في الصورة المألوفة في بلادنا ممنوعة وتلزم القائم بها المسؤولية المدنية والجنائية للأضرار التي تترتب عليها"، ويبرر العلماء رفض هذه الممارسة بأنها طارئة على المجتمع، والمذهب المالكي- مذهب جميع السكان - لا يعتبرها من خصال الفطرة، وقد أثبت الاختصاصيون أضرارها الجسيمة على المرأة على المديين الآني والمتوسط، كما أنّ مبادئ الشريعة الاسلامية تدعو للمحافظة على الكرامة البشرية وعلى مصلحة الانسان. ثم انها عادة غير ممارسة من قبل المسلمين جميعا، ويمارسها غير المسلمين كالأقباط في مصر.
كما تتضمن الاستراتيجية تنوير الناس حول الآثار الصحية المترتبة على تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وعلى الحقوق والقوانين المتعلقة بتشويه هذه الأعضاء، وأن الآثار الضارة المترتبة على هذه الممارسة تشكل الأساس الصالح لتخلي الجسم الطبي عن القيام بهذا العمل، بل أن من مسؤولياته إبلاغ الناس بمخاطر الختان. يضاف الى ذلك أهمية تعميم المعلومات حول العقوبات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة المساهمة بفعالية في التخلي عن هذه الممارسة، ودور وسائل الإعلام (التلفزيون والإذاعة) في ايصال الفكرة الى الناس، خاصة في الأرياف. ولا تنسى الاستراتيجية دور المرأة نفسها، اذ هي الضحية والجلاد في الوقت نفسه. وكذلك الرجل الذي يبدو بعيدا عن واجهة الحدث، لكنه في النهاية شاهد أخرس ينبغي أن يكون له دور ايجابي في رفض ومحاربة هذه الظاهرة.
بوادر مشجعة
بدأت هذه الاستراتيجية تثمر نجاحا واضحا منذ بداية تنفيذها قبل أربع سنوات في 12 مقاطعة تصل نسبة الممارسة فيها الى ما يقارب 98 في المئة أحيانا، وهي المناطق القريبة من مالي، اذ اعلنت هذه المقاطعات جميعا التخلي عن الختان في احتفالات عامة، وكان اّخرها يوم 27 أيلول/سبتمبر من هذا العام، بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية واليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمات من المجتمع المدني والسلطات المحلية. والأمل أن تصل الخطة الموضوعة التي بدأت عام 2007 وتنتهي في 2012 الى نسبة الصفر من الختان، فتزول عادة اجتماعية كانت تبدو مكينة، ويتم للمرة الالف اثبات أن التغيير، حتى في هذه، ممكن.