النساء والنسوية في حركة الاحتجاج بالعراق - ملاحظات أولية

رصد أوّلي لبعض النقاط المتعلقة بهاجس أن يتبلور التقاطع بين الوعي النسوي وحركة الاحتجاجات في العراق.
2019-10-31

زهراء علي

استاذة وباحثة في علم الاجتماع، من العراق


شارك
تصميم: أحمد فلاح

كانت الناشطة المدنية العراقيّة سارة عادل من أوائل ضحايا القمع الدموي للاحتجاجات، التي حصلت في مطلع تشرين الأول/أكتوبر، حيث قتلتها جماعات مرتزقة، هي وزوجها الفنان والناشط المدني حسين عادل، في منزلهما في محافظة البصرة أقصى جنوب العراق.

وكان قد برز العديد من الشخصيات النسائيّة في موجة الاحتجاجات التي تطغى عليها أغلبية شبابية من الذكور..منهن النساء الفقيرات اللاتي قمنَ بتقديم القليل الذي يملكن، مثل دنيا بائعة المناديل التي تبرعت للمتظاهرين بعلب مناديلها وهي مصدر قوتها اليومي الوحيد. وهناك الناشطات النسويات مثل جنات الغزي، عضو منظمة حرية المرأة في العراق، التي تم تصويرها وهي توزع الماء والمشروبات الغازية على المتظاهرين الذين تم رميهم بالرصاص والغاز المسيل للدموع من قبل قوات الأمن.

النساء يتظاهرن منذ عام 2011

ليست مشاركة النساء والناشطات النسويات في الاحتجاجات بالظاهرة الجديدة، إذ شارك عدد كبير من النساء في الاحتجاجات منذ العام 2011،إلا أن مشاركتهن في الاحتجاجات الكبرى عام 2015 كانت الأكثر تأثيراً. كانت احتجاجات 2015 و 2018 قد دفعت عدداً كبيراً من النساء، جماعات أو فرادى، إلى صوغ مطالبهن وتطوير مبادرات خارج إطار المنظمات غير الحكومية، التي تهيمن على نشاط وتمثيل المرأة في العراق منذ العام 2003.

مقالات ذات صلة

وعلى الرغم من أن نسبة النساء شكلت نحو 14 في المئة من نسبة المتظاهرين خلال حركة الاحتجاج عام 2015، إلا أن مشاركتهنّ كانت مهمة وفعالّة، سواء بين صفوف المتظاهرين أو في الدوائر النسوية. فعلى سبيل المثال، قامت شخصيات في "شبكة النساء العراقيات" بصياغة وجهة نظر نسوية متعددة الجوانب المتقاطعة (intersectional) حيال مطالب المساواة العرقية والطائفية، التي تعتبر أساسية في احتجاجات عام 2015، واعتبارها مطالبَ نسوية، إذ أن الربط بين المساواة الاجتماعية والعرقية والطائفية يقع في صلب صوغ سياسة نسوية في العراق اليوم.

ليست مشاركة النساء والناشطات النسويات في الاحتجاجات الراهنة ظاهرة جديدة، إذ هن شاركن في الاحتجاجات منذ العام 2011،وبالأخص في الاحتجاجات الكبرى عام 2015. وكانت احتجاجات 2015 -2018 قد دفعت عدداً كبيراً من النساء، جماعات أو فرادى، إلى صوغ مطالبهن وتطوير مبادراتهن.

وظهرت شبكة نسائية جديدة تدعى "مدنيات" نتيجة الاحتجاجات التي تحصل الآن في العراق، وهي تجمع بين الناشطات النسويات في كل من "شبكة النساء العراقيات" و"رابطة المرأة العراقية"، وذلك بالإضافة إلى النساء اللاتي ينتمين إلى ما يُطلق عليه "التيار المدني". تشدّد شبكة "مدنيات" على دور المرأة المهم في بناء وعي مدني، في ظل الاحتجاجات المبنية على معارضة النظام الطائفي، والمطالبة بحياة كريمة تقوم فيها الدولة بخدمة مواطنيها، وإعادة توزيع مواردها النفطية، ومعاملة جميع العراقيين -السنة والشيعة والأكراد والعرب والمسيحيين.. الخ- بمساواة.

بعض الناشطات اللاتي قابلتهن من شبكة "مدنيات" يعتبرن أنفسهن مناصرات نسويات، وقد أعربن بوضوح عن أن وجودهن في الاحتجاجات ذا دافع نسوي بحت، في حين ترى أُخريات أن وجود النساء بين المتظاهرين غير كافٍ لتطوير وعي هؤلاء بحقوق المرأة.

من المشاركة النسائية إلى المطالب النسوية

بحلول العام 2018، رفضت الاحتجاجات في البصرة أي نوع من القيادة، وابتعدت عن الجماعات السياسية والائتلافات والمنظمات المركزية. كان أغلب هؤلاء المتظاهرين ينتمون إلى فئة الشباب، وقد تجاوزت مطالبهم تلك ما طالبت به احتجاجات العام 2015، التي ركزت على نقد المحاصصة الطائفية،وتبلورت نحو رفض النظام السياسي تماماً وتغييره بالكامل. وتتبع الاحتجاجات الحالية نموذج البصرة في الصيغ والمطالب، فهي تتشكّل من محرومين يطالبون بنظام جديد كلياً، والحركة آخذة بالنمو بشكل متزايد علماً بأنها بلا قيادة وذات طابع راديكالي، ولا يمكن التنبؤ بنتائجها.

عليه، فقد كان قمع التظاهرات الجديدة التي انطلقت في تشرين الأول / أكتوبر أعنف، إذ قتلت قوات الأمن التابعة للحكومة العراقية أكثر من مائة وخمسين شخصاً،وأصيب الآلاف وتم اعتقال المئات في غضون أقل من أسبوع. تمت مواجهة المتظاهرين بالرصاص الحي والمدافع الرشاشة والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع وعربات مكافحة الشغب، بالإضافة إلى الفصائل المسلّحة. يشن النظام العراقي حرباً حقيقة ضد المتظاهرين العزل، فقد تم قطع شبكات الإنترنت، وفُرض حظر التجوال في محاولة لمنع انتشار التظاهرات. لكن، وعلى الرغم من كل ما ذكر من محاولات لقمع المتظاهرين، لم تمتنع النساء من المشاركة في الاحتجاجات، بيد أنه جعل من تواجدهن في ساحات الاحتجاجات أصعب.

قامت "شبكة النساء العراقيات" بصياغة وجهة نظر نسوية حيال مطالب المساواة العرقية والطائفية الأساسية في احتجاجات عام 2015، واعتبارها مطالبَ نسوية، إذ أن الربط بين المساواة الاجتماعية والعرقية والطائفية يقع في صلب صوغ سياسة نسوية في العراق اليوم.

في الواقع، هناك استراتيجيتان سياسيتان متباينتان تخصان الاحتجاجات، وهما تؤديان إلى تقسيم النسويات في العراق إلى قسمين. فمن ناحية تتمتع المنظمات النسائية غير الحكومية، التي تمولها شبكة كبيرة من المانحين الدوليين بامتياز العمل بالشراكة مع الدولة العراقية وبرامج الأمم المتحدة، مثل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق(UNAMI) وفرع الأمم المتحدة للمرأة (UN-Women). تنتشر هذه المنظمات على نطاق واسع في المجتمع العراقي، من خلال عملها مع مختلف الجهات الفاعلة، الحكومية منها وغير الحكومية، بما في ذلك التجمعات الاجتماعية للشباب، والشبكات الدينية والمحافظة. ولهذه المنظمات استراتيجية نشاط إصلاحي، حيث تكيّف خطابها ومبادراتها مع نوع الجمهور الذي تسعى للوصول إليه. قد تقوم هذه المنظمات بدعم الاحتجاجات، لكن من المرجح أن تدعم مطالب لديها بُعد إصلاحي.

من ناحية أخرى، يتم تمويل منظمات مثل "منظمة حرية المرأة في العراق" (OWFI) بشكل رئيسي من قبل شبكة حقوق المرأة والحقوق النسوية الدولية، وهي تتبنى نوعاً واضحاً من الخطاب العلماني، المناهض لهيمنة الإسلام على الحياة السياسية، وترفض تغيير أجنداتها وفقاً لما يسميه الناشطون العراقيون "الجمهور المحافظ". تدير OWFI ملاجئ معدّة للنساء بشكل مستقل عن الدولة التي تعتبر هذه الملاجئ غير قانونية. وتقوم هذه المنظمة بدعم الاحتجاجات، لكنها تنتقد بشدة غياب الوعي النسوي بين المتظاهرين الشباب.

خلاصة القول، إن تركيبة الاحتجاجات الحالية وشكلها، وقمعها الدموي من قبل النظام، والاستراتيجيات المختلفة للجماعات النسوية، تشير كلّها إلى صعوبة التقاطع بين الوعي النسوي، وسياسة الاحتجاجات في العراق.

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

عراقيّات وثائرات

زهراء علي 2020-03-08

المسيرة غير المسبوقة لتحقيق الوحدة الشعبية تُظهر أن العراقيات والعراقيين قد بدأوا يتعافون من عقودٍ من الحرب والتفتت الاجتماعي.