المشهد العربي، من لبنان إلى العراق، ومن السودان إلى الجزائر، وإلى تونس المنتصرة بالديمقراطية، يبشِّر بغد أفضل لهذه الشعوب المقهورة بأنظمة الفساد والرشوة وهدر المال العام، وهذه الممالك والإمارات المذهبة الفاسدة والمفسدة.. ومن دون أن ننسى فلسطين الذي يواجه شعبها العظيم، مع العدو الاسرائيلي، الامبريالية الأميركية والتآمر الدولي والخذلان والتواطؤ وخيانات الأنظمة العربية.
لقد أفاقت الشعوب من غفلتها، ومن التفرقة المفروضة عليها بالاستثمار الوحشي للعصبيات الطائفية والمذهبية، ونزلت إلى الشوارع تطالب بحقها من دولها التي بنتها بعرق الجبين.
من بيروت إلى بغداد تملأ الجماهير الميادين مطالبة بمحاسبة أولئك الذين نهبوا البلاد وجنوا الثروات الحرام على حساب لقمة الناس وحقوقهم في أوطانهم.
لقد عم الفساد في معظم البلاد العربية، واحتكرت السلطة منظمات وحركات سياسية استولدها رموز الطغيان وأصحاب الامتيازات المذهّبة، وبات الاصلاح مستحيلاً ما لم تنتفض الشعوب وتخلع حكامها الفاسدين وأنظمتها المعادية لطموحاتها، بشرط أن تنظم جماهيرها عبر قيادات موثوقة ومتحدرة من صلبها ومكوية بأسباب وجعها وحرمانها.
أن شعباً عظيماً في العراق يعاني البؤس والجوع، مع أن أرض الرافدين من أغنى البلاد العربية في ثرواتها من النفط، علماً بأن نهرين عظيمين (دجلة والفرات) يخترقان أرضها من الشمال إلى الجنوب، ويرويان مساحات شاسعة برغم الاعتداءات التركية على منابع النهرين واحتكار كميات ضخمة من مياههما على حساب سوريا والعراق.
ولقد أسقطت الانتفاضة التي لا تهدأ، التي شهدها العراق بعنوان بغداد وأنحاء الجنوب خاصة، الحكومات المتعاقبة، وها هي تواجه الحكومة الحالية محاذرة السقوط في الفخ الطائفي والمذهبي.
أما في لبنان الذي استولد الاستعمار الفرنسي النظام الطوائفي فيه، في محاولة لإلغاء هويته العربية وضرب وحدة شعبه وجعله مرتعاً لجواسيس الدول العظمى والتمهيد لاستيلاد الكيان الصهيوني على حساب شعب فلسطين واسقاط الحلم بقيام دولة واحدة موحدة أو كونفدرالية عربية تجمع الكل، فقراء وأغنياء، لحماية المصير المشترك.
أما سوريا الغارقة في دمائها، والتي اغتنم "عدوها التاريخي"، تركيا، الفرصة لاقتطاع بعض أرضها بذريعة مقاتلة الأكراد في شمالها الشرقي، في حين اغتنمتها الولايات المتحدة الأميركية "لتثبيت" بعض قواتها في شرقها بذريعة حماية منابع النفط حتى لا يفيد منها "الإرهابيون"! أما سوريا هذه فقد ضاع منها وفيها موقعها في ريادة الحركة القومية، وانصرف نظامها إلى حماية استمراره بدعم واضح من روسيا وإيران (و"حزب الله" ضمناً).. في حين تكالبت عليه الأنظمة الرجعية بعنوان قطر، وأمكنها طرد سوريا من جامعة الدول العربية وإفراغ مقعدها، على الرغم من انها دولة مؤسسة لهذه الجامعة التي تحولت إلى منتدى للثرثرة الفارغة، والصمت حيال المؤامرات الدولية، بالعنوان الأميركي، لإعادة تفتيت الأمة وتدمير قدرات دولها التي قاتلت في فلسطين في مواجهة المشروع الاسرائيلي المعزز بالدعم الأميركي المفتوح وتواطؤ الأنظمة الرجعية ضد شعوبها الطامحة إلى تحرير الأرض المقدسة وبناء مستقبلها الأفضل.
اننا نعيش ساعات الفجر الأولى لعصر عربي جديد..
أن الأمة تنهض في مواجهة القمع والإذلال والتآمر على أهداف نهوضها بإذكاء وتدبير الفتن الطائفية والمذهبية. من كان يصدق أن لبنان الذي فبرك الاستعمار نظامه الطوائفي قبل أن يعلن استقلاله فولدت دولته ككونفدرالية للطوائف ممنوع أن تتحول عناصرها المكونة الواحدة الموحدة إلى حقيقة انها شعب واحد بمطامح واحدة.. إلى وطن واحد لأهله جميعاً يتقاسمون خيراته وهمومه، وآماله والخيبات، مثل سائر الشعوب في هذه الأرض الواسعة.
من كان يصدق أن هذا الشعب المقسم بقرار دولي صارم، معزز بالاحتلال الاسرائيلي لفلسطين الذي تلقّى من الدعم الأميركي والدولي الفائض عن الحاجة ما جعله أقوى من الدول العربية مجتمعة، لا سيما وانها مخترقة بالنفط والغاز والثروات المتراكمة التي تفصل فقراء العرب عن أغنيائهم الذين تأخذهم ثرواتهم المنهوبة إلى أعداء الأمة ومستقبلها الأفضل وعنوانهم الامبريالية الأميركية معززة بالقوة الاسرائيلية القاهرة.
وها هي اليمن الشاهد والشهيد على التواطؤ بين الامبريالية الأميركية والأنظمة الملكية والاماراتية بعنوان الشيخ محمد بن زايد، الذي يغتال شعب اليمن العظيم ويسقط دولته الواحدة ويعيد تقسيم أهله بين جنوب من حصة امبراطورية أبو ظبي وشمال من حصة مملكة الذهب الأسود في السعودية.
بالمقابل فان إمارة الغاز في قطر وإمارة محمد بن زايد المختلفتان إلى حد القطيعة تتواطآن – ضمناً – على تدمير ما تبقى من "جماهيرية القذافي" في ليبيا لتقاسم ثروتها النفطية مع الطليان والأميركيين، والنفاذ منها إلى ما جاورها من الدول الأفريقية، من تشاد وصولاً إلى الصومال والحبشة حيث يشجعانها على المضي في بناء سدها العظيم على النيل بما يضرب الزراعة وأسباب العمران في كل من السودان ومصر.
أن الأمة العربية تعيش ظلمات ما قبل الفجر التي تبزغ أنواره خافتة من بعض أقطارها التي كانت تعيش في أسار الدكتاتورية أو ما هو أخطر منها: الانقسام الطائفي والمذهبي، كما حالة العراق ولبنان (واليمن وسوريا إلى حد ما)..
ومؤكد أن المخابرات الأميركية خصوصاً، والغربية، والملكية العربية، تنسق عملها وتعزز جهودها لإغراق الانتفاضات الشعبية في مستنقعات الطائفية والمذهبية والقبلية، أو عبر شراء بعض قياداتها في سوق النخاسة لتحويلها إلى فتن تدمر الحاضر والمستقبل.
ويبقى الأمل في وعي الشعب العربي الذي آن له أن يتعلم من تجاربه - في الماضي البعيد كما في الأمس القريب - أن "الوحدة" هي الضامن الأكيد للمستقبل الأفضل..
والشارع هو عنوان الوحدة وضمانة الانتصار على الظلم والظلام والوصول إلى الغد الأفضل.. بشرط ألا تقسمه الفتنة وتوزعه "جماعات" متواجهة ومتصادمة تخدم بالضرورة مشروع الهيمنة الأميركية والاسرائيلية والرجعية العربية لتحويل الثورة إلى فتنة عمياء بقصد إجهاض التغيير الثوري، وتثبيت الانتصارات التي تمت حتى الآن.
***
ملاحظة
كتبت هذه الكلمة قبل إصدار الأوامر السلطانية للميليشيات الطوائفية لتخريب الانتفاضة ولتشتيت جماهيرها واحراق خيم الاعتصام والاعتداء على النساء والفتيات وعموم المعتصمين..
.. ولقد تحركت القوات الأمنية من جيش ودرك بعد فوات الأوان، ولكن من الحق أن نشهد لها بأنها لم تستخدم سلاحها للقمع، واكتفت بفتح الساحات والشوارع أمام حركة الناس. لكن الثورة سوف تستمر.. برغم أنوف أعدائها جميعاً.
كما أن وحدة الشعب التي تأكدت في لبنان من اقصاه إلى أقصاه، شاملة المدن والبلدات والقرى، في ظل مشاركة الجميع، نساء وصبايا الورد وفتية الأمل بغد أفضل، سوف تبدل في ممارسات هذا النظام وتضرب تركيبته الطوائفية وتفتح الباب أمام المستقبل المرتجى. وشعب لبنان ليس أقل وطنية أو أقل عزماً من الشعوب الشقيقة التي اسقطت أو هي في طريقها لإسقاط أنظمة الطغيان..
وها هو في الشارع، بشبابه وصبايا الورد وكهوله ونسائه والرجال يجتاز محاولات تفريقه بالقوة، ويسجل انتصاراً تاريخياً على الزعامات الطائفية بأحزابها وتنظيماتها التقسيمية ويكمل مسيرته نحو غده الأفضل.