فيدرالية في اليمن أم تقسيم؟

أصدرت لجنة تحديد الأقاليم في اليمن، برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي، تقريرها النهائي يوم 10 شباط/فبراير 2014، وأقرت توزيع البلد إلى ستة أقاليم: حضرموت (وعاصمته المكلا، ويضم محافظات حضرموت، شبوة، المهرة، وسقطرة)، سبأ (عاصمته مأرب، ويضم محافظات مأرب، الجوف، والبيضاء)، عدن (عاصمته عدن، ويضم محافظات عدن، أبين، لحج، والضالع)، الجند (عاصمته تعز، ويضم محافظتي تعز وإب)، أزال (عاصمته صنعاء، ويضم
2014-02-19

عادل مجاهد الشرجبي

أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء


شارك
حكيم العاقل ـ اليمن

أصدرت لجنة تحديد الأقاليم في اليمن، برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي، تقريرها النهائي يوم 10 شباط/فبراير 2014، وأقرت توزيع البلد إلى ستة أقاليم: حضرموت (وعاصمته المكلا، ويضم محافظات حضرموت، شبوة، المهرة، وسقطرة)، سبأ (عاصمته مأرب، ويضم محافظات مأرب، الجوف، والبيضاء)، عدن (عاصمته عدن، ويضم محافظات عدن، أبين، لحج، والضالع)، الجند (عاصمته تعز، ويضم محافظتي تعز وإب)، أزال (عاصمته صنعاء، ويضم محافظات صنعاء، صعدة، عمران، وذمار)، وتهامة (عاصمته الحُديدة، ويضم محافظات الحُديدة، ريمة، حجة، والمحويت). وهذا في حقيقته «تقسيم» يستجيب (بوعي أو بدون وعي) لمصالح ومطالب القوى التقليدية على مستوى اليمن عموماً، والتي كانت هي السبب في ما آلت إليه الأوضاع من فساد وفقر وبطالة ونزاعات وحروب وتدهور أمني، ويغلّب المصالح السياسية للنخب التقليدية على حساب المصالح الاقتصادية والتنموية للمواطنين اليمنيين عموماً، كما يراعي مخاوف النخب الشمالية المحافظة، وهي المخاوف التي تولدت بعد حروبها مع جماعة أنصار الله خلال الأشهر الماضية في محافظات صعدة وعمران وحجة والجوف وصنعاء، على حساب مصالح ومطالب المواطنين الشماليين، كما مصالح ورغبات النخب التقليدية الجنوبية، على حساب مصالح المواطنين الجنوبيين. فتقسيم الجنوب إلى إقليمين يتطابق مع خارطة «الجنوب العربي»، الذي كان مكوَّناً من المحميات الشرقية والغربية، وهو فضلاً عن ذلك يراعي مصالح شيوخ القبائل وكبار الضباط والنافذين الذين يمتلكون شركات الخدمات النفطية (ويمتلك بعضهم أبار نفطية حسب تسريبات صحافية)، ويعوضهم عن الخسائر السياسية التي يحتمل أن يتعرضوا لها جراء التحول من نظام الانتخاب الفردي في دوائر صغيرة إلى نظام الانتخاب النسبي، بحيث تحتفظ القوى التقليدية بالنصيب الأوفر من القوة السياسية في عدد من الأقاليم الصغيرة.

عشرة أيام خير من عشرة أشهر 

التحول من الدولة الموحدة «الاندماجية» إلى الدولة الاتحادية «الفيدرالية» توصية طرحها فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني، في إطار عدد من التوصيات الأخرى الهادفة لحل القضية الجنوبية، وإصلاح التشوهات التي لحقت بالوحدة بين شطري اليمن بسبب «عدم وضوح الأسس والآليات السياسية التي قام عليها مشروع دولة الوحدة الاندماجية عام 1990، الذي تم بشكل سريع وفوري، وبأسلوب غير علمي وغير واضح الملامح لمستقبل أبناء الدولتين». وهناك حرب صيف 1994، وممارسات نظام صنعاء التي أعقبت الحرب... مع ذلك، فإن فريق القضية الجنوبية بشكل خاص، وأعضاء مؤتمر الحوار الوطني بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والمذهبية والطائفية، لم يستطيعوا الوصول إلى توافق حول عدد الأقاليم خلال الأشهر التسعة التي تحاوروا خلالها، وخلصوا إلى تفويض رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة برئاسته لتحديد عددها، فتدرس خيار ستة أقاليم (أربعة في الشمال واثنان في الجنوب) وخيار إقليميْن، وأيّ خيار ما بينهما يحقق التوافق، على أن يكون قرارها نافذاً. وقد شكّل رئيس الجمهورية هذه اللجنة في 28 كانون الثاني/يناير 2014، وقدمت تقريرها (الذي اعتمده الرئيس). وهو تبنى خيار الأقاليم الستة (إقليمين في الجنوب، وأربعة أقاليم في الشمال). وبذلك أنجزت اللجنة في عشرة أيام ما عجز مؤتمر الحوار الوطني عن إنجازه خلال عشرة أشهر. 

يداوون الوحدة بدائها

على الرغم من أن طرح مقترح التحول من الدولة الاندماجية إلى الدولة الاتحادية (داخل مؤتمر الحوار الوطني الشامل وخارجه) جاء استجابة للتهديدات التي تواجه الوحدة بين الشمال والجنوب، واستجابة لمطالب القوى الجنوبية المعتدلة في الحراك الجنوبي وخارجه، إلا أنها قد باتت مطلباً لكثير من القوى الشمالية أيضاً، لإصلاح بناء الدولة، ومن أجل التخلص من المركزية ومن أمراض النظام القديم، بما يضمن تقريب الحكم من الناس، وتعزيز المشاركة السياسية للمواطنين، ورقابتهم على حكومتهم. مع ذلك فإن أسلوب تشكيل لجنة تحديد الأقاليم وآلية عملها والقرارات التي خلصت إليها، أصابتها الأخطاء نفسها التي كانت سبباً في الظاهرة التي تعالجها. فمثلما تمت الوحدة بناء على رغبة علي سالم البيض وبعض القيادات المقربة منه في الدولة والحزب الحاكم في الجنوب، تم تشكيل اللجنة بناء على رغبة الرئيس عبد ربه منصور هادي. ومثلما تمت الوحدة بشكل سريع دون دراسة كاملة، تسرعت اللجنة في إصدار تقريرها، فلم تستغرق اجتماعاتها ومشاوراتها مع القوى السياسية، ودراستها للمشاريع المختلفة، وكذلك للرؤى العالمية، سوى عشرة أيام. ومثلما استبعد علي سالم البيض، حين قرر الوحدة، الشعب في الجنوب، وهو صاحب المصلحة بها، لم تأخذ اللجنة بعين الاعتبار مطالب أي من الحراك الجنوبي والحزب الاشتراكي اليمني، المعنيين الأساسيين بالنظام الفيدرالي. ولم تناقش اللجنة مقترح الإقليمين (إقليم في الشمال وإقليم في الجنوب) الذي تقدم به الحزب الاشتراكي اليمني والجناح المعتدل في الحراك الجنوبي، ولم تأخذ بعين الاعتبار رغبة السواد الأعظم من الجنوبيين في أبقاء الجنوب موحداً. فتقسيم الجنوب إلى إقليمين بإجراءات سريعة كهذه، يمكن أن يكون له مشكلات في المستقبل، تماماً كما كان لتوحيد شطري اليمن بشكل متسرع مشكلاته التي ولّدت «الحراك الجنوبي».وكانت لجنة تحديد الأقاليم قد قالت في ديباجة تقريرها انها عقدت لقاءات تشاورية مع عدد من ممثلي المكونات السياسية والاجتماعية، واستضافت خبراء محليين في المجالات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، واستعرضت تجارب العديد من دول العالم الاتحادية وأبرز نقاط القوة والضعف والدروس المستفادة منها في مجال توزيع عائدات الثروة والسلطة. وهو ما ينطبق عليه المثل الشعبي «أسمع كلامك يعجبني أشوف أعمالك أتعجب». فلا يمكن للجنة أن تنجز كل هذه الأنشطة خلال عشرة أيام. ولو سلمنا جدلاً بأنها قد قامت بكل ذلك، فإن ما توصلت إليه من تقسيم للأقاليم لم يكن انعكاساً لنشاطها، حيث خلصت إلى خريطة منسوخة نسخاً حرفياً من الرؤية المشتركة التي قدمها المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح للجنة ال 16 المنبثقة عن فريق القضية الجنوبية بمؤتمر الحوار الوطني، والتي نشرتها صحيفة «الأولى» بتاريخ 15 كانون الاول/ديسمبر 2013. 

عين الرضا عن كل عيب كليلة

يصْدق على لجنة تقسيم الأقاليم قول الإمام الشافعي «وعين الرضا عن كل عيب كليلة»، إذ لم ترَ عيوب المقترح المشترك الذي قدمه المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح. فإقليمي «أزال» و«سبأ»، سيكونان مفتقرين للموارد البشرية المؤهلة للنهوض ببرامج التنمية، ولا يمتلكان منافذ بحرية، ما سيؤدي مستقبلاً إلى نزاعات بين إقليم سبأ المنتج للنفط وإقليم أزال الذي يمر فيه أنبوب تصدير نفط حقول مأرب والجوف، وإقليم تهامة الذي يقع فيه ميناء «رأس عيسى» لتصدير نفط مأرب الجوف، كما الحال بين السودان وجنوب السودان مثلا. وسوف تتفاقم مشكلات التنمية في هذين الإقليمين بسبب غياب البنية التحتية للحكومات الإقليمية. فمحافظة صنعاء (عاصمة إقليم أزال) لا يوجد بها مدينة مؤهلة لأن تكون عاصمة الإقليم، بل لا يوجد بها مباني أهلية يمكن أن تستأجرها حكومة الإقليم لمؤسساتها وأجهزتها، وربما كانت محافظة عمران أو صعدة أكثر تأهيلاً لأن تكون إحداهما عاصمة لهذا الإقليم. إلا أن اللجنة خضعت لمخاوف القوى التقليدية من شيوخ القبائل من إمكانية سيطرة جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) على هذا الإقليم، وهي المخاوف نفسها التي دفعت اللجنة إلى عدم ضم محافظة حجة إليه، رغم أنه في هذه المدينة تتوفر بنية تحتية ملائمة نسبياً، فضلاً عن المنفذ البحري، وميناء ميدي. عارضت القوى التقليدية هذا الضم، بدعاوى أن سيطرة جماعة أنصار الله على ميناء ميدي يؤهلها لفصل هذا الإقليم عن اليمن وتأسيس دويلة مستقلة. وبغض النظر عن هذه المخاوف، فسيكون إقليم أزال غير مستقر، وبيئة للحروب والنزاعات القبلية، بين حاشد وبكيل، وبين شيوخ القبائل (لا سيما من حاشد) وأنصار الله. وستتعاظم حدة النزاعات والحروب فيه بسبب ضيق مجال الريع المركزي للنخب القبلية، وتركز نزاعاتها على الموارد الإقليمية.

ولكن عين السخط تبدي المساويا

في مقابل ذلك، يبدو أن اللجنة لم تر في خيار الإقليمين (إقليم في الشمال وإقليم في الجنوب) الذي طرحه الحزب الاشتراكي اليمني والحراك الجنوبي واتفقت معه حركة أنصار الله، أي ميزات تستحق المناقشة، على الرغم من مزاياه الكثيرة، وفي مقدمها: عدالة وتوازن توزيع الثروة والموارد، حيث سيكون للجنوب موارده النفطية في كل من شبوة وحضرموت، وللشمال موارده النفطية من مأرب والجوف، وسيكون للجنوب منافذه البحرية على البحر العربي وخليج عدن، وأهمها موانئ عدن، المكلا، نشطون، وشقرة، وميناء تصدير الغاز في بلحاف، وميناء الشحر (الضبة) النفطي، وسيكون للشمال منافذه البحرية على البحر الأحمر، وفي مقدمها موانئ الحُديدة، ميدي، المخا، وميناء تصدير النفط في رأس عيسى. كما سيتحقق ضمان التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، في إطار كل إقليم، بين المحافظات التي توجد بها الثروات النفطية (حضرموت وشبوة في الجنوب، ومأرب والجوف في الشمال) مع المحافظات الزراعية (لحج وأبين في الجنوب وإب وتعز والحُديدة وصعدة في الشمال)، والمحافظات التي توجد بها الثروات السمكية في الشمال والمحافظات التي توجد بها هذه الثروة في الجنوب، وبين المحافظات التي تتوفر على كوادر بشرية عالية التأهيل، وتلك التي لا تتوفر عليها في كل إقليم من الإقليمين. فضلاً عن أن خيار الإقليمين أقل كلفة من خيار الأقاليم الستة. فإذا كانت مبان الكثير من الوزارات والمؤسسات والمصالح والهيئات الحكومية في العاصمة صنعاء، وفي كل المحافظات، مستأجرة وليست مملوكة للدولة، فضلاً عن عدم توفر البنية التحتية للمرافق الحكومية، فإن تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم بست حكومات إقليمية، وستة مجالس تشريعية إقليمية، يعني أن جزءً كبيراً من الموارد سوف تخصص للإيجارات، ولبناء مبان حكومية جديدة، ولتأسيس البنية التحتية اللازمة للحكومات الإقليمية. بل أن بعض الأقاليم سوف تبدأ من الصفر تماماً، كما هو الحال في إقليم أزال، فكل هيئات وأجهزة محافظة صنعاء حالياً تتركز في أمانة العاصمة وليس في المحافظة. فهل نقول حيال كل ذلك، بمختلف درجاته وأوجهه، أن المكتوب يُقرأ من عنوانه... وهذا مخيف!

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه

اليمن: قصة الصراع بين رئيسَين

"حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين"، عبارة اقتبستها الباحثة البريطانية فيكتوريا كلارك عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وكان الشاعر إبراهيم الحضراني قد قال في إحدى قصائده: "وأتعس...