اتفاق لإنهاء حروب العواصم والنخب في اليمن

تتكون الطبقة السياسية اليمنية من نخب متصارعة، تشكل كل منها دويلة داخل الدولة، ولكل منها جيشها أو مليشياتها، ووسائلها الإعلامية ومؤسساتها المالية والتعليمية، و«عاصمتها». فمدينة عمران كانت منذ عام 1963 حتى سقوطها في يوليو/ تموز 2014 بيد أنصار الله (الحوثيين) عاصمة لشيوخ قبيلة حاشد وحلفائهم العسكريين والسياسيين، وكانت مدينة صعدة منذ عام 2004 (ولاتزال) عاصمة جماعة «أنصار
2014-09-24

عادل مجاهد الشرجبي

أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء


شارك
| en
علاء الدين البردوني - اليمن

تتكون الطبقة السياسية اليمنية من نخب متصارعة، تشكل كل منها دويلة داخل الدولة، ولكل منها جيشها أو مليشياتها، ووسائلها الإعلامية ومؤسساتها المالية والتعليمية، و«عاصمتها». فمدينة عمران كانت منذ عام 1963 حتى سقوطها في يوليو/ تموز 2014 بيد أنصار الله (الحوثيين) عاصمة لشيوخ قبيلة حاشد وحلفائهم العسكريين والسياسيين، وكانت مدينة صعدة منذ عام 2004 (ولاتزال) عاصمة جماعة «أنصار الله».. ولكل منها ثورتها، فعلي عبد الله صالح يدّعي أنه الوريث الشرعي لثورة 26 أيلول /سبتمبر 1962 رغم خيانته لها، وآل الأحمر وعلي محسن الأحمر يدّعون بأنهم حماة ثورة 11 شباط/ فبراير 2011 الشبابية ـ الشعبية، ومؤخراً بات للحوثيين ثورتهم الخاصة (ثورة 18 آب/ أغسطس 2014) التي شكلت بداية لما شهدته العاصمة صنعاء من حرب خلال الفترة 16- 21 أيلول/ سبتمبر 2014. وإلى جانب العواصم الإقليمية لهذه النخب فإن لكل منها عويصمة (تصغير عاصمة) خاصة بها في العاصمة صنعاء نفسها.

ثورة الحوثيين وانقلاب الجنرال

نظمت «حركة أنصار الله» أعمالاً احتجاجية بعد إعلان الحكومة في 30 تموز / يوليو 2014 عن رفع الدعم عن المشتقات النفطية، تحولت بعد ذلك إلى وصفها بالثورة الشعبية، وقال زعيم الحركة، عبد الملك الحوثي، أنها سوف تخضع لبرنامج تصعيدي ينتهي بإجراءات مؤلمة للسلطة، وهو ما تحقق في 16 أيلول /سبتمبر الجاري، حيث اندلعت مواجهات مسلحة في المنطقة الشمالية الغربية من العاصمة صنعاء بين ميليشيات الحركة وبعض وحدات الجيش. بعد أربعة أيام من القتال، نفذ الجنرال علي محسن الأحمر ما يمكن وصفه بمحاولة انقلابية ضد الرئيس هادي، حيث انتقل إلى مقر المنطقة العسكرية السادسة (الفرقة الأولى مدرع سابقاً التي كان يقودها قبل عزله من قيادتها وتعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية لشئون الدفاع والأمن عام 2012). ولم يمتثل لتوجيهات رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، وقاد المعارك في مواجهة الحوثيين بنفسه، إلا أنه لم يحقق أي انتصارات، وتمكن الحوثيون خلال يومين من السيطرة على معظم مباني مؤسسات الدولة الكبرى في العاصمة صنعاء، بما فيها مبنى التلفزيون الرسمي ومبنى الإذاعة ورئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع والبنك المركزي اليمني علاوة على معسكر المنطقة العسكرية السادسة إياها.
أعلن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن مساء 20 أيلول / سبتمبر الجاري عن التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة الحالية في اليمن بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. ووصف الاتفاق بأنه «يشكل وثيقة وطنية تدفع بمسيرة التغيير السلمي، وترسخ مبدأ الشراكة الوطنية والأمن والاستقرار في اليمن». بعد ذلك بيوم، وقّع على الاتفاق ممثلان عن أنصار الله، وممثل واحد عن كل من التجمع اليمني للإصلاح والمؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني وحزب الرشاد وحزب العدالة والبناء والحراك الجنوبي الديمقراطي والتجمع الوحدوي اليمني وحزب البعث. وضم الاتفاق عدداً من البنود منها: تشكيل حكومة كفاءات، تخفيض ألف ريال من ثمن كل صفيحة بنزين أو سولار، وتشكيل لجنة اقتصادية لدراسة وتنفيذ مخرجات الحوار حسب جدول زمني، إعادة النظر في تقسيم الأقاليم.

تنفيذ المكره

قَبِل التجمع اليمني للإصلاح بالاتفاق والتوقيع عليه تحت وقع الهزيمة العسكرية، وهناك دعوات من بعض أعضاءه لعدم مشاركته في الحكومة القادمة. فأثناء انعقاد جلسة التوقيع على الاتفاق، دعا الشيخ محمد الإمام التجمع اليمني للإصلاح إلى عدم المشاركة في الحكومة، والتحول إلى العمل الاجتماعي في أوساط الجماهير، وهو ما تضمنته رسالة القيادي في التجمع، زيد الشامي، في رسالة لأعضاء حزبه اختتمها بقوله: «عودوا إلى ميادين التربية والتوجيه والعطاء، أعطوا أنفسكم فسحة من الوقت للمراجعة والبناء الداخلي». فضلاً عن ذلك، فإن الأسلوب الذي قدم به محمد سالم باسندوة (المحسوب على حلفاء التجمع اليمني للإصلاح) استقالته يصب في هذا الاتجاه، حيث قدمها إلى الشعب اليمني، وليس لرئيس الجمهورية وفقاً للإجراءات الدستورية، فقال في مقدمتها: «يا أبناء شعبنا العظيم، لقد قررت أن أتقدم إليكم باستقالتي من رئاسة حكومة الوفاق الوطني انطلاقاً من حرصي الشديد على أن أتيح لأي اتفاق يتم التوصل إليه بين الإخوة قيادة جماعة أنصار الله وبين الأخ عبد ربه منصور هادي (رئيس الجمهورية) الفرصة كي يجد طريقه إلى النفاذ بأسرع ما يمكن، وكي لا يكون بقائي في موقعي عائقاً أمام تشكيل حكومة وطنية جديدة من خيرة الكفاءات التي تتحلى بالولاء للوطن والنزاهة، علها تستطيع تحقيق كل ما تصبون له، وقيادة البلاد إلى بر الأمان بإذن الله».. ما يشير إلى أن باسندوة والتحالف الذي يواليه ينظرون إلى الاتفاق باعتباره اتفاقاً بين أنصار الله ورئيس الجمهورية، ولا يعتبرون أنفسهم طرفاً فيه، وهم بالتالي غير ملزمين بمضامينه. وتقديم الاستقالة للشعب وليس لرئيس الجمهورية يعني أنه لا يعترف بشرعية رئيس الجمهورية، وهو ما يتوافق مع ما كان الشيخ حميد الأحمر قد طرحه قبل ذلك من أن إقالة رئيس الوزراء يعني انتهاء شرعية رئيس الجمهورية. وقد وضع صفته كرئيس جمهورية بين قوسين، وأشار في نهاية الخطاب إلى انفراد رئيس الجمهورية بالسلطة، وعدم إشراكه في التحضير للحوار الوطني.

الرابحون والخاسرون

تم التوقيع على الاتفاق بعد تحقيق حركة «أنصار الله» انتصاراً عسكرياً كاسحاً على خصومها، لذلك جاء الاتفاق ملبياً لكل شروطها، وحقق لها مكاسب سياسية على المستويين المحلي والوطني دون أي التزامات مقابلة. فمخيمات الاعتصام سوف تستمر حتى تشكيل الحكومة، وتمّ تأجيل التوقيع على الملحق الأمني، واستطاعت الحركة انتزاع قرار بإعادة النظر في تقسيم الأقاليم، ما يعني أنها سوف تحقق رغبتها في ضم محافظة حجة إلى إقليم أزال الذي تسيطر عليه، ما يوفر له منفذاً بحرياً (ميناء ميدي) على البحر الأحمر، فضلاً عن عدد من البنود التي تضمن مشاركة الحركة في السلطة بحصة تساوي حصص القوى السياسية الكبرى الأخرى، من خلال تعيين أحد كوادرها مستشاراً لرئيس الجمهورية (أسوة بتعيين ياسين سعيد نعمان واليدومي والعتواني ورشاد العليمي، الذين عينهم الرئيس مستشارين له بعد ثورة شباط/فبراير)، وأعضاء في مجلس الشورى، والمشاركة في التحضير للسجل الانتخابي الجديد ومراقبة الانتخابات، والرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، الإشراف على لجنة صياغة الدستور. هذه المكاسب السياسية تعني أن أنصار الله باتوا يمثلون قوة سياسية رئيسة، تتساوى مع القوى السياسية الأخرى. أما الطرف الثاني المستفيد من هذا الاتفاق فهو الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهذا هو السبب في وصف رئيس الوزراء المستقيل الاتفاق بأنه اتفاق بين أنصار الله والرئيس هادي. فالاتفاق يعزز قوة وسلطة الرئيس هادي ويحرره من تأثير مستشاره لشئون الدفاع والأمن الجنرال علي محسن الأحمر، ومن التجمع اليمني للإصلاح الذي كان يستطيع عبر حلفائه فرض الكثير من التعيينات عليه. وفضلاً عن ذلك، منحه الاتفاق سلطة اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية، ما يحرره من ضغوط المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح الذين كانا يتمتعان بسلطة تعيينهم وفقاً للمبادرة الخليجية.
في المقابل، فإن الجنرال علي محسن الأحمر وآل الأحمر، مشايخ حاشد، يحتلون المواقع الأولى على قائمة الخاسرين من نتائج الحرب وتوقيع اتفاق إنهاء الأزمة. فكل المؤسسات التي شكلها هؤلاء لن يكون لها دور سياسي خلال الفترة القادمة، كهيئة أنصار الثورة والمجلس الوطني لقوى الثورة الشبابية الشعبية، وحزب التضامن الوطني.. بل أن الجنرال الأحمر والشيخ صادق الأحمر وإخوته لا يُعلم ما هو مصيرهم الآن، إذ هناك أخبار تقول أنهم غادروا اليمن إلى السعودية أو إلى قطر، أو أن هناك ترتيبات لإخراجهم من اليمن مقابل ضمان سلامتهم، ما يعني خروجهم نهائياً من معادلة توزيع القوة في البلاد. ولاشك أن خروجهم من الساحة السياسية سوف يؤثر سلباً على النفوذ السياسي للتجمع اليمني للإصلاح، الذي اعتمد عليهم خلال العقود الثلاثة الماضية، فشكلوا أحد عوامل قوته.

وتحالفات تكتيكية

أشيع منذ بداية حرب محافظة عمران بين أنصار الله وخصومهم، أن هناك تحالفاً بينهم وبين الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وأنه أمدهم بالسلاح والمال، وأن كثيراً من شيوخ القبائل وأتباعهم الموالين للرئيس السابق شاركوا في الحرب إلى جانب الحوثيين.. ويبدو أن هناك مؤشرات على صحة هذه الإشاعات، جزئياً على الأقل، ولكن يبدو أن هذا تحالف تكتيكي أنخرط فيه الطرفان، وبالتالي فإن أنصار الله والأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق لن يقبلوا بأن يجني علي عبد الله صالح أي مكاسب إضافية منه، باستثناء مكسب الثأر من خصومه السياسيين والعسكريين (التجمع للإصلاح، والجنرال علي محسن الأحمر، وآل الأحمر شيوخ قبيلة حاشد).
وهكذا، ومع التقاطع بين المشهد العام بكل توازناته وتلك التكتيكات والخلاصات، يظهر أن اليمن تنتقل اليوم الى مرحلة جديدة، محطة يمكن التأريخ بها، تضاف الى محطات مسار حياة البلاد السياسية الشائكة والمصطخبة. فإما أن تدشن مرحلة جديدة لبناء دولة مدنية ديموقراطية حديثة، تقوم على المواطنة المتساوية وإنفاذ القانون، كما طمحت إلى ذلك ثورة 2011، وكما تعهدت المرحلة الانتقالية، أو تستمر لعبة الكراسي الموسيقية (ولكن بموسيقى عسكرية) بين القوى السياسية.

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه

اليمن: قصة الصراع بين رئيسَين

"حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين"، عبارة اقتبستها الباحثة البريطانية فيكتوريا كلارك عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وكان الشاعر إبراهيم الحضراني قد قال في إحدى قصائده: "وأتعس...

حروب السيد والشيخ في اليمن

اتسم التركيب الاجتماعي للمجتمع اليمني التقليدي بالتراتبية الشديدة، واحتلّ السادة الهاشميون والقضاة وشيوخ القبائل المواقع العليا في سلم المكانات الاجتماعية، فكانت مخاطبتهم من قبل العامة وتدوين أسمائهم في الوثائق الرسمية...