نايلو، وناتالي، ومَوَدّة، وسلوى، وحنان (1)، خمسة وجوه نسائية سودانية تعكس التنوع العِرقي والديني للسودان، ذاك الذي بدلاُ من أن يكون عنصرَ ثراء، كان سبباً في اشتعال حروب وصراعات قبلية، على خلفية التهميش الاقتصادي وعدم العدالة في توزيع الثروات، ليكون قتلٌ وتدمير واغتصاب.. ولجوء.
يحكين بألسنتهن وعبر قصصهن أوضاع اللاجئات السودانيات في مصر.
نايلو
إن قُدِّر لك أن تسمع صوتها دون أن ترى صورتها فلن يساورك الشك في كونها مصرية، فهي تتقن اللغة كأهل البلد، ليس فقط اللهجة العامية، ولكن أيضاً الفصحى، حيث تستخدم في حديثها ألفاظاً وتعبيرات بالفصحى، ربما يحتاج من هم حولها وقتاًلكي يدركوا معناها.
تدرس "نايلو" (2)، 19 عاماً، في المرحلة الثانوية، جاءت مصر مع أسرتها وهي رضيعة، والتحقت بمدارس مصرية. إتقانها للغة ليس فقط هو ما سيثير انتباهك، ولكن أيضا ثقافتها ولباقتها واندماجها الكبير في المجتمع المصري. فهي تتابع قنوات الأفلام، وتستمع لأغاني النجوم الشباب مثل تامر حسني.
وعلى الرغم من حداثة سنها، تبدو "نايلو" على درجة كبيرة من الوعي السياسي وهي متابعة لأحوال بلدها، جنوب السودان. تصفه بأنه "بلد ثري" ولكن من يديرونه هم "وكأنك أعطيت مليون جنيه لواحد أمّي". ومن ثم فهي ترى الأمية المتفشية بين الجنوبيين - كما تقول - أكبر مشكلة تواجههم. وهذا ما دفعها للانخراط في أنشطة ومبادرات مختلفة موجهة للاجئين تقوم بها منظمات محلية ودولية، رغبة في نشر الوعي بين أفراد المجتمع الجنوب سوداني في مصر. كذلك تشارك في أنشطة تستهدف إدماج أطفال اللاجئين مع الأطفال المصريين.
العنصرية والتحرش هما من أبرز المشكلات التي تواجهها "نايلو" هنا، وفي كثير من الأحيان تتجسد المشكلتان معاً: "من الحضانة يعاملنا المدرسون بعنصرية ونظرة دونية، كلاجئين فقراء لا يجدون المال، في الشارع أيضاً تسمعين أوصافاً مثل سودا، سمارة، شيكولاتة.. وأهلنا لا يستطيعون الرد، لأنهم يعرفون أنهم غرباء هنا وأنه لا ضمانة لهم لأخذ حقوقهم، فالسلطات سوف تنحاز لأهل البلد، بالإضافة إلى عائق اللغة". لكن تعامُل زملائها في المدرسة معها كان مختلفاً، إذ لا تشعر بعنصرية من قبلهم بل تبدو مندمجة معهم تماماً، حتى إنها تحكي لي وهي تضحك كيف حاولت أن تتعلم منهم الغش في الامتحانات، ولكن في كل مرة كان يتم "قفشها"، تقول: "بيكتبوا على ورق المناديل ولو اتمسكوا يعملوا نفسهم بيكحّوا". وهي تنتقد المناهج المصرية لكونها لا تهتم بالثقافة الأفريقية، فالمناهج متمحورة حول مصر بعكس المناهج السودانية، لذلك نجد التلاميذ السودانيين أكثر وعياً بالمحيط الأفريقي. ترى "نايلو" أن من إيجابيات الشعب المصري أنهم يتكيفون مع الغرباء ويتقبلونهم بعد فترة. وتضيف أن تعاملات الناس معهم هنا تختلف، فمثلاً البعض يؤجرون لهم الشقق بالأسعار العادية، بينما يطلب آخرون أضعاف السعر. تؤكد "نايلو" أن اللاجئات أكثر عرضة للتحرش الجنسي إذ قد يخشى المتحرش من بنت البلد أو ذويها "إنما احنا مالناش حد.. بيسترخصونا". التحرشات من الجيران وخاصة من المراهقين، ومحاولاتهم اقتحام منزل أسرتها حيث تعيش مع أمها وإخوتها، جعلهم يغيرون مكان إقامتهم.
عملت "نايلو" منذ أن كانت طفلة في أكثر من مكان، وهو أمر عادة ما يضطر له أطفال اللاجئين تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة.عملت جليسة أطفال، وفي مصنع طُرح، وعاملة في المنازل. وتقول إن اللاجئين دائماً ما يكونون محصورين في مهن معينة هي المهن الدنيا مهما كانت مؤهلاتهم العلمية، كما أن هذه المهن تدر دخلاً أكبر. وتقول إن الأطفال الذين يضطرون للعمل غالبا ما يتعرضون للاستغلال وسوء المعاملة.
الحاجة إلى المال لا تتسبب فقط في دفع الأسر أطفالها للعمل، حيث تقول "نايلو" إن بعض الفتيات يضطررن للعمل في الدعارة، وإنها تعرف بشكل شخصي واحدة من هؤلاء، عمرها 19 عاما ولديها طفلان، متزوجة من رجل في الخمسين - والزواج المبكر ظاهرة في جنوب السودان - كما أنه مدمن للكحول. ولا توجد إعانات طارئة من المفوضية حيث يستغرق التسجيل أشهر ويتطلب وجود أوراق قد لا تتوفر مع اللاجئة (3).
ناتالي
جغرافيّا، تقترب جنوب السودان من جبال النوبة، تلك المنطقة ذات الطبيعة الجميلة، وإحدى بؤر الصراع في السودان أيضاً. من هناك أتت "ناتالي"، المرأة الخمسينية ذات الملامح الإفريقية، وإن كانت متوسطة الطول. تخبرني أن هذه من سمات أهل النوبة، بعكس الجنوبيات ذوات القامة الطويلة. جلست تحكي بلغة عربية تبدو أحياناً صعبة الفهم، أنها جاءت إلى مصر منذ ثلاثة أعوام، وهي تعيش مع أبنائها، أكبرهم في العشرينيات وأصغرهم في المرحلة الثانوية، أما زوجها فقد فقدته في إحدى الهجمات التي كانت تُنظّم ضد قرى النوبة، وهي ترجح موته "زولي لو فيه كان بيفتش عني". وقد أصيبت هي أيضاًعام 2003 - وكانت لا تزال في مرحلة النفاس- إصابات لا تزال آثارها،كما أرتني، باقية ندوباً وأوجاعاًعلى مناطق في جسدها. من ضمنها آثار أسفل رقبتها التي كانت تغطيها بشال ملوّن. "كنا نهرب (من القصف) في الجبال ونختبيء وسط الأشجار". بعدها بسنوات تمكنتْ من الانتقال إلى الخرطوم، بمساعدة الكنيسة التي كانت هي عضواً نشطاً فيها، وقد وفرت لها إقامة في الخرطوم، كما ساعدها "أبونا" في استخراج الأوراق اللازمة للسفر إلى مصر. تعمل ناتالي بأحد المنازل. في بداية مجيئها كانت لها تجربة قصيرة صعبة مع "مدام" عملت عندها، عندما جادلتها في نهاية الشهر بشأن ضآلة الأجر فقامت بحبسها طوال النهار بلا طعام. أما "المدام" الحالية فهي في نظرها "مَرَة ما بانساها عمري كله، ربنا جابه ليا عشان تكون معين يساعدني، مش باقول لها ادّيني لكن هي تعرف، أوقات أكون تعبانة أغيب أسبوع ما بتخصم ولا جنيه، كما اشترت لي بوتاجازاً جديداً". كانت ناتالي تعتمد على راتبها من "المدام" في دفع إيجار مسكنها، وعلى الدعم المادي الذي كانت تتلقاه من المفوضية لشراء تموين الشهر: "كنا عايشين في أمان الله". لكن قبل أكثر من عام قطعوا عنها هذا الدعم. تراكم عليها إيجار الشقة فطردها صاحبها "بتنا أنا وأولادي في الشارع ليومين أسفل العمارة" إلى أن رأف بحالهم أحد المارّة ووفر لهم مسكناً بإيجار أقل.وقد حاول ابنها إيجاد عمل في أحد المطاعم، فراح يعمل لساعات طويلة وبصورة غير منتظمة، بيومية 50 جنيهاً (أقل من 3 يورو). تذهب "ناتالي" كثيرا إلى المفوضية والجمعيات الشريكة طلباً للدعم: "أنا مش باشحت.. أرغب فقط في سد احتياجاتي الأساسية.. الفلوس مش مكفي الإيجار والأكل والغاز والمياه". تقول إن موظفي المفوضية يتعاطفون معها ويدرون صعوبة أوضاعها وظروفها الصحية، لكنهم لا يفعلون لها شيئاً. أما المساعدات التي يمكن أن تتلقاها من الكنيسة فتقول إنها "رمزية".
تعرضت "ناتالي" وأبناؤها لحوادث اعتداء في الشارع من شباب وأطفال بدوافع عنصرية، كأن يدفعها بعضهم أثناء سيرها في الشارع لتقع أرضاً ويعبث بمحتويات حقيبتها لسرقتها، أو تمزيق كراسات ابنتها أو قميصها وهي عائدة من المدرسة. تقول عن بعض التعليقات التي تسمعها من بعض الأطفال أحيانا: "كأني ما إنسان.. المفروض يتعلموا أن الإنسان الأسود ربنا خلقه مثله مثل الأبيض". قدّمت "ناتالي" بلاغات في قسم الشرطة دون جدوى، توصي أولادها: "لو دقّوكم (ضربوكم) قولوا ربنا يسامحكم.. خايفة عليهم.. مفيش زول بيقف ليكي هنا، أحسن يكونوا مظلومين ولا يظلموا زول". يتأثر أبناؤها نفسياً بهذه الحوادث، خاصة ابنها الشاب الذي يبكي أحياناً لإحساسه بالظلم وعدم قدرته على أخذ حقه. كذلك، تضررت ابنتها بعد توقف المنحة التعليمية للمدارس الخاصة هذا العام، مما منعها من الالتحاق بالمدرسة(4). كانت ناتالي طوال اللقاء شخصية مرحة، باستثناء اللحظات التي كانت تعبر فيها عن قلقها على أبنائها، فقد كانت مليئة بالدموع.
حكت لي أيضاً عن بعض جوانب من حياتها السابقة في جبال النوبة، حيث نشأت في أسرة ميسورة، وتعلمت من أمها الكثير، ولكن انقطع اتصالها بها وبغيرها من أهلها ولا تعرف عنهم شيئاً. وأنها تحب التعليم وقد وصلت لمراحل تعليمية متقدمة، وكانت مدرستها في منطقة بعيدة، وتعلمت عن مصر قبل أن تأتي، وهو ما يفتقده المصريون في مناهجهم، وهذا- كما ترى- هو سبب السلوكيات العنصرية، وأن لديهم العديد من اللغات المحلية. أخبرتني أيضاً أن مهرها كان عبارة عن 116 من رؤوس الغنم، و8 أبقار، وبندقيتين.
وعن احتمالية عودتها بعد التطورات السياسية في بلادها، تقول "ناتالي" إنها تتمنى لبلدها مستقبلاً أفضل، ولكنها على المستوى الشخصي لن تعود لعدم قدرتها نفسياً بعد تجربتها المريرة وما رأته من فظائع، على حد قولها. وإنها تفضل أن تعيش وتموت هنا على العودة، أما مسألة التوطين فتتركها لـ"خطة ربنا".
تصف ناتالي الحالة العامة للاجئين السودانيين بأنها "صفر"، خاصة النساء والأطفال، فمعظمهم لا يستطيعون توفير المأكل والملبس، وينامون في بيوتهم على الأرض: "يمكن أن تجدي شاباً لا يملك إلا ملبساً واحداً، يقولوا ولادنا مش لاقيين شغل إزاي نشغل أجانب؟!.. مفيش شغل إلا في البيوت وده معاناة، ممكن تقعدي من الصبح للمسا من غير أكل، لذلك يصاب كثيرون بالأنيميا من كتر الشغل وقلة الأكل". وأن ساعات عمل الأمهات الطويلة تؤدي لإهمال الأطفال. تعتبر ناتالي نفسها محظوظة بـ"المدام" التي تعمل معها، ولكن حال غالبية من يعملن بالبيوت خلاف ذلك. تقول إن العديد من الأسر تعمل نساؤها بينما يجلس الأزواج في البيوت لعدم وجود عمل، أو تكون المرأة قد فقدت زوجها في الحرب، أو تغادر وحدها مع أبنائها بينما يبقى الزوج في السودان.
نساء بلا دعم
"لا يتوفر من الميزانية المطلوبة البالغة 104.2 مليون دولار سوى 36 في المئة منها، أي أن هناك فجوة تمويل تبلغ 64 في المئة، ومن ثم لا تستطيع المفوضية تقديم الدعم إلا لـ 20 في المئة فقط من اللاجئين (5). بالتأكيد سيكون هناك نساء معيلات أو معنّفات ضمن النسبة غير المغطاة. ليس هناك قواعد ثابتة لتقييم الأسر، وتحاول المفوضية - وفق معايير معقدة لتقييم كل حالة على حدة- أن تعطي فقط الأكثر احتياجاً، كذوي الإعاقة أو المرضى أو الأطفال غير المصحوبين بذويهم (6) الذين ازداد عددهم في الفترة الأخيرة، وهؤلاء يتم دمجهم في أسر بديلة في مجتمع اللاجئين وفق شروط اختيار معينة. تصلنا بالفعل قصص بالغة الصعوبة للاجئين، ولكن دعم كل محتاج منهم أمر يفوق قدرتنا الحالية، لذلك نحن نحثّ الجهات الممولة باستمرار على زيادة الدعم". كان هذا رد المكتب الإعلامي للمفوضية بالقاهرة. أما بخصوص حركة اللاجئين السودانيين من وإلى مصر بعد التطورات السياسية الأخيرة في بلادهم، فلم تتوفر بعد معلومات للنشر في هذا الشأن، على حد قولهم.
ووفقاً لنتائج الدراسة الاستقصائية التي أجرتها المفوضية عام 2018 فإن 37.5 في المئة من إجمالي عدد الأسر (من أفريقيا والعراق واليمن) ترأسها الإناث، ووفقاً للمفوضية أيضاً، ثمة تفاوت بين التمويل المتوفر للسوريين والتمويل المتوفر للاجئين من جنسيات أخرى. تقول المسئولة الإعلامية بالمفوضية: "القضية السورية كانت هي المتصدرة عالمياً، ولا يتحدث أحد عن الوضع في السودان أو إريتريا مثلا، لكن اللافت للنظر أن النسبة الأكبر من 30 ألف لاجيء سجلوا في مصر العام الماضي فقط، كانت من غير السوريين، لذلك تسعى المفوضية لإطلاق خطط لدعمهم بالشراكة مع الحكومة المصرية".
كُلية مقابل فرصة مرتجاة للعيش
لا تذكر تقارير المفوضية ضمن آليات التكيف السلبية مع الاحتياج، اضطرار اللاجئين إلى بيع كُلاهم. أجرى د. سين كولومب، وهو محاضر في القانون بجامعة ليفربول البريطانية، دراسة(7) مهمة عن تجارة الأعضاء من منظور قانوني اجتماعي، في القاهرة التي تعد - كما ذكر - واحدة من أكبر الأسواق العالمية في هذا المجال. تضمنت الدراسة 27 مقابلة معمقة مع مهاجرين سودانيين أجريت بين ايار/ مايو وتموز/ يوليو 2014. كان بينهم 13 شخصاً قام ببيع كليته، و4 وسطاء أو سماسرة لتجنيد الأفراد، وعدد من الاختصاصيين الطبيين وموظفي المنظمات غير الحكومية. شكلت النساء أغلبية بين بائعي كلاهم (7 نساء تراوحت أعمارهن بين 19 و42 عاما، وكان هناك امرأة واحدة بين الوسطاء). وفقاً للدراسة، فإن التهميش الاقتصادي والاستبعاد الاجتماعي يدفعان المهاجر لبيع كليته كملاذ أخير، علىالرغم من المخاطر التي تنطوي عليها العملية. فاستخراج تصريح عمل يعد إجراء صعبا ومكلفا بالنسبة للاجئين، ومن ثم لا يكون أمامهم سوى العثورعلى عمل في الاقتصاد غير الرسمي، وهو ما يعني أجوراً ضئيلة وغير ثابتة، ولذلك اضطرت أغلبية المبحوثين لاستكمال دخلهم بالانخراط في أنشطة اقتصادية متعددة لتغطية احتياجات أساسية كإيجار المسكن والنفقات اليومية. بعض النساء مثلاً كن يستكملن دخلهن عن طريق تصفيف الشعر أو رسم الحناء، أو العمل بالجنس، وكان بيع الكلية خياراً آخر. يقول الباحث إن أغلبية المشاركات اللاتي اضطررن لبيع كلاهن كن أمهات عازبات، لديهن بين طفلين وخمسة أطفال. وعلى الرغم من عملهن لساعات طويلة كعاملات منازل،فإن دخلهن لم يكن كافياً على الإطلاق لمواجهة متطلبات أسرهن وإرسال أطفالهن إلى المدرسة. تتضمن الدراسة شهادات قاسية لرجال ونساء، بينهم "أميرة"- وهي عاملة جنس سودانية- التي شرحت كيف كانت تأمل في استخدام المال الذي حصلت عليه مقابل بيع كليتها لإيجاد فرصة لتغيير حياتها للأفضل: "لا أريد أن أعمل في الملاهي، ولكن هذا أفضل من العمل كمنظّفة. لا أستطيع إطعام أسرتي بأي طريقة أخرى. فكرت في أني لو بعت كليتي سوف يمكنني بدء عملي الخاص في بيع الملابس. كان هذا سيكون طريقاً أفضل لي". بينما تقول "هبة" أنها صارت تعاني آلاماً حادة في بطنها بعد العملية، ولم تعد قادرة على رفع أحمال ثقيلة، ومن ثم لا تستطيع إيجاد عمل إلا في الملاهي الليلية.
انقلبت حياتي رأساً على عقب
في حالات أخرى، تكون النساء الجهة التي ينفّس الرجال من خلالها غضبهم وإحباطهم من ظروفهم القاسية. من هؤلاء "مودّة"، التي تقول إن زوجها - الذي ينتمي لقبيلة الزغاوة بغرب السودان - صار منذ مجيئهم قبل أقل من عامين يضربها بشكل قاس، كما يمارس عنفه على الصغار: "لم يكن هذا يحدث قط في السودان"، تقول إن ظروف العمل والضغوط الاقتصادية هي السبب، ولكنها لا تلتمس له الأعذار على الإطلاق. قبل شهرين، وبالتحديد في أول أيام عيد الأضحى، سبّب لها إصابة بوجهها استدعت تدخلاً طبياً. حررت له محضرً في قسم الشرطة "أول مرة أروح أقسام شرطة"، وقدمت تقريراً طبياً يثبت حالتها. أخبروها أنهم سوف يقومون باستدعائه، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث حتى الآن. ترغب "مودة" في الانفصال، ولكنها ترى أن المفوضية لا تقدم لها حلولاً: "أخبروني أنهم سيوفرون لي إيجار شقة لمدة شهر واحد فقط، بعدها أتحمل أنا التكلفة، ولكن كيف وأنا ربة منزل ومن الصعب أن أجد عملا ثابتا؟ وماذا سيكون وضع أطفالي؟". تقول لها أمها (في السودان) إصبري، ولكنها لم تعد تتحمل المزيد، وقد بعثت لأخيها ليحضر. ترغب في العودة إلى بلدها حيث تكون وسط أهلها. تقول أن بعض اللاجئين عادوا واستقروا بعد التطورات الأخيرة، "لكن هؤلاء لديهم ممتلكاتهم هناك أما نحن فقمنا ببيعها قبل الرحيل، والأوضاع الاقتصادية هناك صعبة جداً حالياً". يرفض زوجها الرجوع ولو كرمى لها وللأولاد فقط، يقول إن "المفوضية هنا توفر مصاريف التعليم والعلاج للأطفال (يعانون من الأنيميا المنجلية)، كما أنه غير مطمئن تماماً بشأن انتهاء الملاحقات الأمنية". بصوت يملؤه العجز تقول وهي تحمل رضيعها: "أنا مغلوبة على أمري، لو كنتُ في السودان ما كنتش هاقبل الوضع ده، عندي بيت أهلي، (أما هنا) كل الجهات متقفلة في وجهي، مش عارفة أعمل إيه أو أروح فين" (8).
أما "سلوى" فقامت برفع دعوى طلاق بعد أقل من عامين من وصول الأسرة إلى مصر في 2014. فزوجها، الذي جاء لاجئاً إلى مصر لأسباب سياسية، تغيرت طباعه تماماً.عدم توفر فرص عمل أدى به إلى الانحراف وإلى تعاطي المخدرات. تقول سلوى إن تبدل حال الرجال من اللاجئين بعد مجيئهم هنا ظاهرة عامة نتيجة الضغوط الاقتصادية وصعوبات العيش والتأقلم. رفعت دعوى طلاق بداية عام 2016 ولم تحصل على الطلاق بالفعل إلا نهاية العام الماضي، بعد جهد طويل في أروقة المحاكم، خاصة مع عدم إباحة القانون السوداني الخلع. وقد طلب القاضي الاطلاع على نسخة أصلية من القانون السوداني، معتمدة من السفارة السودانية، وهو إجراء استغرق وقتاً طويلاً. وتتولى المفوضية في مثل هذه الحالات توكيل المحامين. ترفع سلوى حالياً دعوى لحضانة الطفلتين، بعد تهديد طليقها - الذي خرج من السجن قبل فترة - لها بضمهما إليه. والمشكلة أيضاً أن حضانة الأم في القانون السوداني تستمر فقط حتى سن 9 سنوات للبنت و7 للولد: "أشعر أن حياتي تحولت إلى كابوس، على عكس حياتي في السودان تماماً. كنت في بلدي ربة منزل لا أخرج من البيت إلا قليلاً، الآن صرت أتحمل وحدي مسئوليات جساماً، راتب المفوضية قليل ولا يكفي مصروفاتنا أنا وبناتي (9)، والغريب أنه لم يزد منذ سنوات بينما أسعار السلع والإيجارات في ارتفاع، ومن الصعب علي أن أعمل بدوام كامل لثماني ساعات يومياً مثلا، فمن سيرعى بناتي؟". إحدى بنات سلوى لديها مشكلة بطء تعلم وتخضع للعلاج. سلوى حاصلة على مؤهل جامعي. كانت طوال لقائنا القصير تتابع الوقت كي لا يفوتها موعد إحضار ابنتيها من المدرسة، وما يعقب ذلك من بنود جدولها اليومي المزدحم دائماً: مذاكرة لهما، وجلسات علاج لابنتها الصغرى، أو أعمال إضافية تقوم بها لزيادة دخلها. تلهث سلوى في كل اتجاه ممكن لتستطيع سداد التزاماتها من إيجار شقة (10) وتوفير علاج مناسب لابنتها ولها،مع عدم كفاية الخدمات العلاجية المتاحة للاجئين. فهي تعمل في إحدى الحضانات السودانية، وتشارك في أي تدريب مدفوع الأجر تتيحه المنظمات الشريكة للمفوضية، وتعطي مجموعات تقوية للتلاميذ الذين يدرسون المناهج السودانية، ودروساً خصوصية لتلاميذ مصريين في دوائرها،و"كل ده مش مغطي"، ولا تزال تبحث عن فرصة عمل مناسبة لا تتطلب دواماً كاملاً وتكون مرنة في مواعيدها. كل هذه الضغوط انعكست بطبيعة الحال على سلوى جسدياً ونفسياً، وهو ما يظهر في تعاملها مع بناتها، كما صارت تعاني من اضطرابات النوم. في أول أسبوع من العام الدراسي، في المدرسة الحكومية التي نقلت سلوى ابنتيها إليها، طلب منها مدير المدرسة أن تشتري "مروحة" للمدرسة، "يظنون أن اللاجئين يقبضون بالدولار!"، تقول إنها مضطرة لتدبير ثمنها حتى لا تتضرر ابنتاها أو تساء معاملتهما.
حنان وأخواتها، أو.. ماذا عن الحب؟
ربما يكون الحديث عن الحب في خضم حديث الحرب والسياسة والضغوط الاقتصادية أمراً ثانوياً، لكنه بالتأكيد ليس كذلك بالنسبة لشابة عشرينية مثل "حنان"، الكبرى ضمن أربع أخوات يعشن هنا بمفردهن. جئن إلى مصر بصحبة والدتهن قبل ثلاثة أعوام هرباً من اضطهاد الأب وسوء معاملته لهن وتعنيفهن، وكانت الأم - التي عانت من قبل- قد انفصلت واستقرت في إحدى الدول الأوروبية، تاركة طفلاتها لمصير صعب. وقد عادت بعد فترة لأوروبا وبقيت البنات هنا.
في البداية، عملت البنات في مصنع بإحدى المناطق الشعبية التي سكنّ بها، "الجميع عرف أننا نعيش بمفردنا وهو ما عرّضنا لمضايقات وتحرّشات خاصة مع وجود بلطجية"، وصل الأمر ذات مرة أن حاول أحدهم اقتحام المنزل والاعتداء على "نور"، الشقيقة الصغرى، في فترة عمل الأخريات. وهو ما دفعهن لترك العمل والانتقال إلى مدينة أخرى. ترك السلوك غير السوي للأب آثاره عليهن جميعاً، وبالأخص الصغرى، التي باتت تصرفاتها تميل للتمرد وعدم الالتزام. أكثر من مرّة اضطررن لنقل محل إقامتهن لامتعاض الجيران من تأخر نور في مواعيد رجوعها، ومن طريقة لبسها. بعد سنة جاء الوالد من السودان وطاردهن: "ذات مرة اضطررنا لترك المنزل والبحث عن آخر في الثالثة فجراً خوفا من أن يصل إلينا". عملت "حنان" وبعض أخواتها أيضا في محل ملابس، ولكنهن تركنه بعد تحرش صاحب المحل بهن. في بداية مجيئها تقول إنها كانت تميل للعزلة وكانت تبكي كثيراً، ولكن من خلال جلسات الدعم النفسي والأنشطة المختلفة التي تنظمها بعض مراكز دعم اللاجئين هنا استطاعت أن تعيد اكتشاف ذاتها وبناء علاقاتها بأخواتها. ماليّاً، تعتمد الفتيات بشكل أساسي على ما ترسله الأم شهرياً. بالإضافة إلى عملهن الحالي في أماكن مختلفة، فـ"حنان" تعمل في أحد المراكز التي تخدم اللاجئين، وشقيقة أخرى وجدت عملاً في إحدى الشركات بالتعاون مع المفوضية، والثالثة تلقت تدريباً مهنياً في مجال التجميل برعاية المفوضية أيضاً يعقبه توفير تمويل لمشروع خاص. لا تشعر "حنان" باختلاف كبير بين الحياة هنا وفي السودان، ففي الحالتين كانت هي المسئولة عن البيت، من تسوّق وأعمال منزلية. ولا تؤرقها الأمور المادية فقد اعتادت في السودان أن تعيش بالقليل. ما يؤرقها مستقبل أخواتها، خاصة الصغرى المراهقة التي تغيرت طباعها وهي تشعر أنها فقدت السيطرة عليها، وصار لها تطلعات مادية تأثراً بأصدقائها الجدد، ولا تعرف كيف تتصرف معها: "قلقانة قوي على نور وبادعي ربنا كتير.. مش لاقية حل".تشعر البنات بتخلي كل من الأب والأم عنهن، صار لكل واحد منهما حياته في بلد مختلف، والبنات في بلد ثالث. تحكي أيضاً عن عدم شعورها بالأمان "لم أكن أنام ملء جفوني إلا عندما كانت أمي تزورنا. منذ عام لم تتواصل معنا، ولا حتى في الأعياد". تتحدث عن افتقادها العادات السودانية، وعن صديقاتها في الجامعة. لم تكمل حنان وأخواتها تعليمهن بسبب تعنت الأب، أما هنا فلا تتوفر معهن الوثائق اللازمة.
العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس
تم إبلاغ المفوضية وشريكتها هيئة "كير" الدولية (المختصة بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للاجئين) خلال عام 2018 بـ 1231 حالة تعرض للعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس من الأفارقة والجنسيات الأخرى (العراق واليمن)، وهو ما يشكل 81% من إجمالي الحالات المبلغ عنها خلال العام. وتشمل هذه الحالات: 696 حالة اغتصاب، و239 حالة اعتداء جنسي، و155 حالة اعتداء جسدي، و109 حالة إيذاء نفسي/عاطفي، بالإضافة إلى 28 حالة زواج قسري. وهناك 267 حالة من إجمالي الحالات تم ارتكابها ضد أطفال (217 بنتا و50 ولدا)، من بينهم 13 طفلا منفصلا عن ذويه و80 طفلاً غير مصحوب (أي أن أغلب الضحايا يعيشون مع أسرهم الطبيعية). ومن بين إجمالي حالات الأطفال هناك 107 حالة اغتصاب، و97 حالة اعتداء جنسي، و33 حالة إيذاء نفسي، و25 حالة زواج قسري، و5 حالات اعتداء جسدي.
من التجارب الصعبة التي مرّت عليهن تعرض "نور" للاحتجاز بقسم الشرطة مرتين لفترة وجيزة، لأسباب تتعلق بأوراق الإقامة.. وماذا عن الارتباط والزواج يا حنان؟ "تقّدم لي ذات مرة شيخ الجامع وكان أيضاً زميلنا في المصنع، ولكن شعرت أن الوقت غير مناسب، فما تزال مسئولياتي عن أخواتي كبيرة، كما أن أبي وأمي غير موجودين.. "بوجه عام تشعر "حنان" بأنها غير قادرة على تحديد مشاعرها، هل تحب الشخص فعلاً أم تجد فيه فرصة للخلاص؟ "أحيانا أشعر بالخوف أن أكرر تجربة أمي المريرة مع أبي و...". تتوقف فجأة وتبكي، قبل أن تعود لتستأنف الحديث. زالت الدموع وعادت الابتسامة، ولكنّ الألم – بالتأكيد - لم يَزُل..
_____________________
أقوال
السودان يمر حالياً بانتقال سياسي "محفوف بالمخاطر"، والكل في وضع انتظار وترقّب، ومن ثم فإن الغالبية العظمى من اللاجئين السودانيين سيبقون إلى أن تستقر الأوضاع في بلدهم. ربما يعود البعض، لكن بوجه عام الظروف الاقتصادية الصعبة لا تشجع على العودة، فالوضع الاقتصادي في مصر أفضل نسبياً، ومن ثم فإن الأولوية للحكومة الانتقالية الآن هي محاولة تحسين الوضع الاقتصادي، وتأتي بعدها قضية النازحين، ثم قضية اللاجئين. أما بالنسبة للملاحقات الأمنية التي كان ينفذها النظام السابق ضد المعارضين مما دفعهم للفرار واللجوء، فقد انتهت بشكلها السافر، ولكن هؤلاء المعارضين سوف يحتاجون إلى مضيّ وقت كاف كي يطمئنوا للعودة. انعكاس التغيرات السياسية في السودان على أوضاع اللاجئين بالخارج ليس من المنتظر أن يتحقق على المدى القريب. أما من الناحية القانونية، وبخصوص استحقاق السودانيين للحماية الدولية وطلب اللجوء، فربما يكون هناك قواعد مختلفة لقبول حالات لجوء جديدة من جانب المفوضية، لكن الحالات القديمة التي مر عليها وقت طويل في انتظار التوطين في بلدان أوروبية لبطء الإجراءات، فمن حقهم أن تجاب طلباتهم.
تعد مصر بالنسبة لكثير من اللاجئين دولة transit أو عبور وإقامة مؤقتة ، وليست هدفا نهائيا للاجئ، الذي يكون هدفه التوطين في أوروبا أو الولايات المتحدة أو أستراليا.. طبعا الوضع في أوروبا ليس وردياً بالنسبة للاجئين فهم في كل مكان يواجهون صعوبات كبيرة، واليمين المتطرف هناك يعادي المهاجرين، كما ان إجراءات تسجيل اللجوء معقدة في كثير من الأحيان. ولكن في بلد مثل ألمانيا -حيث سافرت لأشهر لتلقي تدريب بإحدى المؤسسات المهتمة بقضايا اللاجئين - ينظر للاجئ كفرصة وليس عبئاً: فرصة لكسب فرد جديد وللانفتاح على ثقافة جديدة. والسياسة المتبعة هناك تقوم على دعم وتأهيل اللاجئ إلى ان يصبح قادراً بعد سنوات قليلة على دعم الدولة من خلال العمل ودفع الضرائب وعلى إفادة المجتمع، حيث يتاح له دخول سوق العمل حسب رغبته ومؤهلاته العلمية وإمكانياته، ويمكن ايضا تعليمه مهارات جديدة تمكنه من كسب الرزق، ومن ثم هناك فرصة حقيقية امامه لتطوير نفسه. كما أن هناك العديد من الأنشطة التي تستهدف إدماج اللاجئين في المجتمع. اما في مصر فيجتمع ضعف الامكانات مع عدم الاهتمام بإيجاد حلول في تحسين الاوضاع. صحيح صار هناك اهتمام من جانب بعض الوزارات لتنظيم أنشطة للاجئين ولكنها تبقى محدودة ولا تشمل إلا نسبة بسيطة من اللاجئين .اما بالنسبة للمجتمع المدني المصري وتفاعله مع قضايا اللاجئين، فالمشكلة الأساسية تتمثل في نقص التمويل. فهناك مشاريع تنظم لخدمة اللاجئين ولكنها مؤقتة على قدر التمويل المتاح لكل مشروع. اما بالنسبة لثقافة المجتمع تجاه اللاجئين فنحن بوجه عام لدينا أزمة في قبول التعددية الثقافية، ومن الضروري أن تؤكد برامج التعليم على قيم التعددية والحرص على مواجهة أساليب تعليم وافكار تخرج أفراداً أحاديي النظرة غير متقبلين للآخر، والأهم ترجمة هذه القيم في صورة سياسات عملية.
تحظى قضايا اللاجئين بمساحة محدودة في الإعلام المصري، وهو أمر متوقع في بلد يضم مئة مليون مواطن بينما لا يشكل اللاجئون سوى نسبة ضئيلة، كما أن الإعلام يركز على ما يمس الجمهور ويجذب المعلنين، وعادة ما يتم تناول قضاياهم بصورة موسمية، بمناسبة اليوم العالمي للاجئين مثلاً أو عند وقوع حدث داخلي أو خارجي له علاقة، كما حدث وقت الثورة السودانية مثلاً. استطاع السوريون الانخراط والتاقلم في المجتمع المصري بصورة اكبر على الرغم من أن السودانيين أقدم وجوداً بكثير. أحد الأسباب هي النظرة العنصرية تجاههم والثقافة المجتمعية التي رسخها الإعلام على مدار عقود بحصر السوداني أو صاحب البشرة السمراء في مهن معينة. من المهم إتاحة مساحة أوسع في الإعلام لقضايا اللاجئين، والأهم عند تناولها تجنب استخدام ألفاظ عنصرية، وأن يكون الصحافي على وعي بالمفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالقضية كالفرق بين اللاجئ وطالب اللجوء والمهاجر... والحرص على غيصال رسالة للجمهور بأن وجود اللاجئين أمر مفيد وايجابي للمجتمع وليس شيئا سلبياً.
1- جميع الأسماء مستعارة.
2 - اخترت هذا الاسم المستعار بالتحديد كونه الاسم الذي اختارته لوليدتها امرأة جنوب سودانية شابة ويعني بلغتها "على الطريق"، ذلك أنها جاءها المخاض وهي في شاحنة مكدسة بالنساء والأطفال فراراً من جحيم الصراع القبلي الذي تغرق فيه البلد مذ سنوات، باتجاه الحدود الإثيوبية، فما كان منها إلا أن نزلت من الشاحنة واتجهت لحقل قريب لتضع، بمساعدة بعض النساء، تحت ضوء النهار، ثم ما لبثت أن غطت طفلتها التي وضعتها للتو وأسرعت لتلحق بالشاحنة التي تمثل طوق النجاة لها وللأخريات. لا توجد أية علاقة بين القصتين، سوى انتماء صاحبتيهما إلى البلد نفسه. يعطي هذا خلفية عما يعانيه اللاجئون في بلدانهم قبل المجيء. راجع ريبورتاج مصور بعنوان "جنوب السودان: البلد المشئوم" على موقع قناة فرانس 24.
3 - بخصوص جنوب السودانيات أيضا، أخبرتني إحدى اللاجئات أن مما تعانيه الشابات هناهو رفض أسرهن تزويجهن لشباب من قبيلة معادية، فتدخل الفتاة في علاقة وتنجب بشكل غير شرعي، ويُنسب الأطفال للجد والجدة، وأنها من خلال احتكاكها بالتجمعات النسائية في مجتمع اللاجئين ترى أن هذا الأمر بات متكرراً.
4 - أخبرني المكتب الإعلامي للمفوضية بالقاهرة أنه صار من الصعب جداً توفير منح للمدارس الخاصة في ظل فجوة التمويل، وأن المفوضية تعمل على تحديد أفضل استخدام للميزانية المتوفرة. من ناحية أخرى يقول الأهالي إن أبناءهم يعانون من قدر كبير من التنمر والعنصرية في المدارس الحكومية، كما أنهم اشتكوا من تأخر المفوضية في إبلاغهم بقرار إلغاء المنحة هذا العام مما فوّت على كثيرين موعد التقديم في المدارس الحكوميةمع ما يتطلبه الأمر من ضرورة توفير كثير من الوثائق والأوراق،وأبقى أبناءهم في المنزل.
5- وفقا للمفوضية فإن 80% من اللاجئين في مصر يعيشون في أوضاع إنسانية بائسة، ولا يمكنهم تلبية حتى أبسط احتياجاتهم. ويعتبر الحصول على لقمة العيش تحديا يومياً لهم.ويجد الكثيرون أنفسهم غارقين في الديون وعالقين في براثن الفقر، مضطرين بذلك لاتباع آليات تكيف سلبية من أجل البقاء، كعمالة الأطفال والزواج المبكر، أو اللجوء إلى الشارع.
6- وفقا لأرقام المفوضية، يمثل الأطفال 39 في المئة من اللاجئين وملتمسي اللجوء في مصر، 59 في المئة منهم سوريون، و41 في المئة من دول أفريقيا والعراق واليمن. ويبلغ عدد الأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم 4176 طفلا، يبلغ معظمهم 15-17 عاماً، أغلبهم من إريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان، ويمثّل اطفلب هذه الأخيرة الفئة الأكبر بين الأطفال المنفصلين عن ذويهم، بنسبة 41 في المئة، متجاوزين الأطفال السوريين الذين انخفضت نسبتهم إلى 22 في المئة. ويتعرض هؤلاء الأطفال لمخاطر الإيذاء والعنف والاستغلال في العمل والزواج المبكر والعمل بالجنس كسبيل للبقاء على قيد الحياة.
7- نُشرت الدراسة في مجلة القانون والمجتمع Law and Society Review المجلد 51، نوفمبر 2017، بعنوان Disqualified Bodies: A Sociolegal Analysis Of the Organ Trade in Cairo, Egypt
وقد نشرت من قبل بصورة مختصرة في المجلة البريطانية لعلم الإجرام The British Journal of Criminology في أغسطس 2016، بعنوان: Excavating the Organ Trade: An Empirical Study of Organ Trading Networks in Cairo, Egypt، والدراستان منشورتان إلكترونيا على صفحة الباحث بموقع Research Gate.
8 - في حالات أخرى، يترك الزوج زوجته وأطفاله ويغيب أو يرجع للسودان، فقد ذكرت لي "مودة" أن إحدى اللاجئات تركها زوجها وهي حامل وأخذ المال وأوراق المفوضية وعاد إلى السودان وتزوج واستقر، بينما تعرضت الزوجة وأولادها للطرد من الشقة لعدم سداد الإيجار، وأنهم تضامنوا كسودانيين لتوفير مسكن لها بسرعة.
9 - تقول إنهم جميعاً يحصلون من المفوضية على 1000 جنيه شهرياً (55 يورو تقريباً)، وهناك منحة سنوية من اليونيسيف لتلاميذ المدارس تبلغ حوالي 2000 جنيه (111 يورو تقريباً).
10- أخبرتني سلوى أنها لا تستطيع تقليل بند الإيجار بالانتقال إلى حي شعبي أو طرفي مثلاً، لأنها لن تشعر بالأمان على نفسها وابنتيها كامرأة وحيدة، كما أنها ترغب في أن تكون قريبة من مركز علاج ابنتها توفيرا لنفقات المواصلات.
_____________________
في إطار جائزة إعلام الهجرة، نال هذا العمل دعم مركز الاعلام "أوبن ميديا هاب” وبرنامج يوروميد هجرة اربعة، بتمويل من الاتحاد الأوروبي
إن الآراء الواردة لا تعكس بالضرورة الرأي الرسمي للاتحاد الأوروبي