لا تزال تجربة "طالعات" في طورها الابتدائي، والأمل أن نكون بعيدين كل البعد عن أوان تلخيصها. الحركة الاحتجاجيّة النسوية الفلسطينية التي انطلقت تحت شعار "لا وجود لوطن حرّ إلا بنساءٍ حرة"، حشدت الآلاف ضد تعنيف النساء وقمعهن، في مظاهرة عمّت المدن والقرى في كل فلسطين. وبمعزل عن احتمالات الاستمرارية التنظيمية للحركة، فإن الخطاب والشعار السياسي الذي رفعته ودفعت به، يصلح ليكون عنوان فصلٍ جديد في النضال السياسي والاجتماعي في فلسطين.
يُمكن اعتبار هذا التحرك أبرز وأوضح تعبير سياسي مباشر تشهده فلسطين عن الربط بين التحرر من الاستعمار من جهة، والتحرر من السلطة الذكورية من جهةٍ أخرى. لم يتوقّف نضال النساء الفلسطينيات يوماً في الميدانين معاً، وشغل هذا الهاجس عدداً كبيراً من النسويات الفلسطينيات على مرّ عقود، ولكنّه لم يحضر يوماً كحركة سياسية قائمة بحدّ ذاتها، أو تصبو لذلك على الأقل. هذا حراك سياسي يصطدم بشكلٍ مباشر مع مقولةٍ سائدة في العمل السياسي الفلسطيني تدّعي "ترتيب الأولويات"، وتأجيل القضايا المجتمعية إلى ما بعد "تحرير البلاد".
لم يتوقّف هذا التصور عند الشعار السياسي، بل هو يلمّح أيضاً إلى أساليب التنظيم والعمل السياسي التي تسعى للخروج من المؤسسات والأطر التنظيمية الهرمية والتقليدية التي خَلقت مع الوقت سلطتها، وهمشت طاقات نسوية هائلة أمام هيمنة الذكور، أو همّشتها أمام هيمنة طبقية بين النساء أنفسهن في بعض الحالات.
التجربة التنظيمية كما تظهر من بدايتها، تبدو مختلفة، تقوم على عملٍ شبَكي وأفقي لا يسعى للسيطرة والوصاية على الفعل السياسي، ولا لاحتكاره إعلامياً وجماهيرياً، وإنما أن تُشكَّل أرضية عامة لتنقل زمام المبادرة والقيادة لنساء أخريات، وأن تفسح أوسع مجال لاجتهادهن وتجربتهن الخاصة في كل قريةٍ ومدينة.
هذا أملٌ كبير، وتوقّع هائل قد لا يُنجَز، لكنه احتمال واقعي، وحتماً يُربّي إمكانيات قادمة.