تدّعي الروايةُ الأولى أنّها قُتِلَت على قضيّة "شرف"، وترجّح الثانية أنّها ماتت إثر الضرب "المعالج لتلبس الجنّ"، والثالثة تقول: جلطة دماغيّة، أو قلبيّة، لا يهمّ. ستخرج رواية رابعة وخامسة بالتأكيد، وهذا يعني أننا أمام كمية احتمالات مهولة وتفاصيل لا يمكن الإجماع عليها أو حتّى إثبات صحتها. فالضحية ماتت، وكلُّ شخصٍ يعرف جزءاً من الحقيقة دون أن يقولها شريكٌ في الجريمة، وكذلك شريك في ثقافة الجريمة كلُّ من يقع في خدعة: "لننتظر حتى تُكشَف جميع التفاصيل".
"لنفكّر طويلاً قبل أن ننتصر للضحيّة"، هذه وصفة جاهزة لإضاعة الحقيقة في زحمة التفاصيل، حين تصبح المُطالبة بمعرفة القضيّة من ألفها إلى يائها حيلةً لتجاهل الأحرف الصّارخة: إسراء ضحيّة ثقافة "الفضيحة" والتستّر التي تركتها ميتة 11 يوماً دون أن يسأل أحدٌ عن حياتها. ولولا منشور "مثير للفتنة" من "حسابٍ فيسبوك وهميّ" لدُفنت قضيّتها إلى الأبد كما دُفنت مئات القضايا قبلها. الحقيقة الموضوعية التي أمامنا هي أن الضحية غادرت، ولن نستطيع سماع روايتها، لكننا نشتمّ رائحة الظلم، ونحن ملزمون إنسانياً بتطوير هذه الحاسة لنقف موقفاً واضحاً منه.
لا يقتصر هذا الموقف على قضية إسراء وحدها، ولا تكمن "الحقيقة" في تفاصيل وملابسات الموت. حقيقة الجريمة في منظومة كاملة من القمع والعنف الموجّه يومياً وفي كل المجالات ضدّ النساء. ما يجب أن نعالجه في دواخلنا وفي وقفة الشارع اليوم هو كلّ شيء إلا التفاصيل. لِنَعد إلى الأسئلة البديهية الأولى: كيف نحمي الضّحية؟
النص الكامل على موقع "متراس"