على الرغم من هزلية المواد التي يتحاكم بها المخلوع حالياً، وهي في ظاهرها لا تتعدى تلقي أموالاً خارج نظام الدولة، بينما هو سفك الدماء وقسَّم البلاد.. وحينما خُلع ترك السودان يواجه مصيراً معقداً.
... على الرغم من كل ذلك، إلا أن ما نُقِل من المحكمة التي مُنع من دخولها الصحافيون، يستحق أن يحاكم به البشير حتى يسترد السودان كرامته. ليس غريباً أن يجعل رئيس فاشل بلاده عرضة للاختراقات عبر مدير مكتبه، وليس غريباً أن يبيع رئيسٌ مُلاحَق دولياً بلاده لضمان سلامته الشخصية.. لكن الغريب أن يقبل رئيس بلد بهذه الطريقة في "البيع".
مهما بلغ الهوان برئيس بلادٍ، وارتضى لنفسه أن يتلقى أموالاً من رؤساء دول اعتادوا على شراء البضاعة الفاسدة، فلا أعتقد أنه يقبل تلقيها بهذا الشكل الرخيص! الرئيس المخلوع تلقى حفنة ملايين من الدولارات من حلفائه نظير جنود، ومواقف لا تغني ولا تسمن. البشير ينبغي أن يُحاكم بإهدار كرامة الوطن وإذلال شعبه، قبل الانتقال إلى جرائم نظامه المعروفة. لا أعتقد أن اثنان يختلفان في أن سنوات البشير الأخيرة بلغ هدر كرامة الوطن فيها مبلغاً لا يوصف. أحنى البشير رؤوساً كانت مرفوعة على الدوام. ومنذ أن انخرط في حلف "عاصفة الحزم" انحرفت علاقات السودان الخارجية انحرافاً لم تشهده البلاد من قبل.
فكلما زاد معدل سفر البشير إلى حلفائه في الخليج، نقصت كرامة الوطن درجات. ففي كل رحلة هناك إهدار كرامة إستثنائي. البشير آثر هدر كرامته كممثّل لرمز سيادة البلاد لأجل سلامته الشخصية وكرسيه، وفي نهاية الأمر وقع ذليلاً مدحوراً.
بعد هذه السنوات من سلب الكرامة، نحتاج لاستعادة صورتنا أمام أنفسنا أولاً قبل صورتنا أمام العالمين، نحتاج بصرامة الى وضع كرامة الوطن فوق كل شيء، نحن بحاجة على وجه السرعة أن نستعيد كرامة بلادنا التي وطأها المخلوع لسنوات. نحتاج أن نضع بحسم خارطة طريق لإدارة الدولة بعقول رجال الدولة وليس سماسرة متسوِّلين محمولين جواً. صحيح أن ما رأيناه في محاكمة البشير مهزلة، حيث يحاكم بأهون المواد مقارنة بما ارتكبه. لكن لم تكن هذه المحاكمة مجرد مهزلة واستسهال لجرائمه، بل جعلتنا نسخر ونضحك مما قاله بقدر ما كان ذلك يستحق منا العويل.. إذ كيف كانت كرامتنا تباع في مظاريف لأمراء الخليج.
المقال على موقع صحيفة "التيار"
سودان الغد: الرسائل - التعهدات الخمسة عشر
22-08-2019