لطيفة: إنها قصة حزينة فعلا. تذكرت ُلطيفة وسلسلة من الأسماء، في فيلم ديانا مقلد "لطيفة والأخريات". كتبت عنه صديقتي الباحثة عزة شرارة بيضون، بلغة فريدة وتحليل إبداعي يُدخل القارئ في حوار مع نص حساس مؤلم، يدفعه إلى تعلم مهارة الاستماع للنساء المعنفات.
لطيفة واحدة من اللواتي تكتب عزة عنهنّ، مُضافةً إلى لائحة شهيدات العنف الزوجي. واحدة إثر أخرى، والنضال شاق ومرير. إن متابعة بوح النساء يُظهر حجم المأساة، سواء عبر القراءة والمشاركة في الندوات أو عبر مقارعة قصص العنف والطلاق مباشرة من أرض الواقع. لي صديقة مضى على طلاق ابنتها أكثر من عشر سنوات. ما زالت إلى اليوم غارقة في تدبّر أمر نتائجه القاسية. تقول هذه الصديقة: كنت أخاف على ابنتي من زوجها، اكتشفت درجة عنفه بعد فوات الأوان، سرعان ما قررت وأبوها أنه لابد من الانفصال. هي لم تطلب ذلك. لكنني كنت أخاف من سكوتها. في أحد الأيام جاءت والدماء تسرح من شفتيها، لدرجة خضّبتْ قميصها. رجعتْ زينة إلى البيت مع طفلين، فغيّرنا نمط حياتنا لأجلهما. رضينا أن يمارس زوجها علينا ابتزازا بشعا في مقابل الاحتفاظ بالولدين.
تسأل صديقتي نفسها: ولكن هل تمكنّا من انقاذ زينة ؟ لقد ثبت لي أن قوة التأثير الثقافي في معادلة علاقة المرأة بالرجل هي أقوى بكثير من كل أثر آخر يتأتى من وضعية المرأة الاجتماعية. بدرجة التعلم وقوة الدخل والانتماء الطبقي للأسرة تتكون عناصر العنف الرمزي بأشكال توازي العنف الجسدي اذىً وضررا. بعد الطلاق لم يكفّ أذاه عن زينة، أدخل الطفلين آتون صراع الحب والكراهية في وقت واحد.
كان يعرّض الطفلين يوميا للعذاب، لم يكن ليأبه بالنتائج، كان جُلّ همه قتل زينة بتصرّفاته.
أين تقف كل امرأة من الطلاق؟ زينة لم تندم يوما على طلاقها. تعترف صديقتي على الرغم من المعاناة...
لم يشاركها والد أولادها مسؤوليات التربية والرعاية والتعليم.
إلى جانب زينة ولطيفة، كل واحدة منّا تعاني آثار الطلاق على المستوى العام أو الخاص.
قالت مطيعة الحلاّق في مساهمتها السابقة أنها في مكان ما تختزن شيئا من لطيفة. لمطيعة قدرة على المواجهة، وقد استطاعت بالتحليل المنطقي العقلاني فهم معنى حرمانها من ولدها. فهمتْ أنها تدفع ثمن رفضها لزوجها. ولكن كيف يمكن تمرير عقاب الحرمان هكذا ببساطة لمجرد أن القاضي الشرعي أصدر حكما؟ من أين يستمد قضاة الشرع حق منع والدة من ولدها.. إنه يستمد شرعيته من الدين، لقد مارس زوج مطيعة عنفه عليها عبر مجموعة من القوانين الشرعية، وبالتأكيد عبر مفاهيم ثقافية أيضا. كان مفجعا أن يشوه المجلس النيابي اللبناني قانون حماية النساء من العنف المنزلي. يمكن لأي متتبع التقاط سرّ فشل النضال النسائي، خاصة في مسألة قانون الأحوال الشخصية وفي حماية النساء. ممثلو الشعب اللبناني والمرأة اللبنانية لا يعرفون معنى الدولة المدنية. ليس من نائب يدرك ذلك الاّ ما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة: ويبقى العنف ضد المرأة شأنا خاصا تتحكم فيه قدسية العائلة، من وجهة نظر فقهية بل تأويلية مجتزأة . والحقيقة أنه في كل الأحوال، فان توليفة الدولة المدنية ذات التوجه الإيماني أضحت مقولة سمجة نتمنى التوقف عن استعمالها.
هل كان على مطيعة الرضوخ لأجل ابنها؟ وهل كان على زينة ذلك أيضا؟
ليس المقام لنقل تفاصيل العنف الرمزي وكم عانت زينة منه. كادت علاقتها بولديها تتحول من معنى الى معنى آخر بحيث كانا على عتبة الانحراف. كنت أعتقد ان ابنتي، تقول صديقتي، قادرة على تخطي الصعوبات بما تمتلكه من شروط علمية واجتماعية، ولكن قدرة الرجل مدعومة بقضاة الشرع تدفع فعلا الى خيارات كارثية. يريدونها شهيدة أمومتها، شهيدة حدود نظام القيم الابوية. في كل لحظة توازن زينة بين صحة أولادها النفسية وبين حقها كامرأة حرّة.
أمام النساء مرحلة شاقة قبل الوصول الى حقهن الفعلي في الاختيار. والنظر من الوجهة الأخرى يفرض استعمال أدق المفردات للتعبير. لا أقول أنها مختلفة، فليس في الأمر فسحة لنقاش حق المرأة في طلب الطلاق، لأنها لا تطلبه الا حماية من ذل ومهانة وغلب، ولكن بات على كل امرأة تقدم على الزواج أن تفكر مليا بتلك الشبكة العنكبوتية القاتلة من المفاهيم الثقافية المتحكمة في العلاقة بين المرأة والرجل. ولا أتحدث هنا عن شريحة المعذّبات الفقيرات لوحدهن، فقضيتهن على بؤسها لا تلغي الاعتراف بأن معاناة شريحة المتنورات لا تقل وزنا.
قررت مطيعة الاّ تلجأ الى الحبوب المهدئة، أحببتُ تعبيرها وايمانها بالتحول والتغيير. وزينة تناضل وحيدة، تقف صامدة بوجه الابتزاز، يحاصرها زوجها من جميع الجهات.
لطيفة : أنت ضحية تهز ضمير المجتمع.
مطيعة وزينة: نعم، لا توجد أية قوانين تحميكما أو تمنع عنكما العنف بأشكاله المتعددة.