هكذا يقضي أطفال غزّة عطلتهم المدرسية

سجل الاحصاء الفلسطيني أنّ عدد الأطفال دون سن 18 عاماً في القطاع بلغ 951.654 ألف طفل وطفلة. فأين يقضون وقتهم، وبالاخص في الصيف اثناء الاجازة المدرسية؟
2019-07-24

عبد الله أبو كميل

صحافي من غزة


شارك
من مخيم لحماس في رفح..

منذ اللحظات الاولى لإعلان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) عن إمكانية تسجيل طلاب المدارس في برامج ترفيهية تقيمها، تسجّل مئات الأطفال للاستفادة من هذه الفرصة الثمينة. لكن أطفال قطاع غزّة، لن يذهبوا الى أماكن ترفيهية غير معتادة كالشاليهات والمنتجعات، بل سيعودون الى المدرسة ذاتها التي غادروها قبل بضعة اسابيع، وهي التي كانت ملاذهم الوحيد من جولات القصف الإسرائيلية التي أجبرتهم على النزوح من منازلهم في عدوان عام 2014. ومع ذلك فإنّهم يتناسون تلك الذكريات الاليمة لالتقاط الفرح.

وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين هي الجهة الأكثر رعاية للترفيه عن الاطفال في قطاع غزّة. ففي عام 2011 أنفقت الأونروا قرابة 10 ملايين دولار لصالح المخيمات الصيفية التي تطلقها كل عام في القطاع، والتي تستقبل أكبر عدد من الطلاب، يقدّر بحوالي 260 ألف طالب/ة. لكنها وفي ظل الأزمة الماليّة التي تعاني منها بعد توقف الولايات المتحدة الامريكية عن سداد حصتها من ميزانيتها، فقد قلصت حجم المصروفات على المخيمات الصيفيّة في الأعوام الأخيرة الى الربع، بواقع 2.5 مليون دولار، ليصل عدد الطلاب الى أقل من 160 ألاف طالب منتسب لمخيماتها. وبسبب الأزمة المالية اكتفت بتنظيم بعض الأنشطة الصيفية الترفيهيّة بعيداً عن أسابيع المرح التي اعتادت إطلاقها كل عام. وتعمل تلك المخيمات وفق خطة منظمة يجري خلالها تطبيق البرامج الترفيهيّة والتعليمية التي تساعد الأطفال على تفريغ طاقاتهم وتنميتها. وهناك على الوجه الآخر "حركة المقاومة الإسلاميّة" (حماس) و"الجهاد الإسلامي" و"لجان المقاومة الشعبيّة" التي تُطلق مخيماتها الصيفية الترفيهيّة بنكهة عسكرية، من خلال تدريب بعض الأطفال على حمل السلاح وأداء بعض الوضعيات العسكرية، وهو ما حذر منه بعض المختصين كونه يندرج في إطار تعويد الاطفال على العنف، وكونه هو نفسه عنفاً يمارس عليهم، أقله أنهم يقفون لساعات طويلة تحت اشعة الشمس الحارقة.

مخيمات تأطير للطلاب

مع انتهاء كل عامٍ دراسي تطلق حركة حماس والجهاد الإسلامي مخيماتهما الصيفيّة الموجهة لتلامذة المدارس بكل مراحلها. وقد انطلقت قبل أيام مخيمات "طلائع التحرير" التابعة لحركة حماس. ويفترض بهذه المخيمات أن تكون ترفيهية، خاصة في ظل الحصار الإسرائيلي الذي يعاني منه سكان القطاع منذ منتصف عام 2007. إلا أنّ فقرات برامجها التنفيذية تظهر غلبة البنود السياسية، والعسكرية، والتعبوية، وهو حمل الكثير من أولياء الأمور - الذين لم تسنح لهم فرصة إلحاق أطفالهم في مخيمات الأونروا أو المخيمات المقامة من قبل المؤسسات الخاصة - على العزوف عن دمج أبنائهم في المخيمات التابعة للتنظيمات الفلسطينيّة. تتبع هذه الاخيرة أسلوب التأطير التنظيمي للأطفال، أي أنّ يصبح الطفل مقتنعاً بفكر الجهة المنظمة لتلك المخيمات، وهي بذا تكون مخالفة لمبادئ الإعلان الوطني المشتق من "اتفاقية حقوق الطفل" الداعي لترسيخ مفاهيم "اللاعنف، التسامح، وعدم الاستغلال".

شارك بعض الاطفال في مسيرات العودة وكسر الحصار المقامة على الشريط الأمني الإسرائيلي الذي يسيج قطاع غزّة، واستشهد منهم 306 طفلاً، بالإضافة لقرابة 17850 إصابة..

وفي نيسان/ إبريل من عام 2019، سجل الاحصاء الفلسطيني أنّ عدد الأطفال دون سن 18 عاماً بلغ 951.654 ألف طفل وطفلة في القطاع، فأين يقضون وقتهم؟ شارك بعضهم في مسيرات العودة وكسر الحصار المقامة على الشريط الأمني الإسرائيلي الذي يسيج قطاع غزّة واستشهد منهم 306 طفلاً، بالإضافة لقرابة 17850 إصابة في صفوفهم حسب ما صرحت به لنا وزارة الصحة الفلسطينية.

مهنٌ تعتدي على أعمارهم

أشارت بيانات مسح القوى العاملة لعام 2018 أنّ نسبة 1.3 في المئة من الأطفال في قطاع غزّة يعملون، سواء بأجر أو من دونه. والتقينا بصبي في الرابعة عشر من عمره، كان يتمنى الالتحاق برفاق مدرسته خلال عطلته الصيفيّة، ويحلم بقضاء أوقاته في ممارسة هوايته في الرسم إلى جانب اللعب مع الرفاق. لكنّ "مقعد الدراسة يجمعنا والعطلة تفرقنا"، فعليه أن يصحو صباح كل يوم، ليصطحبه صاحب عمل يستوجب منه الحضور في الساعة السادسة صباحاً، يتنقل خلال يومه بين التخشيب والتجهيز لإعداد الباطون لصب أحجار البناء. في مقابل ذلك اليوم الشاق يتقاضى الولد 15 شيكل، وفي بعض الأحيان 20 شيكل، أي ما يعادل 6 دولارات، كونه عاملاً وليس محترفاً في المهنة. وفي مشهد آخر، يتجول طفل لم يتجاوز العشرة أعوام داخل أروقة الميناء على شاطئ بحر غزّة، طوال يوم كامل لبيع المشروبات، ويبيع الشاي والقهوة منذ الصباح حتى منتصف الليل، وأما صديقه فيصطحب سيارة الكترونيّة يقل عليها بعض الأطفال في نزهة مقابل المال.

يقضون عطلتهم بين النفايات

على بعد أمتار من مكب النفايات الوقع وسط مدينة غزّة، هناك مخيم صيفي مقام للأطفال، يلبسون فيه زياً موحداً خط عليه شعار المؤسسة القائمة عليه. ينتسب إليه الأطفال مقابل رسوم يبلغ متوسطها 10 دولار لكل طفل. ولكنهم محظوظون، فبقربهم كان يعمل ذلك الطفل صاحب الحذاء المهترئ، يعتلي كتفه كيسه البلاستيكي، يجمع فيه من بين النفايات بعض العلب البلاستيكية والمعدنية أو أي شيء يمكنه بيعه. وعلى الرغم من ذلك، كانت ترتسم ابتسامة على شفتيه، فقد استطاع أن يكون معيلاً لأسرته المكونة من 12 فرداً بعدما قُطعت عنهم مخصصات الشؤون الاجتماعيّة: "كل يوم بعطي أمي 15 شيكل" يوضح الطفل، أي ما يعادل قرابة 4 دولارات. وبنظراته المحدقة نحو ذلك المركز المقابل لمكب النفايات، ضحك قائلاً: "تلك الأماكن للأطفال الأغنياء"، وراح يكمل البحث عن ضالته.

تُعدُّ الأماكن المجانية لقضاء الوقت على أصابع اليد الواحدة في قطاع غزّة. ولا بد من دفع رسوم رمزية في بعض منها. "ساحة الجندي المجهول" وسط المدينة تكتظ بالمواطنين المصطحِبين لأطفالهم، لكن "منتزه بلدية غزّة" الذي يفترض أن يكون مجانياً يتقاضى قرابة النصف دولار من كل فرد في كل زيارة.

وقد ارتفعت نسبة الأطفال الفقراء في فلسطين عموماً من 27 في المئة عام 2011 إلى 31 في المئة عام 2017، فبلغ عدد الأطفال الفقراء حوالي 645 ألف طفلأ، نصيب قطاع غزة منهم 53 في المئة، وفق قواعد مسح إنفاق واستهلاك الأسرة، منهم 34 في المئة يعانون من الفقر المدقع.

أماكن ترفيهية للفقراء

تُعد الأماكن المجانيّة لقضاء الوقت فيها على أصابع اليد الواحدة في قطاع غزّة. ولا بد من دفع رسوم رمزية لبعض منها. ساحة الجندي المجهول الواقعة وسط مدينة غزّة تكاد تكون الأشهر من بينهما لشدة الإقبال عليها يومياً، وهي سرعان ما تكتظ بالمواطنين المصطحبين لأطفالهم، لكن منتزه بلدية غزّة الذي يُفترض أن يكون مجانياً لا يَسمح بدخول الأطفال إلا بعد دفع قرابة النصف دولار من كل فردٍ ولكل زيارة. أما شاطئ بحر غزّة، فهو ما زال على الرغم من مياهه الملوثة مزاراً صيفياً للأطفال.

مقالات من فلسطين

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...

الزيتون يا أبي

يتعلّق قلب أبي بأرضه، وهذا ما جعلني الآن أُدرك كيفَ تعلقَ أجدادنا بأرضهم، ويجعلني أُدركُ كيف يتعلق أولئك الذين نزحوا أو هاجروا ببلادهم، ثم يقررون بعد عشرات السنين العودةَ إليها....

للكاتب نفسه