"انتباه! انتباه! حان وقت العمل. ليحضر الجميع فيتبلغوا ويُبلّغوا!"
ولأن أهل الحظوة لدى الديوان الملكي في جدة (أو في الرياض، أو في مكة المكرمة..) حاضرون وجاهزون ومتأهبون، فقد طار ثلاثة من "اصحاب الدولة"، متضامنين متكافلين، وقد تناسوا المناكفات والمخاصمات والتزاحم والحسد. ركبوا الطائرة معاً إلى جدة، مستعينين على الحرارة والرطوبة بمكيفات الهواء، وزهو اختيارهم في طليعة المدعوين إلى هذا اللقاء الملكي الاستثنائي، في هذا الظرف العصيب.
استقبلهم جالساً الملك سلمان المتباهي أنه من أحفاد مسيلمة الكذاب (كما قال مرة في لقاء مع صحافي مستنير)، لأن العمر وهموم السلطة ومناكفة الاخوة، الاشقاء من بينهم أو أبناء أبيه، قد أثقلت كاهله فبات عاجزاً عن الوقوف الا للضرورة القصوى... ولم يكونوا مستعدين، في تلك اللحظة، لاستذكار البروتوكول، لذلك تقدموا منه متهيبين، ولما لمسوا منه قبولاً اقتربوا من جلالته فقبلوه ثلاثاً، وجلسوا في حضرته مبتسمين، فخورين بشرف أن يكونوا بين أوائل من استدعي للتباحث في الشأن الخطير الذي استوجب استنفارهم واستدعاءهم معاً، وعلى عجل.
بسمل خادم الحرمين الشريفين وحوقل، ثم باشر الحديث المختصر: الإسلام في خطر! فالخوارج باتوا من القوة بحيث يمكن القول أن بيت الله الحرام في خطر! هز الرؤساء (السابقون) الثلاثة رؤوسهم موافقين، وفتحوا عيونهم على مداها، وامتحنوا آذانهم في دقتها، والتفتوا إلى الوجه المضيء بوهج الذهب يستزيدونه شرحاً وتفصيلاً... فتنحنح، وهز عصاه بيمينه بينما لوح بيسراه مهدداً: علينا وقفهم! علينا التصدي لهم. علينا ردعهم. فنحن أقوى منهم. نحن حراس الكعبة وبيت الله الحرام.. وقد أفاض الله علينا من نعمه، فجعلنا تبارك وتعالى بين أغنى أهل الأرض..
صمت لحظة وهم إليه شاخصون، يستزيدونه بلهفة المشتاق إلى الدرر.. ثم عاد خادم الحرمين إلى الحديث فقال وهو يشير بعصاه إلى خريطة على الجدار: لقد هزمنا "الفرس"مع بداية الدعوة بقوة الاسلام وجعلنا كسرى يفر هارباً من سيوفنا... لكنهم عادوا، ودخلوا بلادنا وهم أقوى منا.
صمت لحظة، ثم أضاف نببرة صاحب الامر: لكننا الآن اقوى. فنحن أغزر منهم نفطاً، وأصدقاؤنا هم الأقوى في الكون، وحلفاؤنا أكثر من حلفائهم، وجماعتنا أكبر وأغنى وأعظم علماً من جماعتهم ومن والاهم من الخارجين على دين الله..
كان الرؤساء الثلاثة يهزون رؤوسهم مؤمنين على ما يقول، فلما انتهى من كلامه هتفوا بصوت واحد: صدقت يا حامي الحرمين!
أضاف افصحهم بلهجة مؤثرة: قلوبنا معكم وسيوفنا عليهم، يا صاحب الجلالة. قل ما بدا لك ونحن، انشاء الله، معك إلى يوم الدين..
عاد خادم الحرمين إلى الكلام فقال بنبرة فخر: لن نكون وحدنا... بل ستكون معنا مصر والمغرب وموريتانيا، ودول الخليج ما عدا قطر، لعنها الله في كل كتاب. ولقد تحاشينا العراق، حتى لا تكون فتنة، أما سوريا الحبيبة فنعمل على استعادتها وإعادتها إلى ذاتها والى موقعها في التاريخ كعاصمة بني أمية في أول امبراطورية للإسلام إمتدت حتى الصين، وابتنت أجمل المدن في الاندلس وأعادت إلى القدس موقعها كأولى القبلتين وثاني الحرمين..
أنهك الحديث صاحب الجلالة، فجيء له بكوب ماء، فشرب والعيون جميعاً شاخصة اليه، ثم استطرد قائلاً: لقد اعطانا الله فوق ما كنا نطلب، فله الحمد والشكر. أن هذه الارض المباركة تتفجر بالخير. والمال يصنع القوة ومن هنا تجدون أن موسكو تتقرب منا وتبدي أستعدادها لأن تزودنا بما امتنعت واشنطن عن تزويدنا به من السلاح الصاروخي الفعال، كما فعلت مع تركيا...
أنهى خادم الحرمين حديثه وقد تعب، فاستأذن بأن يدخل ليرتاح بعدما ودع الرؤساء السابقين الثلاثة بالقبلات والدعاء، وبادلوه بأكثر منها..
ها نحن نعود إلى عصر الأحلاف. لا ضرورة لأن تكون الولايات المتحدة حاضرة، فهي في كل مكان.. ورئيسها يغرد مع الفجر قبل صياح الديك.. وصهره اليهودي – الصهيوني جاريد كوشنر يجوب المنطقة العربية انطلاقاً من تل ابيب وإنتهاء بها.. وقبل ايام كان في البحرين يبشر بـ"صفقة القرن"، وهي الصفقة التي من شأنها أن تجعل من الكيان الصهيوني "مرجعية" المنطقة بعربها وكردها وسريانها وأزيدييها، يحميها من عدوها الفارسي الذي يتعاظم بأكثر مما كان في أيام الشاه، خصوصاً مع مباهاة "حزب الله" في لبنان بأنه قد هزم اسرائيل، مرة، بإجلاء قواتها عن لبنان مرغمة في 25 ايار/مايو 2000، ثم هزم حربها على لبنان مرة ثانية، في تموز/يوليو – آب/اغسطس 2006.
واذا كان اثنان من اصحاب الدولة لا يتذكران فإن الثالث بينهما، فؤاد السنيورة، يذكر حتماً كيف تمّ التواطؤ مع الاميركيين ومن معهم لإصدار القرار الاممي الرقم 1701، والذي يمنع على المجاهدين التواجد بسلاحهم في الجنوب - أي في مواجهة اسرائيل - وهم قد مروا عليه بسياراتهم ومدافعهم ليتحصنوا مرة أخرى في مدنهم وبلداتهم وبين أهلهم في الجنوب، ليحموا لبنان من أي اعتداء اسرائيلي جديد.
بالعودة، يا اصحاب الدولة.
مع التمني أن تستعيدوا عقولكم وضمائركم ومكانتكم ووعيكم بالمسؤولية بعد العودة إلى موطنكم، فلا تكون فتنة..
قاتل الله الفتنة ومن يسعى إليها و يعمل لها أو لا يتصدى لمنعها. حمى الله لبنان والعرب أجمعين من مشروع الفتنة الجديدة.