المغرب في مملكة الريع

يزخر المغرب بالموارد الطبيعية: معادن ثمينة ومخزون هائل من الفوسفات علاوة على الصيد في أعالي البحار وكذلك الفلاحة. لكن استغلال هذه الموارد والتصرف بها يشبه إدارة ريع حقيقي لا تنتفع منه إلا أقلية صغيرة من النافذين.
2019-07-11

عمر بروكسي

صحافي مستقل وأستاذ جامعي، من المغرب


شارك
| fr en
دلير شاكر - العراق

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

صحيح أن المغرب لا يمتلك بترولاً أو غازاً طبيعياً، لكن لديه 3500 كيلومتر من السواحل الغنية بالأسماك، بالإضافة إلى ثروات طبيعية هامة من رواسب الفوسفات الضخمة، وصولاً إلى مواطن استخراج واستغلال المعادن الثمينة، ومروراً بالصيد في أعالي البحار ومقالع الرمل التي لا تحصى. تزخر المملكة بثروات طبيعية ينطوي استغلالها على رهانات اقتصادية بالطبع، ولكن أيضاً سياسية.
بقيت إدارة واستغلال هذه الثروات، منذ استقلال البلاد في 1956 موضع نقاشات وتساؤلات وجدالات متكررة، في ظل غياب إطار قانوني يستند إلى نصوص عقلانية تحظى بالتوافق. لكن ماهي طبيعة هذه الثروات، وما هو وزنها الاقتصادي؟ كيف يتم استغلالها؟ من هم الفاعلون المستفيدون منها فعلياً؟ وما هو الإطار القانوني الذي يحدد مسار توزيع وإدارة هذه الموارد؟

الإرث الاستعماري

خلافاً للجزائر التي كانت تعد مقاطعة فرنسية طيلة أكثر من 130 سنة، فإن المغرب كان يعتبر "محمية"(1) لم تشهد بناها السياسية والدينية تحويرات جوهرية من قبل القوة الاستعمارية القديمة. فلقد تم الحفاظ على مؤسسة السلطنة والبنى القبلية الرئيسية. لكن من ناحية أخرى، لم تتردد فرنسا في استكشاف كل البلاد بحثاً عن موارد طبيعية يمكن استغلالها بشكل مكثف. وكانت هناك ثلاثة مجالات تمثل الهدف المحتمل لهذا المسار الذي كان يتطلب البدء بوضع البنية التحتية اللازمة من أجل التمكن من الاستغلال العملي والفعال للثروات الطبيعية: طرق، موانئ، سكك حديد، الخ... وقد ميّز الجنرال "هوبير ليوطي"، المهندس الرئيسي للتغلغل الفرنسي، بين مغرب "نافع" وآخر "غير نافع"، وتحرك على ذلك الأساس، فشكّل الفوسفات والإنتاج الفلاحي والمعادن الثمينة الموارد الطبيعية التي يمثِّل استغلالها أولوية.

في سنة 1921، أي بعد تسع سنوات فقط من قيام نظام الحماية في المغرب، بدأت السلطات الفرنسية في استخراج ومعالجة الفوسفات، بعد تهيئة أول منجم بالقرب من مدينة خريبكة (وسط البلاد) حيث توجد أكبر الترسبات الفوسفاتية في العالم. ومن أجل "إدارة" هذا القطاع الذي شهد بسرعة توسعاً مذهلاً، تمّ إنشاء "المكتب الشريف للفوسفاط" في السنة نفسها.

ميّز الجنرال "هوبير ليوطي"، المهندس الرئيسي للتغلغل الفرنسي، بين مغرب "نافع" وآخر "غير نافع"، وتحرك على ذلك الأساس. فشكّل الفوسفات والإنتاج الفلاحي والمعادن الثمينة الموارد الطبيعية التي يمثِّل استغلالها أولوية.

شكّل الميدان الفلاحي واستغلال الأراضي الخصبة رهاناً اقتصادياً محورياً بالنسبة لسلطات "الحماية الفرنسية". وكما حصل في الجزائر، وُضعت أفضل الأراضي وأكثرها خصوبة بيد المستوطنين الفرنسيين.

المعادن الثمينة هي "الثروة الطبيعية" الأخرى للمغرب، وقد بدأت السلطات الاستعمارية في استغلالها بشكل مبكر جداً بعد أن اكتشفت سنة 1928 احتياطياً هاماً من الكوبالت في منطقة "بوعازر" (جبال الأطلس الكبير). بعدها بسنتين، أي في 1930، تم إنشاء شركة "مناجم" التي تطورت هي أيضاً بشكل سريع جداً. هذه المؤسسة التي تسيطر عليها حاليا العائلة الملكية تشغِّل أكثر من 5000 شخص، وتدير 12 موقعاً منجمياَ في المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء.

وأخيراً، شكل الميدان الفلاحي واستغلال الأراضي الخصبة رهاناً اقتصادياً محورياً بالنسبة لسلطات "الحماية الفرنسية" وذلك حتى يتمكن جزء من الفرنسيين من الاستقرار في المغرب. وكما حصل في الجزائر، وُضعت أفضل الأراضي وأكثرها خصوبة بيد المستوطنين الفرنسيين. فخلال الفترة الممتدة من 1912 إلى 1923 تمّ توطين قرابة 55 ألف مهاجر فرنسي في المغرب، استقر 8000 منهم في الوسط الريفي حسب إحصائيات السلطات الاستعمارية.

ساهم استغلال الأراضي الفلاحية من قبل المستوطنين الفرنسيين - بدعم مادي وسياسي من السلطات الفرنسية - في ظهور ضيعات عصرية أصبحت مع نهاية الاحتلال من بين وحدات الإنتاج الفلاحي الكبيرة الأكثر حداثة والأحسن تجهيزاً.

فاعل مركزي: المؤسسة الملكية

غداة رحيل السلطات الاستعمارية في 1956 كانت هذه المجالات الثلاثة (أي الفلاحة والمعادن الثمينة والفوسفات) من ضمن هياكل استغلال الموارد الطبيعية الأكثر بروزاً، ولكنها أيضاً الأكثر إثارة لشهوة النخب السياسية الجديدة للمغرب المستقل حديثاً.

سرعان ما فرض النظام الملكي المغربي، والأعيان المقربون منه أنفسهم كفاعلين محددين في إدارة واستغلال هذه الثروات. وحدث ذلك إما عبر منح أنفسهم سلطة التعيين في المؤسسات العمومية المكلفة بالتصرف في هذه الموارد، أو عبر التحكم فيها مباشرة عن طريق عمليات الخصخصة. وشركة "مناجم" هي المثال الأكثر تجسيداً لهذه السياسة.

فانطلاقاً من عقد التسعينات الفائت، ومن خلال عملية خصخصة واسعة للمؤسسات العمومية قادها الملك الحسن الثاني (1929-1999)، استطاعت المؤسسة الملكية المغربية تملّك شركة "مناجم". وألحقت هذه الأخيرة بمجموعة "أونا" (أومنيوم شمال أفريقيا) ثم بالمؤسسة الوطنية للاستثمار التي أصبح اسمها اليوم "المدى" وهي المجموعة المالية الرئيسية الذي تتحكم فيها العائلة الملكية.

وتحولت "مناجم" خلال بضع سنوات إلى عملاق يقع مقره الدولي في مدينة "زوغ" السويسرية، العاصمة العالمية لتجارة المواد الأولية، حيث تطبق سياسة جبائية ملائمة جداً للمؤسسات الكبرى. تبلغ قيمة أرقام معاملات الشركة اليوم 500 مليون يورو حسب الأرقام المنشورة في 2018، وهي تدير عشرة مجمعات منجمية غنية جداً بالذهب والفضة خاصة في المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء. (انظر الكتيب التعريفي لشركة "مناجم" وخرائط المواقع المنجمية في المغرب والخارج).

تحولت "مناجم" من مؤسسة عمومية إلى شركة خاصة يسيطر عليها محمد السادس، ملك يحكم بحق إلهي، ويمتلك صلاحيات سياسية وإدارية مطلقة. ومن بين هذه الصلاحيات تعيين كبار الموظفين، كما ينص على ذلك الدستور، مما يسهل لشركاته الظفر بالصفقات العمومية، والحصول على رخص استغلال واستخراج المعادن الثمينة في قطاع المناجم. نتيجة لهذا الأمر فإن "مناجم" تتمتع باحتكار شبه كامل لا يترك للمؤسسات الأخرى مجالاً للمنافسة، سواء كانت مغربية أو أجنبية.

قاد الملك الحسن الثاني عملية خصخصة واسعة للمؤسسات العمومية بدءاً من عقد التسعينات الفائت، فتملكت المؤسسة الملكية المغربية شركة "مناجم". وهذه ألحقت بداية بمجموعة "أونا" ("أومنيوم" شمال أفريقيا) ثم بالمؤسسة الوطنية للاستثمار التي أصبح اسمها اليوم "المدى"، وهي المجموعة المالية الرئيسية التي تتحكم بها العائلة الملكية.

لكن في الوقت الذي تستغل فيه المجموعة الملكية هذه الموارد، متمتعة بتسهيلات هائلة، فإن المناطق التي تتواجد فيها المركبات المنجمية تعيش كما لو أنها في العصر الحجري. ففي جبال الأطلس الكبير مثلاً لا يوجد أي نوع من البنى التحتية في قرية "اميضر"، الواقعة على بعد كيلومترين من أكبر منجم فضة في البلاد (ينتج 240 طن سنوياً) والذي تستغله شركة "مناجم". ليس هناك مستشفى ولا مدرسة، حتى الطريق المعبّد الوحيد يعود إلى الحقبة الاستعمارية. ويخوض متساكنو "اميضر" منذ سنة 2011 أطول اعتصام في تاريخ المغرب للاحتجاج على ظروفهم، وعلى التبعات البيئية المدمرة لمنطقتهم والناجمة عن استغلال واستخراج الخامات.

الفوسفات، سوء إدارة وكوارث بيئية

الفوسفات هو ثروة باطنية أخرى تثير طريقة استغلالها وإدارتها مجادلات متكررة. ويشرف "المكتب الشريف للفوسفاط" الذي أصبح مؤسسة عمومية منذ 1975، على كامل مسار استخراج واستغلال الفوسفات الذي يُعتبر "بترول المغرب". وهو (مع الصين) أكبر منتج للفوسفات في العالم، إذ يمتلك 75 في المئة من الاحتياطي العالمي حسب الأرقام الرسمية. احتياطي ضخم جداً إلى درجة أن استغلاله بشكل كلي يتطلب سبعة قرون كما يؤكد المسؤولون في "المكتب الشريف للفوسفاط".

قُدرت صادرات المغرب من الفوسفات ومشتقاته، وهي المصدر الأول للمداخيل من العملة الصعبة، بحوالي 5.1 مليار يورو في 2018. لكن الطريقة التي يدار بها "المكتب الشريف للفوسفاط" وكيفية تعيين مسيريه كثيراً ما تكون محل انتقادات. فحتى وإن كان رئيس الحكومة هو من يترأس مجلس الإدارة، فإن المدير العام الذي يعينه الملك هو من يدير المجموعة، ولا يمكن مساءلته إلا من قبل قائد الدولة. ولا توجد أي آلية قانونية تسمح مثلاً للبرلمان المغربي بمراقبة سير عمل "المكتب الشريف للفوسفاط". في 2007 قدم المكتب الاستشاري الأمريكي الشهير "كرول" معاينة مقلقة للغاية حول "الإدارة الكارثية" للمجموعة، ووصفها بأنها "قيادة ليس لها استراتيجية صناعية وتجارية حقيقية".

علاوة على ذلك، أصبح "المكتب الشريف للفوسفاط" بمثابة "البقرة الحلوب" وكثيراً ما تستغل من قبل المؤسسة الملكية لتحسين صورتها لدى الهيئات الأجنبية، الفرنسية منها بشكل أخص. فمثلاً يمنح "المكتب" سنوياً أكثر من 700 ألف يورو لـ"المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية" (IFRI) وهو خلية تفكير/"ثينك تانك" مقرها باريس، لإصدار "دراسات" محابية للمملكة وقادتها. وهذا ليس كل شيء، فحضور "المكتب" داخل المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية لا يقتصر على تنظيم لقاءات دولية أو تمويل برامج أكاديمية، إذ نجد أن مصطفى التراب الرئيس /المدير العام الحالي للمكتب الشريف هو أيضاً عضو في مجلس إدارة "المعهد"...

قُدرت صادرات المغرب من الفوسفات ومشتقاته، وهي المصدر الأول للمداخيل من العملة الصعبة، بحوالي 5.1 مليار يورو في 2018. ولكن لا توجد أي آلية قانونية تسمح للبرلمان المغربي مثلاً بمراقبة سير عمل "المكتب الشريف للفوسفاط".

كما لا يحترم "المكتب"، الذي يتصرف بدون أي رقابة مستقلة، المواصفات الدولية في مجال احترام البيئة ومكافحة التلوث. وينتج عن هذا انتهاكات دائمة تلحق بصحة العمال والسكان المجاورين للمناجم. وفي تقرير نشرته المنظمة السويسرية غير الحكومية "سويس ايد" في حزيران/ يونيو 2019 نجد أن "مصنعي الأسمدة التابعين للمكتب الشريف للفوسفاط (آسفي والجرف الأصفر) والواقعين على السواحل الأطلسية للمغرب تنبعث منهما كميات كبيرة من الغازات السامة التي تلوث الهواء، وتنتهك حق العمال والسكان المجاورين في الصحة. كما يعاني الكثير من العمال أمراضاً تنفسية وأوراماً سرطانية نتيجة تعرضهم المطول للعناصر الملوِّثة والجزيئات الدقيقة. وتم تسجيل عدة حالات وفاة لدى العمال بسبب هذه الأمراض. كما أن التلوث الذي يتسبب به "المكتب الشريف للفوسفاط" يضر أيضاً بالسكان المجاورين (أمراض تنفسية وتدهور حالة الأسنان بسبب الفلور) وبالفلاحة وتربية الماشية في القرى المحاذية لمواقع عمل "المكتب الشريف للفوسفاط"

البحر والصحراء والأرض

مع وجود ساحل يمتد على أكثر من 3500 كيلومتر، ويعد من أغنى السواحل في العالم من حيث حجم الثروة السمكية، فإن أنشطة الصيد في أعالي البحار واستغلال مقالع الرمل تمثّل رهاناً اقتصادياً مهماً يأخذ شكل ريع حقيقي ينتفع منه المتنفذون في البلاد. وحتى تضمن ولاءهم، أعطت المؤسسة الملكية المغربية لضباط من ذوي الرتب العسكرية العالية ولأعيان مقربين من القصر "اعتمادات" وهي بمثابة "تراخيص" استغلال لا تخضع لمعايير قانونية موضوعية وتمكّنهم من التمتع بالثروات البحرية. تدر هذه التراخيص أموالاً طائلة بشكلٍ يجعلها تشبه فعلياً "دجاجة تبيض ذهباً".

عشية وصوله إلى الحكومة في كانون الثاني/ يناير 2012، و في أعقاب الربيع العربي 2011 - 2012، وعد حزب العدالة والتنمية الإسلامي بنشر قائمة تضم أسماء كل المنتفعين من هذه الاعتمادات، وذلك حرصاً منه على "الشفافية". لكن هذا لم يحدث، فلقد تمّ فعلاً نشر قائمة لكنها لم تتضمن اسم أي شخص. في الواقع اقتصر الأمر على أسماء بعض الشركات (التي لا يمكن التعرف على أسماء الأشخاص الذين يقفون خلفها) بثت هنا وهناك، لكن دون أن يكون لذلك أي تأثير.

يمتد الساحل على أكثر من 3500 كيلومتر وهو من أغنى السواحل في العالم بالثروة السمكية. وتمثّل أنشطة الصيد في أعالي البحار، واستغلال مقالع الرمل ريعاً حقيقياً ينتفع منه المتنفذون في البلاد. فقد منحت المؤسسة الملكية المغربية ضباطاً كباراً وأعياناً مقربين من القصر "تراخيص" استغلال بلا معايير قانونية، وذلك ضماناً لولائهم.

في تحقيق نشره الموقع المستقل lakome.com، أورد الصحافي عمر راضي في 2012 أسماء بعض المنتفعين من مثل هذه الاعتمادات، وأغلبهم عسكريون وسياسيون وأعيان أصيلي منطقة الصحراء الغربية (التي يديرها المغرب منذ 1975 في حين تطالب جبهة البوليساريو باستقلالها). وعلى الرغم من كل شيء، كشف هذا التحقيق بعض الأسماء المشهورة: الجنرال عبد العزيز بناني الذي ورد اسمه في وثائق "ويكيليكس" حول الفساد داخل الجيش، والجنرالان حسني بنسليمان أحد أكثر الرجال نفوذاً في المملكة، وعبد الحق القادري المفتش العام السابق للقوات المسلحة، واللذان انتفعا بترخيص صيد في أعالي البحار في إطار شركة أطلقا عليها اسم "كابن باش". لكن كل هذه المعلومات وباتفاق الملاحظين ليست إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد.

إلى جانب العسكريين ذوي الرتب العليا، يتمتع الأعيان الصحراويون هم أيضاً بتراخيص مهمة لاستغلال مقالع الرمل والصيد في أعالي البحر. ومن بينهم قادة سابقون في البوليساريو (الحركة الصحراوية الاستقلالية) كانوا قد التحقوا بالمغرب مثل "حسن الدرهم" والسيدة "كجمولة بنت أبي" و"هيباتو ماء العينين" وكذلك عائلة "ولد الرشيد".

الملك الفلاح

وأخيراً نجد الفلاحة، وهي مصدر آخر للريع يستغل بأقصى شكل ممكن من قبل المؤسسة الملكية وكبار ملاك الأراضي. الملك محمد السادس، إذا كان التذكير ضروريا، هو أكبر مالك للأراضي حتى وإن كان من الصعب أن تقدر بدقة المساحات التي يملكها: "يرجح أنه يمتلك عدّة آلاف من الهكتارات فقط"، كما يشير إلى ذلك الباحث الاقتصادي نجيب أقصبي. مع ذلك، وحتى وإن لم يكن يمتلك أكثر من 12 ألف هكتار كما كتب بعض الصحافيين، فإنه يظل أكبر الملاك. فنحن لا نعرف مالكاً آخر له هذا المقدار من الهكتارات. لم تبلغ مساحة أراضي "زنيبر"، وهو أحد أكبر الملاكين هذا الحد، وكذلك أراضي مجموعتي "قباج" (أكادير، جنوب غرب البلاد) و"نويجي" (منطقة الغرب) التي لم تبلغ مساحتها 10 آلاف هكتار"(2).

الفلاحة هي مصدر آخر للريع يُستغل بأقصى شكل ممكن من قبل المؤسسة الملكية وكبار ملاك الأراضي، والملك محمد السادس هو أكبر مالك للأراضي في البلاد.

الهيكل الذي يدير أغلب النشاط الفلاحي للملك له اسم: شركة "الضيعات الفلاحية" ذات الإنتاج المتنوع جداً، ومنه الأجبان والفواكه الاستوائية والخضروات وسلمون الأطلس المرقط والعسل وزيت الزيتون البكر العال والنباتات العطرية وكذلك مشتقات الألبان. جزء كبير من هذه المنتجات معدٌ للتصدير نحو أوروبا بشكل أخص (وهي السوق الأكثر أهمية) وتليها بلدان الخليج وخاصة السعودية.

ريع ضريبي

في 1984 أصدر الملك الحسن الثاني مرسوماً يقضي بإعفاء عائدات الفلاحة من الضرائب كلياً وذلك إلى حدود سنة 2010. بعبارة أخرى تم إعفاء الفلاحين ومن ضمنهم كبار ملاكي الأرض من الجباية. وفي 2008، أي قبل سنتين من نهاية العمل بهذا المرسوم، قرر الملك محمد السادس بدوره خلال خطاب وجهه إلى الأمة تمديد العمل بهذا الإجراء - الذي يعتبره أغلب الخبراء الاقتصاديين ظالماً - إلى حدود سنة 2014. "التقديرات الدورية التي نقوم بها هنا في المعهد الزراعي تخلص إلى الرقم نفسه تقريباً: تخسر الدولة سنوياً 1.92 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما يقابل اليوم قرابة 15 مليار درهم (1.4 مليار يورو) من الكسب الفائت الذي تُحرم منه الخزينة سنوياً. يضيف السيد أقصبي: هل من المعقول اليوم أن أجيراً راتبه 3000 درهم (270 يورو) يقوم بدفع ضرائبه، في حين أن مستغلاً لأرضٍ فلاحية يربح الملايين لا يدفع شيئاً للدولة؟"

وإلى حد كتابة هذه الأسطر لم يتم إلغاء هذا "الريع الضريبي" بعد..

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

ترجمه عن الفرنسية: محمد رامي عبد المولى

______________
1- ملاحظة المترجم: نسبة إلى نظام "الحماية" protectoratوهو أحد أشكال الاستعمار الفرنسي الذي يقوم على الإبقاء على الأنظمة الحاكمة وأغلب المؤسسات المحلية مع تعيين "مقيم عام" فرنسي يكون هو الحاكم الفعلي للبلاد، وإحداث مؤسسات وهياكل استعمارية موازية. وهذا النظام كان معمولاً به في كلٍ من المغرب وتونس.
2- حوار لكاتب المقال مع نجيب أقصبي

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...