«على مدى الخمس سنوات السابقة، عملنا على الترويج للتمويل الأصغر في الأردن. واليوم، أفخر بأن أقول أن لدينا في الأردن العديد من مؤسسات التمويل الأصغر ذات المستوى العالمي، تمكّن آلاف البشر من تحسين حياتهم بأيديهم». هكذا تحدثت الملكة رانيا والعضوة في مجلس إدارة منظمة فينكا العالمية للتنمية، عام 2005 في المؤتمر العالمي لشركات التمويل في واشنطن.
بعد 14 سنة على هذا الخطاب، رسّخت مؤسسات التمويل الأصغر أقدامها في الأردن، وأصبح من الممكن والمهم دراسة التحولات التي قادتها في المجتمعات التي عملت فيها، خاصة الفقيرة منها كونها الهدف الأول لهذه المؤسسات.
مجتمع غور الصافي هو مثال نموذجي على المجتمعات التي استهدفتها مؤسسات التمويل الأصغر بالتمكين. وفي هذا المجتمع الصغير، باتت كثير من النساء اللواتي تلقين قروضًا صغيرة واقعات في شبكة معقدة من الالتزامات المالية التي عمّقت فقرهن، وجعلت مهمة الخروج منه أصعب مما قبل عليهن وعلى عائلاتهن. جزء من هؤلاء النساء بتن يوصفن بالغارمات بعد تعثرهن في سداد تلك القروض.
«والله مرات بالليل ما بنام وأنا بفكّر، لو مسكوا بنت منهن، من وين بدي أجيب 1000 ليرة؟ هاي معاناة، الله لا يسامحه اللي طلعهن القروض». هكذا تصف نعيمة حالها بعد عدة قروض صغيرة أخذتها بكفالة قريباتها، باتت هي وإياهن على إثرها «غارمات».
ارتبط اسم الغارمات بمؤسسات الإقراض الأصغر، وازداد الحديث عن قضيتهن مع إطلاق حملة ملكيّة في شهر آذار الماضي دعت لسداد ديونهن وفق شروط محدّدة، تضمّنت ألا تكون الغارمة مطلوبة للتنفيذ القضائي على ذمم مالية تزيد على ألف دينار، وأن توفر إثباتًا يُفيد بأن ملكية الأسرة وقدرتها المالية لا تمكنها من سداد الدين، وأن تكون استفادتها من الحملة لمرّة واحدة. كما اشترط مجلس الوزراء ألا يزيد دخل أسرة المستفيدة من الحملة عن 600 دينار شهريًّا. ووصل عدد المستفيدات إلى 5,974 غارمة، وبلغ إجمالي التبرّعات حواليّ ثلاثة ملايين دينار.
"في هذا المجتمع الصغير، باتت كثير من النساء اللواتي تلقين قروضاُ صغيرة واقعات في شبكة معقدة من الالتزامات المالية التي عمّقت فقرهن، وجعلت مهمة الخروج منه أصعب مما قبل عليهن وعلى عائلاتهن. جزء من هؤلاء النساء بتن يوصفن بالغارمات بعد تعثرهن في سداد تلك القروض".
إلا أن النقاش العام في قضية الغارمات انحصر في تعثر المقترضات وعدم قدرتهن على السداد، مع أن نسب التعثر، بحسب القائمين على المؤسسات نفسها، تبدو طبيعية بمعايير المؤسسات المالية المُقرضة. وأخذت معظم ردود الفعل الرسمية والشعبية أشكالًا تضامنية، صوّرت المقترضات وكأنهنّ المستفيد الوحيد من هذا التضامن، لا المؤسسات المقرضة أيضًا. وتم التعامل مع نتائج الأزمة دون تفسير أسبابها، وكيف تحولت هؤلاء النساء إلى مقترضات، ودون التطرق إلى مؤسسات التمويل نفسها وفلسفتها الرامية إلى «محاربة الفقر وتمكين المرأة»، ودون فهم معنى أن تكون مقترضًا وانعكاس ذلك على حياة المقترضين.
لذا، واستنادًا إلى بحث موسع ومقابلات ميدانية، يتناول هذا المقال تاريخ مؤسسات التمويل الأصغر في الأردن والسياق الذي ظهرت فيه، محاولًا مساءلة المقولات التي تبنتها هذه المؤسسات، من خلال معاينة عملها وأثر قروضها على مجتمع الغور ونسائه باعتباره جيبًا للفقر، ومحطّ اهتمام العديد من مؤسسات التمويل الأصغر.
التحقيق الكامل على موقع "حبر"