الأردن: مـمــــلكة المكارم فــــي زمن الحــقوق

اكتب «مكرمة ملكيّة» على محرك البحث غوغل، حدد نطاق البحث بـ «الاردن» وانتظر النتائج. تدرك حين ظهورها أن لا شيء يحدث في هذا البلد من دون مكرمة: التعليم، الصحة، التوظيف، التنمية وحتى الإفراج عن معتقل على خلفية التعبير عن الرأي، كلها حقوق يتحصل عليها الشعب بمكرمة ملكيّة. يحصل الجيش على النصيب الأكبر من المكارم التي يوزعها النظام، حيث تزايدت حصته مع مرور الوقت، وتنوعت لتشمل
2013-01-09

محمد الفضيلات

صحافي من الاردن


شارك

اكتب «مكرمة ملكيّة» على محرك البحث غوغل، حدد نطاق البحث بـ «الاردن» وانتظر النتائج. تدرك حين ظهورها أن لا شيء يحدث في هذا البلد من دون مكرمة: التعليم، الصحة، التوظيف، التنمية وحتى الإفراج عن معتقل على خلفية التعبير عن الرأي، كلها حقوق يتحصل عليها الشعب بمكرمة ملكيّة. يحصل الجيش على النصيب الأكبر من المكارم التي يوزعها النظام، حيث تزايدت حصته مع مرور الوقت، وتنوعت لتشمل التعليم المجاني لأبناء منتسبيه، وإنشاء المستشفيات والمدارس العسكرية، والتجمعات السكنية، والمنح المالية، وغيرها. وكلها ميزات تسبقها عبارة «مكرمة».
وهذا ممتد تاريخياً. ابحث عن النتائج الأحدث، تطالعك انتفاضة على طبيعة العلاقة التي صاغها النظام منذ نشأته مع مواطنيه، علاقة قائمة على تلبية المطالب بالمكارم.
يُظهر البحث شعارات حديثة العهد، ظهرت خلال عامي الاحتجاج المطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد، وضربت عميقا في جذور العلاقة التي باتت مرفوضة شعبياَ. يطالعك هتاف «حرية مش مكارم ملكيّة» و«حقوق لا مكارم».
غير أن أخطر ما يطالعك هو أهزوجة قادمة من المحافظات التي اعتبرت طويلاً المستفيد الأكبر من المكارم الملكيّة، أهزوجة رددها سكان تلك المحافظات على باب القصور الملكية في العاصمة عمّان في لحظة احتجاجية صاخبة، تقول في أحد مقاطعها «ما نقف ع بابك.. نشحد مكارم.. ما نقف ع قصرك.. نشحد مكارم، رزقنا بيد الله..لا، ما هو بيدك، إحنا عبيد الله.. ما احنا عبيدك»، قاصدين فيها الملك عبد الله الثاني، وهي الاهزوجة التي اشتهرت بعنوان «علي بابا والأربعين حرامي».

حدث سابقاً
لم تكن المكارم أمراً مرفوضاَ بالمطلق قبل الاحتجاجات التي انطلقت مطلع العام 2011. قبل ذلك التاريخ، ومنذ تأسيس إمارة شرقي الأردن في العام 1921 التي تحولت إلى مملكة بعد الاستقلال في العام 1946، كانت المكارم محل تنافس بين التكتلات العشائرية والتحالفات المناطقية المختلفة، في مسعى منها إلى تعظيم مكاسبها والظهور بمظهر الأقرب إلى النظام والأكثر حظوة لديه حين يلبي بمكرمة ما طلبت منه.
العلاقة القائمة على تلبية المطالب بالمكارم، وجدت مبررها بادئ الأمر. فالعائلة القادمة من الجزيرة العربية حديثاً للجلوس على عرش بلد تجهله، لم تكن تمتلك آنذاك جذوراً ضاربة في الجغرافيا والبنية الاجتماعية، فوجدت في تلك العلاقة وسيلة لتعزيز وجودها في الذاكرة الجمعية للمجتمع العشائري الطامح إلى المدنية، والبلد الطامحة إلى التنمية المفقودة حينها.
فكان أن دشن الملك عبد الله الأول، أولى خطط التنمية التي انتهت بتوطن البدو حين أنعم عليهم ببناء المدارس والمركز الصحية في مناطق تواجدهم، وأسس من أبنائهم نواة الجيش العربي، وتحولت علاقة تلبية المطالب بالمكارم نتيجة له من هدف مرحلي إلى استراتيجي، يُتلمس أثره للآن.

ما أسهل الوعود
في الزمن الأول، كان البدو وأبناء العشائر يقطعون المسافة الطويلة من أماكن سكناهم إلى العاصمة عمّان ليقفوا على باب القصر الملكي الذي أقيم على احد جبال العاصمة السبعة، منتظرين أن يخرج عليهم الملك أو يأذن بدخولهم ليعرضوا عليه مطالبهم. مطالب لا تتجاوز في بعض الأحيان توظيف أحد أبنائهم في الدولة أو إلحاق عدد منهم في صفوف الجيش. والملك لا يتأخر بأن يكرم عليهم بتلبية المطالب.
يوماً بعد يوم، تطورت المطالب بتطور الحاجات، فطلبوا من الملوك المتعاقبين على حكم البلاد إنشاء المزيد من المدارس والمراكز الصحية، وصولا إلى طلب إنشاء الجامعات والمستشفيات والمصانع والمشاريع والبنية التحتية وتوفير المزيد من فرص العمل، مطالب تقابل بمكرمة الموافقة متبوعة بوعد التنفيذ الذي ينتظر في بعض الأحيان سنوات ليتحقق. هُنا أختلت الموازين.

لماذا الآن
اكتشف الأردنيون، لا سيما سكان المحافظات، أن تسعين عاماً من التنمية بالمكارم لم تؤتِ أكلها، وأنها نقلتهم من بؤس إلى آخر، وأن ما أنجز خلالها لم يتعد ربطهم بنظام الحكم بشكل قسري. فهم المنتظرون دائما ما يجود به «صندوق الهدايا الملكية» عندما يزور مناطقهم.
ليس مستغرباً أن الاحتجاجات التي نفذها سكان المحافظات خلال العامين الماضيين كانت أكثر عنفاَ وجرأة من تلك التي نفذها سكان العاصمة عمّان، تدفعـهم لذلك قناعتهم بأنهم سكان مناطق ضاربة في التاريخ، لكنها محرومة من التنمية مقارنة بالعاصمة المستحدثة المكتفية تنموياً. وقولهم ان عمّان ليست الأردن يكفي لتأكيده قطع مسـافة بسـيطة بعيداً عن العاصمة في أي من الاتجاهات الأربعة، لتبدو الهوة التنموية واضحة للعيان.
وما يجعل الاردنيين أكثر إصرارا على إعادة صياغة العلاقة، بحيث تستبدل كلمة المكارم بالحقوق، هو وقوعهم في حدود جيوب الفقر التي أعلنت عنها الدولة، في وقت تقع في محافظاتهم، لا سيما الجنوبية منها، ثروات الفوسفات والبوتاس، والتي يطيب لهم وصفها بالمنهوبة.
في غمرة الاحتجاجات المطاِلبة بالحقوق، استشعر النظام الخطر القادم من المحافظات، فأطلق حملة مكارم واسعة للسيطرة على المشهد. طاف الملك على المحافظات في جولات مكوكية مقدماً لها مكارمَ مستعجلة قبل أن يعلن في تموز/ يوليو 2011 عن مكرمة استراتيجية هي إنشاء صندوق تنمية المحافظات برأس مال 150 مليون دينار أردني (210 ملايين دولار). مكارم متتالية لم تلجم للآن كلمة «حقوق» التي يتردد صداها في أرجاء المملكة.

مقالات من الأردن

ما تبقّى من «الكرامة»

2018-04-26

في هذا المقال استعادة لمعركة «الكرامة»، ومحاولةٍ التورّط في البنيان السياسيّ الذي أنتجته بالنسبة لفلسطين والأردن، وموقعها من الوعي الصهيوني العام، فضلًا عن تتبّع ظلّها الرسمي وما تبقّى منها اليوم..

للكاتب نفسه

استخدامات متعددة للمساجد في الأردن

يوجد في الأردن 5954 مسجداً ، منها 216 مسجداً تحت الإنشاء. الأرقام كشفت عنها وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية في إحصائيات خاصة بنهاية عام 2013.ويحتل المسجد لدى الأردنيين، الذين...