عام 2015، أقام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب سلطة أمر واقع في خامس أكبر مدن اليمن، حيث استولى على مساحات شاسعة من الأراضي شرقي البلاد وسيطر على نقاط تهريب استراتيجية على طول الساحل الجنوبي الشرقي للبلاد، كما استغل الفرع المحلي للتنظيم العالمي المتشدد الفوضى الناجمة عن انتفاضة 2011 في اليمن، وتمرد جماعة الحوثيين (أنصار الله) اللاحق، ومن ثم دخول التحالف العسكري بقيادة السعودية في النزاع في مارس 2015، سواءً على مستوى السيطرة الإقليمية أو الموارد المالية أو الطاقة البشرية، ولم تكن القاعدة أقوى مما كانت عليه وقتذاك.
بعد ذلك التطور تراجعت مكاسب التنظيم تدريجيا، حيث بدأت عمليات مكافحة الإرهاب بقيادة الإمارات عام 2016، وبدعم أمريكي متصاعد باستخدام الطائرات الأمريكية بدون طيار في العمليات العسكرية المباشرة ضد القاعدة، مما أجبرها على القيام بانسحابات كبيرة بعد قطع كثير من خطوط تواصلها، والخسائر البشرية في صفوف قياداتها، وتمرد القادة المحليين عليها، وبدلاً من مواجهة القوة العسكرية المتفوقة لقوات مكافحة الإرهاب، انسحبت القاعدة عموماً من المناطق الخاضعة لها وتراجعت إلى ملاذات آمنة أكثر بعداً، مع التركيز على التحكم بحجم الأضرار والحد من تعرض كبار قادتها للغارات الجوية الموجهة.
رغم ذلك، لا ينبغي النظر إلى هذا الوضع التراجعي ظاهرياً كمؤشر على التراجع المطلق للجماعة كلاعب فاعل في اليمن، فقد كان أسلوب عمل القاعدة تاريخياً، يعتمد على التراجع المحسوب والدوري وإعادة استجماع القوى قبل معاودة الظهور من جديد، فعلى عكس اللاعبين الآخرين في الحرب، لا تعكس السيطرة على الأراضي تماسك المجموعة، ورغم أن تزايد عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية والإماراتية أدى إلى تقليص نفوذ القاعدة، إلا أن الظروف السائدة التي سمحت لها بالازدهار لا زالت مواتية، إذ لا يزال النزاع المستمر في البلاد وما أنتجه من العنف، وانعدام الأمن، والانقسامات الاجتماعية، وانهيار الدولة، والأزمة الاقتصادية، والكارثة الإنسانية، عوامل تغذية لمصالح القاعدة وخلق مساحة لعملياتها.
أظهرت القاعدة أيضاً قدرتها على البقاء وتجاوز الخسائر المتكررة في صفوف قياداتها، في حين تخلق الحرب المستمرة في اليمن نبعاً طبيعياً للمواهب والخبرات التي يمكن للقاعدة استقطابها.
وفي نهاية المطاف، تظل الوسيلة التي يمكن بها إنهاء تهديد القاعدة في اليمن وخارجه، هي إنهاء النزاع عبر تسوية سياسية تعيد بناء الدولة والمؤسسات العامة، وتستعيد فاعلية قوات الأمن، وإلى أن يتحقق ذلك، فإن الانسحابات الاستراتيجية للتنظيم – كالانسحاب الحالي– ستتيح له عودة محتومة، ولن تفيد التدابير الحالية ضد القاعدة أكثر من احتوائها، بدلاً من القضاء عليها كتهديد.
النص الكامل على موقع "مركز صنعاء للدارسات الإستراتيجية"