«الغنم صار معه هوية وأنتَ ما معك»، قال الشرطي لحابس الغيات عندما ضبطه يرعى الأغنام عارياً من أي وثيقة تثبت هويته. ترك الشرطي الغنم طليقاً واقتاد حابس الى مركز الأمن للتحقيق معه. من أنت؟ ما هي جنسيتكَ ؟ سأل الشرطي، أجاب حابس: «أنا حابس الغيات، أنا أردني»، قال الشرطي لحابس: «أثبت ذلك»، صمت حابس، هو لا يحمل إثباتا، هو بالأصل لا يملك إثباتا.
نجا حابس من قضاء تلك الليلة في الزنزانة بتدخل أحد شيوخ العشائر المحلية الذي فسر للشرطة «حابس من غير محددي الجنسية، بشكل أدق هو من البدون».
إحصاءات غير رسمية تقدر عدد البدون في الأردن بثلاثة آلاف شخص، بينما يغيبون عن أي سجلات رسمية، بل يتعمد الأردن الرسمي ابقاءهم في الظل كأنه لا وجود لهم.
التالي حقيقة
حابس (32 عاماً) المقيم في بادية الاردن الشرقية (محاذية للحدود العراقية وجزء من حدود الأردن مع السعودية)، ولد لأب من البدون، وهو يتوسط شقيقين اكتسبا الجنسية الأردنية، ومتزوج من ابنة عمه التي تحمل الجنسية الأردنية، وهو أب لطفلين هما مثله بدون، فيا للعجب!
كيف أصبحوا بدون؟ غفلت تلك الفئة السكانية التي عاشت متنقلة بين الحدود في ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي، يحدد حركتها مراعي قطعانها، عن توثيق وجودها في سجلات الدولة للحصول على وثائق ثبوتية تحمل أرقاماَ وطنية. استفاقت من غفلتها بعد أن أُغلقت الحدود واستقرت نهائياً في الاردن لتجد نفسها بلا جنسية، وتبدأ رحلة البحث عن الهوية. نحن أردنيون، يقول البدون، حابس يثبت ذلك بوالده وجده اللذين ولدا ودفنا في الأردن، غير أن قانون الجنسية الأردنية يقول هم ليسوا كذلك.
انطباق الشروط لا يكفي
لماذا حابس من دون شقيقيه وزوجته؟ منحت وزارة الداخلية الأردنية لشقيقيه وزوجته الجنسية الأردنية بعدما تقدموا بطلب للحصول عليها. وجاء قرار منحهم إياها مشفوعاً بانطباق شروط منح الجنسية عليهم. ينص قانون الجنسية الأردنية على أنه «لأي شخص غير أردني ليس فاقداً الأهلية أن يقدم طلباً الى مجلس الوزراء لمنحه شهادة التجنس بالجنسية الأردنية، ممن تتوفر فيه الشرائط الآتية: أن يكون قد اتخذ محل اقامته العادية في المملكة الأردنية الهاشمية لمدة أربع سنوات قبل تاريخ طلبه، أن لا يكون محكوماً عليه بأية جريمة ماسة بالشرف والأخلاق، أن ينوي الاقامة في المملكة الاردنية الهاشمية، أن يعرف اللغة العربية قراءة وكتابة، أن يكون حسن السيرة والسمعة، أن يكون سليم العقل غير مصاب بعاهة تجعله عالة على المجتمع، أن تكون له وسيلة مشروعة للكسب مع مراعاة عدم مزاحمة الأردنيين في المهن التي يتوفر فيها عدد منهم». لم يحصل حابس على الجنسية الاردنية رغم توفره على الشروط، وتقدمه بعشرين طلباً من أجلها. يا لسوء حظه، فمنح الجنسية الأردنية لا يحدده فعلاً انطباق الشروط بل له أسراره، بدليل إمكان رفض الطلب دون ابداء الأسباب.
أكثر من ذلك
يشغل البدون أدنى الطبقات الاجتماعية في المجتمع الأردني، منبوذون هم ومهمشون، فقراء ومعدمون ، لا يتزوجون إلا من محيطهم الاجتماعي، ينظر بالشك الى ولائهم رغم قدم وجودهم الذي سبق تأسيس الدولة التي بدأت امارة في العام 1921، وتحولت الى مملكة في العام 1946. ولأنهم ليسوا أردنيين على الورق وفي السجلات فهم محرومون من العمل في أجهزة ومؤسسات الدولة، فيما سمح لبعضهم في فترات زمنية سابقة بالالتحاق بصفوف القوات المسلحة الأردنية. وهم محرومون من خدمات الصحة، ومحرومون من التعليم الذي أدى غيابه الى تفشي الأمية بنسب عالية بينهم.
تمتهن غالبيتهم الرعي أو قطف المزروعات، وغالباً ما يقيمون في جوار من يعملون لديه والذي يشكل بالنسبة لهم الملجأ والمأمن والمُعرِّف عنهم. وفيما يكابد البدون لإثبات أردنيتهم التي سقطت في غفلة منهم، توزع الجنسية الأردنية يميناً وشمالاً على المستثمرين العرب، في بلد أصبح الباعث الاقتصادي فيه أكثر قيمة من باعث المواطنة الصالحة والانتماء.
ويشترط القانون لحصول المستثمرين العرب على الجنسية الاردنية استثمار مبلغ 750 الف دينار أردني في مشاريع اقتصادية انتاجية، وتأمين 20 فرصة عمل حقيقية لأردنيين، وأن يودع في البنك المركزي مبلغ مليون دينار أو ما يعادلها وديعة مربوطة لمدة خمسة سنوات.
مدفوعاً بالمال، جَنّس الأردن عشرات المستثمرين العرب ممن انطبقت عليهم الشروط، أما البدون وهم الفقراء، فلا بواكي لهم.