حملت اتهامات الفساد التي طالت مختلف مستويات الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" أخباراً سارة للمدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين. فمن بين سبعة مترشحين لمنصب رئاسة الفيفا أحد أفراد العائلة الحاكمة في البحرين، سلمان بن إبراهيم آل خليفة، الذي يشغل منذ سنتين منصب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم. تلّقف نشطاء حقوق الإنسان خبر ترشح الرجل بحماسة شديدة عبرت عنه البيانات الصادرة عن المنظمات البحرينية وعن المنظمات الإقليمية والدولية المدافعة عن حقوق الإنسان. وتشير هذه المنظمات إلى دور سلمان بن إبراهيم بصفته رئيس الاتحاد البحريني لكرة القدم في الحملة التأديبية التي تعرض لها الرياضيون البحرينيون في 2011.
"لا مكان إلا للرياضي المخلص"
بعد دخول القوات السعودية إلى البحرين في منتصف آذار/مارس 2011 لقمع انتفاضة دوار اللؤلؤة، تشكلت لجنة تحقيق خاصة بأمر من ناصر بن حمد (أحد أبناء الملك ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية البحرينية) للتحقيق مع الرياضيين البحرينيين، وخاصة مع من شارك منهم في مسيرة نظمها الرياضيون في 21 شباط / فبراير 2011. على هامش عمل اللجنة، وقبل انتهاء تحقيقاتها، كانت قناة البحرين الرياضية تبث برامج خاصة تندد بمن سمتهم "الرياضيين الخونة" وتعرض مشاهد من دوار اللؤلؤة لتطلب من مشاهديها التقدم بأسماء الرياضيين في تلك الصور. وساهم في زيادة الحماسة للإبلاغ عن "الخونة" مشاركة ابن الملك، ناصر بن حمد، في إحدى حلقات البث ليتعهد بأن "يُسقِط الجدارعلى رأس أولئك الخونة".
بعد أقل من شهر على تشكيلها، أصدرت "لجنة التحقيق الرياضية" قراراً بإيقاف 150 من اللاعبين والإداريين والمدربين بصفة فورية على خلفية "مشاركتهم في مسيرة رياضية غير مرخصة". من جهتها، عاقبت الأندية الرياضية اللاعبين الذين شاركوا في تلك المسيرة "بشطبهم نهائياً من كشوفاتها"، مؤكدة أن لا مكان فيها إلا "للرياضي المخلص والمحب للبحرين". استندت تلك الأندية إلى ما بثته قناة تلفزيون البحرين عن الرياضيين المشاركين بالمسيرة. شملت قوائم الشطب النهائي أعضاء في تلك الأندية كما شملت أسماء لاعبين دوليين في كرات القدم والسلة واليد، ومدربي فرق في هذه الألعاب وغيرها. من جهتها، كانت أجهزة الأمن تواصل حملات الاعتقالات التي شملت عشرات الرياضيين.
"القانون ما يمشي علينا أوعليكم"
يوثق تقرير لجنة بسيوني التي شكلها الملك البحريني حالات كثيرة تعرّض فيها معتقلون ومعتقلات إلى التعذيب الذي أفضى أحياناً إلى الموت. ورغم التعهدات العديدة بمحاسبة المتورطين التي قدمتها الحكومة البحرينية إلى جهات دولية مختلفة، بما فيها المفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف، إلا أنّ الملف ما زال مفتوحاً. ثمة جرائم موصوفة، وثمة ضحايا يعانون، وليس من فاعل. وحتى في الحالات القليلة التي جرت فيها إحالة عناصر أمنية إلى المحاكمة بتهمة تعذيب معتقلين، ففي الغالب كانوا يحصلون على البراءة أو على أحكام مخففة تقوم محكمة الاستئناف بتخفيفها مرة أخرى أو إلغائها. وما يؤكد الحالة المزرية في هذا المجال هو شريط مسجل يجري تداوله على قناة يوتيوب، وفيه يرى المُشاهد رئيس الوزراء في زيارة لمنزل أحد ضباط الداخلية لتهنئته بعد إخلاء سبيله من تهم تعذيب وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، مؤكداً له وللحاضرين: "القانون لا يسري علينا ولا عليكم". فلا غرابة بأن تفشل محاولات النشطاء الحقوقيين البحرينيين الدؤوبة منذ 2011 لملاحقة المسؤولين عن التعذيب وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
مأسسة الإفلات من العقاب
لا يمكن في المحاكم البحرينية ملاحقة منتهكي حقوق الإنسان، وخاصة إذا كانوا ينتمون للعائلة الحاكمة. فآليات الإفلات من العقاب، عبر القوانين أو عبر التفاهمات السياسية، أضحت جزءاً من أدوات ممارسة السلطة وضمانة إدامة استبدادها. بل إن هذه الآليات تمثل للعائلة الحاكمة في البحرين، مثل غيرها من البلدان التي تحكمها أنظمة قمعية، ضرورة تحتاجها لضمان ثبات ولاء جلاوزتها وتفانيهم في عملهم. فقسوة جلاوزة النظام أينما كان هي من قسوته، وفسادهم من فساده. فحين يعذب أحدهم أو إحداهن معتقلاً أو حين ينتهكون حقوق الناس أو يدوسون على كراماتهم فإنهم يفعلون ذلك بأوامر من أصحاب القرار أو لإرضائهم. ويعرف كل الجلاوزة أن مراتبهم ومرتباتهم تتفاوت بمقدار ما يخدمون ولي أمرهم. ويحدث كثيراً أن يتمادى بعض الجلاوزة في استخدام الصلاحيات المعطاة لهم، وقد يستخدم بعضهم تلك الصلاحيات لتسوية حسابات شخصية أو للحصول على منافع خاصة. إلا أنّهم يعرفون أن لا حول لهم ولا قوة إلا برضا أصحاب القرار في النظام. لا يعني هذا أن الجلاوزة هم مجرد أدوات في أيدي النظام السياسي لا تمتلك خيارات سوى طاعته حباً فيه أو طمعاً في ما يوفره لها من مالٍ وهيبة. فهم، في ظروف معينة، قد يصبحون عبئاً عليه وخطراً على تماسك تحالفاته المحلية والخارجية. عندها قد يُضطر النظام لاستبدال بعضهم، حين تتزايد ضغوط خارجية أو داخلية وحتى من داخل النظام نفسه. يعرف عتاة الجلاوزة هذه البديهية، وأنهم سيكونون أولى أكباش الفداء مهما كانت قيمتهم ودرجة إخلاصهم لولي أمرهم. ولهذا يعملون على توثيق ارتباطهم المباشر بأطراف رئيسة في النظام الذي يخدمونه. عندها يضمنون بقاءهم ويضمنون أن يكون إسقاطهم سقوطاً للنظام الذي صنعهم.
لعل هذا التماهي غير المنظور هو ما جعل السلطة الخليفية، حتى وهي ترفع عالياً رايات "المشروع الإصلاحي"، لا تحتمل أية إشارة إلى ممارسات الأجهزة الأمنية طيلة خمس وعشرين سنة طبقت فيها قوانين الطوارئ، وفي مقدمها مرسوم أمن الدولة الصادر في 1974. وتحت راية التحذير من عواقب نبش الماضي والخشية من استفزاز "الحرس القديم"، اكتفت أغلب قوى المعارضة بالاحتجاجات الرمزية على مرسوم بقانون رقم 56 لسنة 2002. وقد صدر ذلك المرسوم بعد هروب أحد كبار ضباط جهاز أمن الدولة إلى الخارج لتحاشي عشرات القضايا التي رُفعت ضده شخصياً، وشملت التعذيب والاحتيال وفرض الخوّة والابتزاز. وقتها بدت واضحةً قوة تعاطف زملاء الضابط الفار معه. فهو لم يكن وحيداً، ومحاكمته، لو تمت، قد تُضطره لتوريط شركائه وحُماته، وخاصة وزير الداخلية ورئيس الوزراء. حصّن ذلك المرسوم، الذي لا يمكن للمجلس النيابي إعادة النظر فيه أو تغييره، عناصر الأجهزة الأمنية ومنع سماع أية دعوى أمام أية هيئة قضائية بسبب أيٍ من تصرفاتهم في السنوات السابقة على صدوره.. أي بمفعول رجعي كذلك. وما يزيد من تدهور الأحوال، أنه أسس لتطورات لاحقة أعفت وزارة الداخلية وأجهزتها من الخضوع لمراقبة المجلس التشريعي.
نافذة تفتحها انتخابات رئاسة الفيفا
أتاح ترشيح سلمان بن إبراهيم نفسه لرئاسة الفيفا فرصة جديدة للإعلام عما شهدته البحرين من انتهاكات لحقوق الإنسان بعد دخول القوات السعودية وإعلان حالة الطوارئ ومنع التجول فيها. فلقد حصل المدافعون عن حقوق الإنسان في البلاد، بسبب ترشيح سلمان بن إبراهيم، على قنوات جديدة إعلامية لم تكن متاحة لهم في السابق. لن تؤدي الحملة الإعلامية منذ الآن وحتى موعد انتخاب رئيس جديد للفيفا في شباط / فبراير القادم، إلى تغيير في التوازنات التي تحكم التطور السياسي في البحرين، ولكنها ستساهم في استمرار شعلة يرفعها ضحايا القمع في البحرين وغيرها من البلدان المثيلة ضد استمرار تقاليد الإفلات من العقاب.