وسط الحرب والنزاعات، هل ينجح صوت عمر ياسين في جلب الجمال لليمن؟

مغامرات عمر ياسين، شاب يمني يتبارى على مسابقة غناء: ماذا يرتدي والانقسام في بلده جعل كل تفصيل في الثياب يُحسب على جهة، وكيف يصل في الموعد ولا مواعيد للطيران، وكيف يروج لنفسه وينال التأييد اللازم في بلد يتضور جوعاً وهلعاً.. الهاشتاغ الاكثر انتشاراً لنقد هذه الحالة هو: #عاد_الحرب_مطولة!
2019-04-25

وميض شاكر

كاتبة من اليمن


شارك
عمر ياسين

تأخرت لأسبوعين على الأقل حملة الترويج للشاب اليمني المشارك في برنامج "الزمن الجميل" الذي يبث على قناة أبوظبي مساء كل جمعة. وهو انطلق في بداية شباط/ فبراير المنصرم. لم يكن السبب فنياً على وإنما سياسياً. فالحرب التي تستعر في اليمن منذ أكثر من أربع سنين، وغياب الدولة المركزية، قد جعلا من رقعة النزاع في اليمن أكثر خصوبة واتساعاً وتطرفاً. كما يحضر النزاع الشمالي - الجنوبي في هذا السياق مع تنامي دعوات الانفصال، واستقلال الجنوب في ظل استيلاء الحوثيين على شمال البلاد. وتُشكل الحركات في الجنوب مجالس سياسية وتتسلح أخرى أسوة بما يفعله الحوثيون شمالاً.

لقد احتار عمر ياسين القادم من مدينة عدن، وفريق حملته، أي لباس شعبي يجب أن يرتديه في صوره الترويجية، هل الجنوبي وبهذا يخسر أصوات الشمال، أم الشمالي فيكون العكس؟ ثم اختار القميص الأبيض والعمامة البيضاء اللذان يرتديهما اليمنيون والخليجيون معاً، لكنه وقع مرة أخرى في الحيرة، فربطة العمامة على هيئتها اليمينة لها تفاصيلها، إن أخطأ فيها سيتهمه الجمهور بالخلجنة! ثم فكر بلبس البدلة ذات الكوت والبنطلون شأنه كشأن عامة الناس حول الكرة الأرضية، لكن هذا الاختيار ربما لن يشفع له أمام جمهور قد يفسر اختياره بالنكران لهويته اليمنية، أكانت جنوبية أم شمالية.

حمل عمر ياسين بطاقة المتسابق رقم 100 في أولى حلقات "الزمن الجميل"، إذ كان المتسابق الأخير ضمن 100 شاب وشابة من مختلف وطننا العربي. جميعهم وقف أمام لجنة تحكيم من الوزن الثقيل، نجوم مثل أنغام من مصر، مروان الخوري من لبنان، وأسماء المنور من المغرب. ولكن المشاهد سيقع في الحيرة، فهل يطرب لملاحظات لجنة التحكيم في لغتها الأدبية، ثقافتها الواسعة وتقنيتها الدقيقة، أم يطرب للأصوات الـ 10 الأقوى التي اختيرت للتنافس على العروض المباشرة وكان عمر ياسين من ضمنها.

عمر شاب لا يتجاوز الـ 24 سنة، يغني بصوت صافي كسماء مدينته عدن. عرفته منذ أكثر من سنة، عرفت صوته شادياً بأغاني الطرب العربية واليمنية، وذلك من الفيديوهات التي كان يعرضها على صفحته بالفيسبوك ويصاحبه في العزف والغناء معلمه الفنان أمير الرباكي (أبوعبد الله). واستبشرت خيراً، إذ ثمة يمني شاب يجيد الطرب العربي ويتبناه معلماً ذا خبرة. علمت لاحقا أنه اختير في مسابقة الصوت (The Voice)، ولكن لسوء الحظ الذي يرافق بلدنا المنكوب وما تبقى له من خدمات كالطيران، لم يستطع عمر ياسين أن يكون في الموعد المحدد للمسابقة إذ علق في مصر! ربما كان ذلك من حسن حظه، إذ وفرت مصر له مكاناً مناسباً للاجتهاد والانشغال بالمزيد من الموسيقى وحضور الدروس والحفلات وتصوير المقابلات التلفزيونية. كما استضافته قناة MBC في برنامج "صباح الخير يا عرب"، وعرّفه بالمتسابق اليمني الذي أضاعت طائرته فرصته بالمشاركة في برنامج "الصوت".

احتار عمر ياسين القادم من مدينة عدن، ومعه فريق حملته، في أي لباس شعبي يجب أن يرتديه لصوره الترويجية: هل الجنوبي، وبهذا يخسر أصوات الشمال، أم الشمالي فيكون العكس.. فاختار القميص الأبيض والعمامة البيضاء اللذان يرتديهما اليمنيون والخليجيون معاً، لكنه وقع مرة أخرى في الحيرة، فربطة العمامة على هيئتها اليمينة لها تفاصيلها، إن أخطأ فيها سيتهمه الجمهور بالخلجنة!

صاحَب القلق والتوتر مشاركة عمر في برنامج "الزمن الجميل". فالجمهور في اليمن، شماله وجنوبه، قد جعلته الحرب والكمد مستنفراً لهويته اليمنية ومستغلا لأي مناسبة يعلن فيها للعالم أن ثمة 500 ألف كيلومتر تسمى اليمن يسكنها 30 مليون رجلا وامرأة هم اليمنيون، وبخلاف أخبار الحرب والمجاعة، فأن هذه الأرض وهؤلاء الناس يتقنون اللحن والغناء ويحبون الحياة! لكن قوانين برنامج "الزمن الجميل" لا تسمح بأن يختار المشارك أو المشاركة أغنيته كما الحال في برنامج "عرب ايدول"، وإلا لكان التحدي على عمر أيسر ولغنى أغاني اليمن من شماله وجنوبه، من شرقه لغربه، ووفر على نفسه الانشغال بالتصدي لسهام تهمة النكران لهويته المتنازع عليها التي تلاحقه منذ بدء البرنامج. في برنامج "الزمن الجميل"، يتعين على المشاركين والمشاركات أن يغنوا في كل أسبوع لواحد من فنانينا العرب العظام كأم كلثوم وطلال مداح ووردة ووديع الصافي، اعترافا بمساهمتهم ومواصلة لها، واكراماً لصنعهم الجمال فعلاً في حياة العربي المتعثرة من دون انقطاع.

بعد أن غنى "أحبك لو تكون حاضر" للفنان المرهف طلال مداح، غنى عمر "يا مسافر وحدك" للكبير محمد عبد الوهاب. حينها وصفت قناة أبوظبي أداء عمر ياسين بالـ "المتألق"! ذلك لأنه تألق فعلاً في أداء أغنية عبد الوهاب، وقالت لجنة التحكيم أن عمر أدى الأغنية بأناقة على الرغم من صعوبة أغاني عبدالوهاب وعلى الرغم من بُعد مدرسة عمر اليمنية عن مدرسة شرقنا العربي، وبالذات مدرسة عبد الوهاب. لكن عمر كان على قدر التحدي. هذا التألق استحق تصويت الجمهور له، وترأس عمر القائمة بـ 44 في المئة من الأصوات، ما فاجأ زملاءه الذين عبروا عن اندهاشهم بقولهم: "والله انكم شعب جبار"! هم يعنون بذلك أنه على الرغم من الحرب والفقر الشديد والنزاعات التي تلتهم حاضر اليمنيين ومستقبلهم إلا أنهم كانوا كرماء ومعطاءين.

الحكومة في اليمن، شمالاً وجنوباً، منشغلة بالحرب، لكن الحقيقة أنها منشغلة عن سد أفواه الجياع والتصدي لوباء الكوليرا، بالفساد ومصادرة عائدات النفط والجمارك إلى جيوب المتنفذين. إذاً، كيف لعمر ياسين أن يحظى باهتمام من أي الحكومتين الملزمتين بحكم الدستور الذي أقسمتا يمينه على رعاية النشء والشباب والمواهب! وهكذا انحصرت حملة دعم عمر على شوارع عدن، وبجهود أهله واصدقائه ومحبيه، وبشكل أقل في محافظة تعز، بجهد يشكر لمدير مكتب الثقافة بتعز. وفي صنعاء أقنع أصدقاؤه شركات الموبايل بإرسال رسائل مجانية تدعو فيها المواطنين للتصويت لعمر، وكانت هذه كل الحملة! هذا الوضع أثّر على مسيرة عمر في برنامج "الزمن الجميل"، فتناقصت نسبة التصويت له في كل أسبوع بشكل مطرد: من 44 في المئة إلى 33في المئة، إلى 26 ثم 17 في المئة، وكان آخرها 14في المئة ليحتل المركز الخامس وقبل الأخير من بين ستة متسابقين.

من المحزن الاعتراف أن عمر ضائع على أرضه وبين جمهوره. فإلى هذه اللحظة لم يستطع أحد نحت هاشتاج موحد لحملة التصويت لعمر، لإن الحيرة تخيم على القرارات في كل مرة. هل يقال صوتوا لـ#ابن_اليمن، أو #ابن_عدن، أو ابن_الجنوب؟ عموماً، البوسترات والرسائل التي تصمم وتنشر من صنعاء وتعز تختار الهاشتاج الأول، والتي في عدن تختار الثاني، بينما المقالات السياسية التي تنشر على المواقع الجنوبية، رغم قلتها، تختار الثالث! وفي موقف كهذا، هناك عبارة متداولة بين نشطاء الفيسبوك في اليمن يستخدمونها كرد موجز ومكثف تجاه سوء الممارسات، تقول العبارة: #عاد_الحرب_مطولة! وأراها مناسبة للتعليق على حالة عمر. "عاد الحرب مطولة" هو الهاشتاج الذي اتفق عليه الجميع، فعامة الشباب يعون أن نهاية الحرب وبناء السلام لليمن لا يعني أحداً إلا نحن، ولكن ذلك لن يكون إلا متى ما كنّا على قدر المسئولية وأكبر.

عمر قام بمسئوليته، وكذلك أبناء هذا البلد، بينما هناك من لم يقم بمسئوليته أبدا، بل يمنع الآخرين من القيام بها بشتى الطرق.. إنهم أولئك الذين جعلوا عمر ضائعاً بين شعبين وحكومتين، بين حرب وفساد، بين جوع ومرض، بين ضياع وضياع آخر.

نتمنى لعمر ياسين التوفيق في الحلقتين المتبقيتين لبرنامج "الزمن الجميل". نتمنى أكثر أن تنتصر إرادة الناس على خذلان النخب، وأن يكون ذلك طريقنا للنجاة والسلام والجمال، وأكرم به من مآل، وأخيّر به من أرض وانسان.

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه

نساء أكبر من الحرب

وميض شاكر 2016-03-10

مشاركة النساء اليمنيات في ثورة 2011 كانت إحدى أكبر المفاجآت التي أدهشت العالم، لكن هذا الزخم لم يستمر، فقد تم إقصاء النساء من الثورة والسياسة بشكل ممنهج..