حين ذهب ملك البحرين إلى لندن في أيار/مايو 2013 لحضور مهرجان للخيول، ألقى كلمة في حفل استقبال أقامه ودعا إليه عدداً كبيراً من الشخصيات البريطانية. سمع الحاضرون الملك وهو يشيد بعمق العلاقات بين بلاده وبريطانيا طيلة ما يقرب من 200 سنة، أي منذ أن فرض ممثلو التاج البريطاني على جميع شيوخ القبائل في الجانب العربي من الخليج في العام 1820 التوقيع على اتفاقيات وضعت المنطقة برمتها تحت الحماية البريطانية. في سياق ذلك الخطاب الذي بثته وسائل الإعلام البحرينية كاملاً، فاجأ الملك ضيوفه حين أعلن أن قرار الانسحاب البريطاني من الخليج في 1971 وإعلان استقلال المشيخات الخليجية، لم يكن بإرادة حكام تلك المشيخات بما فيها البحرين. وكرر ملك البحرين أن والده كان يتساءل "عن سبب اتخاذ بريطانيا لذلك القرار من جانب واحد قائلاً: لماذا؟ وهل طلب منكم أحد الذهاب؟" (وكالة أنباء البحرين 2/05/2013).
عودة العسكر البريطاني
في 2 أيار/مايو 2013 قبل خطاب الملك البحريني بأيام، صادف أن أصدر "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" في لندن United Services Institute RUSI) Royal) تقريراً تحت عنوان "العودة إلى شرقي السويس؟". يستعير عنوان ذلك التقرير اسم الخطة التي وضعتها الحكومة البريطانية في منتصف ستينيات القرن الماضي بهدف انسحاب بريطانيا من شرقي السويس. فلم تكن الحكومة البريطانية قادرة عسكرياً واقتصاديا وسياسياً على الإبقاء على مستعمراتها تلك ومحمياتها في جنوب الجزيرة العربية وجنوب شرقي آسيا والمحيط الهندي التي استقلت تباعاً. وشملت خطة الانسحاب من شرقي السويس في آخر الأمر المحميات البريطانية في الخليج رغم محاولات شيوخها حتى اللحظات الأخيرة إقناع بريطانيا بعدم التخلي عنهم. ناقش التقرير توجه الحكومة البريطانية إلى إعادة إنشاء قواعد عسكرية في منطقة الخليج وشكك في جدية الدوافع الإستراتيجية لقرارات تحاول إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 1968، أي قبل أن ينحسر دور بريطانيا الإمبريالي ويجري تفكيك تواجدها العسكري شرقي قناة السويس.أعلنت الحكومة البريطانية في نهاية شهر آذار/مارس 2014 عن مشاريع إنشاء البنى التحتية اللازمة لتوسيع وجودها العسكري في الخليج، وإعادة تأهيل قاعدتها العسكرية في البحرين، وهي مقر قيادة القوات البحرية الملكية البريطانية في الشرق الأوسط. تضم هذه القوات حالياً حوالي إحدى عشرة فرقاطة وأربع سفن كاسحة ألغام وقوارب للدعم البحري. يندرج هذا التوسيع في إطار "اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك" التي وقعتها بريطانيا مع البحرين في تشرين الأول/أكتوبر2012، والتي تمنح سلاح الجو البريطاني حق دخول مجال البحرين الجوي واستخدام مطارات البحرين المدنية والعسكرية بدون إذن مسبق. وهي تسهيلات جعلت تقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني (12 تشرين الثاني/نوفمبر 2013) يصف البحرين بأنها أفضل لبريطانيا "من حاملة طائرات متمركزة بشكل دائم في الخليج". من سخريات التاريخ أن تكون إحدى المهمات التي ستتولاها القوات البريطانية حين تستكمل استعدادتها في العام القادم هي "مكافحة القرصنة"، وهي المهمة نفسها التي فرضت بريطانيا تحت غطائها هيمنتها على مشايخ الخليج في بداية القرن التاسع عشر.
تجديد المظلة العسكرية الأميركية
لا يمكن للسلطات البريطانية أن تعيد وجودها العسكري في البحرين، أو في بقية الخليج، من دون أن تكون تحت المظلة الأميركية، أي ضمن ما يُعرف بقيادة "القوات البحرية المشتركة" التي يشكل الأسطول الخامس الأميركي عمودها الفقري. ولهذا تَرافق القرار البريطاني مع إعلان وزارة البحرية الأميركية عن البدء في تنفيذ مشاريع كبيرة لتوسيع مقر قاعدتها العسكرية ومقر قيادة الأسطول الخامس في البحرين. (نايفي تايمز 27/3/2014). ستبلغ الكلفة المعلنة لمشاريع التوسعة 580 مليون دولار، مما سيعطي للولايات المتحدة، حسب تصريحات مسؤولين عسكريين، قدرة لتشغيل القاعدة في البحرين لفترة تمتد ثلاثة أو أربعة عقود قادمة. ببدء هذه المشاريع، تنتهي فترة من الغموض بسبب تكهنات راجت منذ منتصف 2011 حول "نية" الولايات المتحدة نقل قاعدتها العسكرية ومقر قيادة أسطولها الخامس من البحرين إلى الإمارات. ولقد استندت تلك التكهنات إلى ما اعتبره مراقبون امتعاضاً أميركياً من أسلوب تعاطي السلطات البحرينية مع الحراك الشعبي في 2011. وكان أبرز مظاهر ذلك الامتعاض بضعة بيانات من وزارة الخارجية الأميركية علاوة على قرار من الكونغرس الأميركي بتأجيل عقد صفقة أسلحة بقيمة 53 مليون دولار (استطاعت الحكومة الأميركية الإلتفاف على ذلك القرارعبر ثغرات إدارية).
موقف المعارضة من الوجود العسكري الأجنبي
رغم عدم واقعية التكهنات حول نقل القاعدة العسكرية ومقر قيادة الأسطول الخامس، إلا أنها انتشرت بين أنصار كل من النظام والمعارضة على حد سواء. فمن جهة زاد الهلع من "مؤامرة" تحاك ضد البحرين، ومن جهة أخرى زاد التفاؤل بدور تلعبه الولايات المتحدة في الوصول إلى "تسوية" تضع البحرين على سكة الديموقراطية.
أما على مستوى القيادات، فالأمر كان مختلفاً لسببين، أولهما أن أحداً ما كان ليصدق أن الولايات المتحدة الأميركية ستُخلي قاعدتها في البحرين أو تنقلها إلى بلد خليجي آخر، حتى ولو توفرت البدائل. أما السبب الثاني فهو أن الوجود العسكري الأميركي في البحرين لم يعد كما كان في الماضي، أحد مواضيع الخلاف الحاد بين السلطة والمعارضة.
فالسلطة على اختلاف مستوياتها ترى في توطيد العلاقة مع الولايات المتحدة ضمانة لحماية الوضع القائم وسنداً لشرعيته. ومن جهتها، لا تعتبر المعارضة الوجود العسكري الأميركي من أولوياتها كما كان الحال عليه في الماضي. لهذا تلتزم اجزاءٌ من المعارضة الصمت تجاه ذلك الوجود خشية استعداء الولايات المتحدة الأميركية، بينما تأمل أجزاءٌ أخرى أن يستخدم الأميركيون نفوذهم للحد من تهور النظام أو لإقناعه بقبول إصلاحات تطالب المعارضة بها.