قبل سنوات قد لا تتجاوز العقدين وبنهار يوم صيفي في احد الأقضية الريفية لجنوب العاصمة بغداد، عشت خلاله تجربة مريرة حينما ادركتُ للحظات شعور الغريق الذي تحاول مياه النهر ابتلاعه وهو يجاهد للنجاة ويحاول التمسك بخيط الأمل لعله يجد "القشة" التي كنّا نسمع عنها في حكايات أجدادنا بأنها تكون المنقذ الوحيد للغريق، لكن شاءت الأقدار ان تظهر بشكل مفاجئ يد المساعدة لتسحبني بعيدا عن مجرى ضيق علقت بداخله لتكتب لي حياة جديدة بعد صراع من اجل البقاء امتد لبضع دقائق.
منذ تلك الحادثة والإحساس بالغرق يداهمني في كل مرة يعلن فيها عن حادثة غرق او انتشال جثة ابتلعتها المياه التي تشترك بصفتين لا ثالث لهما "سر الحياة وسر الممات"، هذا الشعور الغريب زارني مرة اخرى حينما شاهدت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تتسارع بنقل خبر غرق العبارة التي تحمل محتفلين بأعياد نوروز في مدينة الموصل وكيف تحولت مياه نهر دجلة الى "وحش" يتسارع بابتلاع الاطفال والنساء والشباب ليلقي بهم بعيدا عن المنقذين الذين يحاولون اللحاق بالأصوات والأيدي التي تطلب المساعدة لكن من دون جدوى، ليكون المشهد اشبه "بحفلة موت جماعي" عنوانها الطمع والجشع وغياب الرقابة.
فالمشاهد التي رسمتها "فاجعة" العبارة لا يمكن تجاهلها او تدوينها كحادثة طبيعية اختارت التوقيت والزمان الخاطئ، أبدا، فصور الاطفال الذين جرفتهم المياه على ضفاف النهر والنساء اللواتي استقرين أسفله "حياء وعفة" يجب البحث عن اسبابها الحقيقية، وليس "اختراع" القصص وتحويلها الى مادة صراع سياسي تخدم "المتصيدين" على حساب دماء وحياة الابرياء، الموضوع قد يكون اكبر من "فساد جهابذة السياسة"، فهو يتعلق بفساد منظومة القيم والأخلاق التي غيبتها الحروب وإضاعتها "طرق الكسب غير المشروع"، فكيف لقطعة حديد تتسع في افضل الظروف لخمسين شخص ان يستقلها مئتان وثلاثون او اكثر من دون وجود اي شروط للسلامة او مواجهة الحالات الطارئة؟، ومن سمح لقاطع التذاكر ان يتاجر بأروح الناس بهذه الطريقة وهو يعلم جيدا كيف ستكون النهاية في مدينة اقل مايقال عنها انها "شبعت من الموت".
النص الكامل على موقع "العالم الجديد"