تـراجيــديـا الهجــرة السـريــة فـي تـونــس

نظمت عائلات الغرقى من المهاجرين السريين إلى سواحل أوروبا، وقفة احتجاجية صاخبة وغاضبة أمام مقر وزارة الخارجية بالعاصمة التونسية، انتهت بتفريقها من قوات الأمن التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع. فقد غرق مركب جديد كان يحمل 136 تونسيا، تمكنت قوات خفر السواحل الإيطالية من إنقاذ 56 شخصا منهم، ومن انتشال حوالي عشر جثث. ارتفعت نسبة الهجرة السرية في العقد الأخير، لتصل إلى الذروة بعد الثورة، حيث
2012-09-26

حسان حاجبي

باحث من تونس


شارك
صور لغرقى الهجرة السرية من تونس

نظمت عائلات الغرقى من المهاجرين السريين إلى سواحل أوروبا، وقفة احتجاجية صاخبة وغاضبة أمام مقر وزارة الخارجية بالعاصمة التونسية، انتهت بتفريقها من قوات الأمن التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع. فقد غرق مركب جديد كان يحمل 136 تونسيا، تمكنت قوات خفر السواحل الإيطالية من إنقاذ 56 شخصا منهم، ومن انتشال حوالي عشر جثث. ارتفعت نسبة الهجرة السرية في العقد الأخير، لتصل إلى الذروة بعد الثورة، حيث غادر البلاد ما يقرب من 40 ألف مهاجر سري خلال السنتين الماضيتين، فقد منهم غرقاً 5400 شاب. وقد شجع الانفلات الأمني هؤلاء على ركوب البحر، ولا سيما مع اتساع الرقعة الجغرافية التونسية لانطلاق القوارب نحو السواحل الإيطالية. وكشفت دراسة قام بها «المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية» أن 24 في المئة منهم تلاميذ وطلاب، و11 في المئة منهم أعمارهم تتراوح بين 15 و19 سنة، و36 في المئة بين 20 و24 سنة، و37 في المئة بين 25 و 29 سنة، و12 في المئة بين 30 و34 سنة، و2 في المئة تتجاوز أعمارهم الأربعين سنة. وتنتمي غالبية المهاجرين إلى الأماكن الأكثر فقرا وتهميشا، كالأحياء ذات الكثافة السكانية العالية بتونس العاصمة، إضافة إلى مدن سيدي بوزيد والقصرين والقيروان وقفصة، حيث يبدو الحصول على عمل مستحيلاً، وحيث تعاني المناطق الفلاحية الجفاف، وغلاء البذور والأسمدة بمقابل تدني أسعار المنتجات الزراعية... كما أن لظاهرة الاستقطاب السياسي الحاد التي وُلدت بعد الثورة تأثيرها في الدفع نحو اليأس، لأنها تضيِّق الأفق أمام احتمالات تطور الوضع العام، وتُدرجه عوض ذلك في مسرب متوتر، بل عنيف.
أدت ظاهرة الهجرة السرية إلى إنعاش ما يمكن تسميته بمافيا «الحرّاقة»، وهي كلمة تنتمي إلى اللهجة العامية التونسية ومفردها «حارق» وهي تعني من حرق أوراقه الثبوتية، وهو ما كان في الماضي. فثمة شبكات منظمة في مختلف مناطق مرور المهاجرين السريين تقدم خدماتها إلى المرشح للهجرة السرية . ويؤدي المهاجر ما بين 2000 إلى 6000 دولار ثمنا للرحلة، لينتهي به الأمر في معسكر اعتقال في جزيرة «لامبدوزا» الايطالية، أو متشرداً في شوارع أوروبا التي ظن أنها «الدورادو» يجدر الحلم به، بينما هي نفسها تعيش في أزمة وجودية طاحنة. ومن يسعفه الحظ يجد عملاً في السوق السوداء كبنّاء أو حمال، أو كصبي لوكيل موزع المخدرات. وأما من يغرق في الأبيض المتوسط، فيضاف إلى أعداد الضحايا الذين حولوا هذا البحر إلى أكبر مقبرة في العالم.
والحل ليس أمنياً بالتأكيد...لأنه فاشل، كما ثبت ذلك في زمان بن علي، واليوم. ومن السخف افتراض إمكان ضبط شواطئ مترامية تقع على مرمى حجر من مقابلها الأوروبي. وحين تجرد حملات من هذا النوع، يتجه المهاجرون إلى شواطئ ليبيا المترامية هي الأخرى، والقريبة نسبياً من أوروبا وإن ليس بمقدار قرب تونس منها، فيتكبدون ساعتها خسائر أكبر في الأرواح، لأنه تضاف مئات الأميال البحرية على رحلتهم نحو مقصدهم.
هناك إستراتيجية متكاملة لتدبر هذا الأمر، بعضها يتعلق بالمفاوضات مع دول المتوسط الأوروبية التي تنتهج سياسة «صفر فيزا» بينما هي بأمسّ الحاجة لهذا النوع من اليد العاملة، وهو أمر قابل للتنظيم بحيث يتم تلافي المخاطرة بحياة هؤلاء الشبان، واستبدال ذلك بسياسة هجرة قد تكون موسمية. ولكن الأهم هو الاتجاه نحو التنمية الداخلية، في تونس كما في عموم بلدان الهجرة التي تقع خلفها، وحتى عمق إفريقيا. هناك ما يجدر القيام به بالتعاون مع سائر بلدان مصدر الهجرات، وبخاصة من قبل تونس التي تقوم فيها سلطة جاءت بعد ثورة.

مقالات من أوروبا

للكاتب نفسه

السكن في تونس وأزمة الرهن العقاري

حسان حاجبي 2015-07-23

خلال الأربع سنوات الأخيرة، طرحت في تونس اسئلة "جديدة" تتعلق بالسكن: فهل أزمته مشابهة لازمة المليون عقار المعد للبيع دون مشترٍ في اسبانيا؟ الأرقام في تونس اشارت الى نصف مليون....