اعتصام «باردو» هو تجمّع بشري في ساحة عامة، له مطالب سياسية واجتماعية. فسيفساء من الناس ناهضت التمييز على كل أساس، واحتضنت كل الأطياف: نساء ورجالاً، شيبا وشبابا، ومشايخ، وجمعيات مدنية وأحزابا، وكذلك فرقا فنية... ولكن أكثر ما يميز الاعتصام هو حضور شباب الملاعب، أي انضمام عامل ضغط جديد متمثل في جماهير الألتراس إلى القوى الشبابية الفاعلة في ساحة الاعتصام.
كانوا يمرّون امامنا لا نلمحهم ولا نميّزهم عن باقي الشباب المرابط بساحة باردو، ولكن شيئا ما يعيدنا الى الملاعب، الى مدرجات الترسو أو الدرجة الثالثة. ربما الهتافات والالحان، وربما اللباس ذو الالوان الفاقعة، وخاصة اللون الاحمر، أو ربما تحركاتهم في جماعات.
ترتفع الاغاني والهتافات، قصائد شعبية لها ايقاع ولحن. لم يكن هناك منشد واخرون يرددون، بل كان الكل يغني بصوت جماعي متناسق، أغان صيغت لتُغنّى جماعة، ولتحرّك احساس سامعها. قد تكون عفوية لكنها تنبئ عن تجربة كبيرة في الانشاد والهتاف، وعن دراية بقضايا المجتمع وحراكه السياسي.
«لسنا هنا صدفة، نحن ابناء الاحياء الشعبية، كنّا مِحرار الثورة وقدمنا الشهداء، وكما يريد السياسيون ايصال اصواتهم، نحن كذلك هنا للتعبير عن آرائنا». هكذا كانت كلمات أحدهم للإجابة على سؤال «ماذا يفعل ابناء « الفيراج» في الاعتصام»؟ واكمل: «لا نحضر هنا باسم جمعيتنا الرياضية وانما كأفراد لاقتناعنا بهذا الاعتصام. ولكننا احيانا نردد شعارات واغاني وُلدت في مدارج المباريات الرياضية، وهي لا تختلف عن باقي ما يُردّد هنا». يتقدم شاب اخر ويقول: «ماذا تركوا لنا؟ حتى الكرة حُرمنا منها. مبارة يتم الغاؤها أو نُمنع من دخولها، واخرى يسودها العنف لغياب الامن، أو يتم قمعنا فيها بدرجة اكبر من العنف الذي يمارس احيانا في المسيرات الاحتجاجية». وعلى كل حال، فشباب الالتراس أو « الفيراج» ليسوا خارج سياق الحراك الاجتماعي والسياسي في تونس: «نحن جزء من الشعب». والغناء وترديد الهتافات الحماسية لدعم الفرق الرياضية، وهو الشكل المعتمد في مدارج الملاعب، نجده في اعتصام باردو، باهازيجه الشعبية التي تؤثّر احيانا كثيرة في الشعارات التي يرددها المتظاهرون: تتلاصق مجموعة من الشبان، تترابط الايدي على اكتاف الاجساد فيتحوّل الحشد الى صفّ واحد، وبقفزات خفيفة متتالية يطلق الشباب رقصتهم التي يتبعها الانشاد والغناء.
مشهد الشماريخ أو الشعلة النارية التي تميز الالتراس في العالم كله، كان حاضرا ايضا في اعتصام باردو، ليس بشكل يومي بل لمرافقة عمليات الحشد التي دعت اليها المعارضة، وآخرها مساء يوم 24 آب/ اغسطس الفائت، مع انطلاق اسبوع حملة «ارحل».
مواضيع
شباب الالتراس في اعتصام حي باردو بتونس
مقالات من تونس
رئاسيات تونس 2024: "العبور" إلى أين؟
تعيش تونس اليوم مأزقاً جماعياً، يتمظهر أساساً في طبيعة العلاقة بين أضلاع مثلث العملية السياسية: سلطة لم تُظهِر إلى حد الآن قدرة حقيقية على تغيير الأوضاع نحو الأفضل، وتُصر على...
القانون الجديد لعِطل الولادة والأمومة في تونس: مكاسب ونقائص وحسابات
عطل الولادة والأمومة في تونس، قبل اصدار القانون الجديد، كانت من بين الأقصر مدة في المنطقة، ولا ترتقي إلى الحد الأدنى الذي وضعته "منظمة العمل الدولية"، كما أنها تميّز بين...
تونس: قطار "الجمهورية الجديدة" يسير على السكك القديمة
سيتكرر هذا المسار الطويل والمعقد من الانتخابات والقرعة كل بضع سنوات، على الرغم من أن السواد الأعظم من التونسيين هجروا مراكز الاقتراع. حوالي مليون تونسي فقط (من جملة أكثر من...
للكاتب نفسه
السكن في تونس وأزمة الرهن العقاري
خلال الأربع سنوات الأخيرة، طرحت في تونس اسئلة "جديدة" تتعلق بالسكن: فهل أزمته مشابهة لازمة المليون عقار المعد للبيع دون مشترٍ في اسبانيا؟ الأرقام في تونس اشارت الى نصف مليون....
شباب الثورة في تونس: مجرم رغم أنفه
#«حتى أنا حرقت مركز»: أنا كذلك أضرمت النار في مركز للشرطة، وهو هاشتاغ انتشر في وسائط التواصل الاجتماعي بتونس، وفيه إقرار بارتكاب جريمة. لم يكن هناك فعل جرمي بل سخرية...
في مدينة "القطار"، المطلب الشعبي قطار للمسافرين
انعقد في 6 شباط/فبراير الجاري، يومٌ ناهَض فيه التونسيون العنف والاغتيال السياسي. وفي حديقة الشهداء وسط مدينة القطار في ولاية قفصة، ارتفعت أغان شبابية وتجمهر الأهالي. كانت تلك هي الحفلة...