في شارع جبرة بالخرطوم امرأتان تصنعان وحدهما موكباً ثورياً، نسائياً خالصاً . تسيران وهما تطلقان هتاف الثورة الأشهر على إيقاع النقرات: "حريّة سلام عدالة الثورة خيار الشعب". لم يكن هذا هو المشهد النسائي الخالص الوحيد الذي تنقله لنا وسائل التواصل الاجتماعي ضمن مشاهد الحراك الثوري الحالي في السودان، الذي اندلع في 19 كانون الاول/ ديسمبر الماضي، فطالبات جامعة الأحفاد في أم درمان، وهي إحدى الجامعات الخاصة ذات التاريخ العريق، يهتفن في تظاهراتهن "هوي يا بنات ابقوا الثبات، الثورة دي ثورة بنات "، ويغنين معا في مشاهد أخرى الأهازيج الوطنية والثورية. أما في المواكب الثورية الأخرى المعتادة ، فتعلو أصوات النساء لتقود الهتاف، كما تنطلق زغاريدهن المميّزة التي تلهب حماس المتظاهرين.
كَنداكة
الحضور النسائي البارز والقيادي في الاحتجاجات ليس أمراً جديداً أو استثنائياً، بل هو له امتداد تاريخي سجلته المرأة السودانية في كلّ المناسبات. "كنداكات" هو اللقب الذي يطلق في السودان على النساء الثائرات. تخبرني فتاة سودانية: "الكنداكة هو لقب الملكة في الحضارة النوبية القديمة مثل لقب فرعون في مصر، فكثير من الممالك النوبية القديمة حكمتها نساء، وكن يشتهرن بالشجاعة والحكمة وحسن إدارة أمور الدولة. في الوقت الحاضر تطلق الكلمة على المتظاهرات باعتبارهن بطلات أو مناضلات". وتتعدد صور مشاركة "الكنداكات" في الحراك الحالي الذي يمثل الشباب كتلته الرئيسية، من التظاهرات والإضرابات إلى النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن دعم أسر الشهداء إلى تطبيب مصابي المظاهرات.. ومن النماذج البارزة في هذا الإطار "أم هزّاع"، وإبنها هو أحد شهداء الانتفاضة التي وقعت في أيلول/ سبتمبر 2013، وهي التي تتولى تنظيم مواكب الاحتجاج في "شمبات" بالخرطوم بحري، في سياق نضالها المستمر من أجل استعادة حق ابنها المغدور.
قمع
يمتلك السودان سجلاً حقوقياً بالغ السوء. فكثيراً ما تحدثت التقارير الحقوقية عن انتهاكات جسيمة بحق المعارضين السياسيين والمعتقلين، تتضمن اعتداءات جنسية على الرجال والنساء. وكان مستخدمو فيسبوك قد تداولوا صوراً لغلاف وقائمة محتويات أحد الكتب لأستاذ جامعي وعضو في هيئة علماء السودان، قالوا إنه يؤصل للتعذيب "شرعياً".
ووفقا لـ"منظمة العفو الدولية" يتمتع جهاز الأمن والمخابرات السوداني بسلطات واسعة، كما يحظى قانوناً بحماية من الملاحقات القضائية.
وقد رصدت منظمتا "العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش" انتهاكات عديدة قام بها الأمن السوداني لقمع الاحتجاجات الحالية منذ اندلاعها، تمثلت في إطلاق الرصاص الحي والمطاطي على المحتجين وضربهم بالهراوات واعتقالهم ومداهمة بيوت ومرافق طبية لملاحقة المصابين منهم وإطلاق غاز مسيل للدموع داخل المستشفيات واحتجاز الأطقم الطبية والاعتداء عليهم. كما تم اقتحام جامعة الأحفاد للبنات في أم درمان لتفريق الطالبات بالغاز المسيل للدموع والاعتداء عليهنّ بالضرب.
"ومنذ بدء الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، تحققت منظمة العفو الدولية وسجلت وقوع أكثر من 45 حالة وفاة، وإصابة أكثر من 180 شخصاً. ويقول مسؤولون حكوميون إن أكثر من 2600 شخص قد تمّ اعتقالهم واحتجازهم خلال الاحتجاجات المستمرة"، وفقاً لموقع المنظمة.
تداول مستخدمو فيسبوك صوراً لغلاف وقائمة محتويات أحد الكتب لأستاذ جامعي وعضو في هيئة علماء السودان، قالوا إنه يؤصل للتعذيب "شرعياً".
وكان تحقيق استقصائي قامت به "بي بي سي أفريقيا" قد أشار لوجود فرق اعتقال سرية مسلحة في شوارع الخرطوم، كثير من أفرادها ملثمون، يتعقبون المتظاهرين ويقتادونهم إلى مراكز اعتقال سرية، حيث يُحتجزون بلا تهم، ويواجهون التعذيب أحياناً.
اعتقال
لم تمنع هذه الظروف بالغة الصعوبة الشابات السودانيات من المشاركة في الفعاليات الاحتجاجية، وقد نالهن بطبيعة الحال نصيبهن من الاعتداءات اللفظية والجسدية والاعتقال. ووفقا لموقع صحيفة "التغيير" الإلكترونية المعارضة، لا توجد إحصائية رسمية بعدد المعتقلات منذ بدء الحراك، ولكن العدد الذي حصرته مبادرة "لا لقهر النساء" بلغ 157 معتقلة من فئات عمرية مختلفة، بينهن رموز نسائية وناشطات. وكان "تجمع المهنيين السودانيين" قد نظّم مسيرة إلى سجن النساء بأم درمان في العاشر من شباط/ فبراير الماضي لإعلان التضامن مع المعتقلات والمطالبة بإطلاق سراحهن.
ع. م.
فتاة سودانية في أواخر العشرينات، جامعية وناشطة منذ سنوات في إحدى منظمات المجتمع المدني التي تعمل في المجالات التنموية بالخرطوم. جرى اعتقالها خلال الأسابيع الماضية أثناء مشاركتها في إحدى المظاهرات بمنطقة بُرِّي شرق الخرطوم. تقول: "معظم المعتقلات معي كنّ شابات في العشرينات، إحداهن كانت في العشرين تماماً من عمرها، وكانت هناك واحدة في الثلاثينيات، وأخريات أكبر سناً أفرج عنهن مباشرة، أما نحن فاستمر اعتقالنا لأسبوع ثم أطلق سراحنا بعد تهديدنا من عواقب العودة للتظاهر وإجبارنا على كتابة تعهد بعدم المشاركة في أية فعاليات ثورية. كنا من انتماءات قبلية مختلفة. هناك محتجون من نفس قبيلة الرئيس وهناك أبناء شخصيات قيادية بالحزب الحاكم والبرلمان جرى اعتقالهم من المظاهرات أيضاً. أما بالنسبة للمعتقلين والمعتقلات المنتمين سياسيا أو المعروف عنهم نشاط سياسي بارز فيستمر اعتقالهم لمدد أطول".
وعن تجربتها داخل المعتقل تقول: "بشكل شخصي، وبخلاف تقييد الحرية، لم أتعرض لانتهاكات، ولكن في أول أيامي بالمعتقل التقيت بطبيبة شابة في الخامسة والعشرين تقريباً، تم اعتقالها هي وزملائها من إحدى العيادات المخصصة لعلاج مصابي المظاهرات. كانت منهارة وتبكي بحرقة وتحكي لي عن تعرضها للتحرش الجنسي.. وكنت أحاول تهدئتها. وأخبرتني أنها تعرضت للضرب وللألفاظ المسيئة وأن "الأمنجي" كان يسخر منها ويقول: عاملة فيها دكتورة وعايزة تعالجي المصابين".
لا توجد إحصائية رسمية بعدد المعتقلات منذ بدء الحراك، ولكن العدد الذي حصرته مبادرة "لا لقهر النساء" بلغ 157 معتقلة من فئات عمرية مختلفة، بينهن رموز نسائية وناشطات.
تضيف: "بعد خروجي أيضاً عرفت من كثير من الفتيات في محيطي تعرضهن لانتهاكات جنسية أثناء فترة اعتقالهن وللضرب والتهديد، وكان من بين وسائل الترويع التي استخدمت ضدهن إطلاق الرصاص بالقرب منهن وحلق شعورهن".
وعن أثر التجربة فيها تقول: "أنا أول مرة يتم اعتقالي، لكن كانت تجربة استفدت منها، عرفت من جوه الناس دي كيف عاملة وكيف بتفكر كمؤسسة أمنية وكأفراد عاملين فيها، فقادة "المؤتمر الوطني" أو "الحركة الإسلامية" هنا في السودان غاسلين مخ الضباط والعساكر ومفهمينهم أن المحتجين ضد النظام في الشارع ديل ناس كفار طالعين ضد الإسلام، وديل مخربين عايزين يخربوا البلد، وإنهم شيوعيين عايزين يحكموكم ويشيلوا الدين.. فماليين ليهم راسهم بأفكار كتير غلط عن الشارع البرّه وهم مقتنعين تماما بالكلام دا". تضيف: "جعلتني التجربة أيضاً أكثر خبرة في التعامل مع قوات الأمن والتحرك أثناء التظاهر لتفادي الاعتقال".
"محايداً" إزاء الخراب؟ رد شابة سودانية شجاعة
15-02-2019
بعد أسبوع راحة استعادت ع. م. نشاطها بالنزول للعمل والمشاركة في التظاهرات من جديد: "الخوف موجود.. في لحظة اعتقالنا وأثناء وجودنا داخل المعتقل.. وحتى قبل الاعتقال ونحن مختبئون بالبيوت وتصلنا أصوات الأمن من الخارج.. أكيد باكون خايفة وشايلة همَ أنه ممكن يحصل لي ويحصل لي.. ولحد ما طلعت أنا ما مصدقة إني طلعت كويسة وما حصلتليش أي حاجة.. فالخوف موجود والزول (الانسان) بيخاف إن تحصل له الحاجات دي، لكن الحاجة اللي مرقنا عشانها أكبر من الخوف ده.. عشان كده دي اللي بتقوينا وتخلينا بعد الاعتقال بنطلع تاني مرة واتنين وتلاتة لحد ما النظام ده يسقط". وعن الأهل: "الأهل طبعاً بيخافوا خاصة على البنات من أن يمسسهن أي سوء.. لكن أنا مثلاً أمي بتخاف لكن أبوي كان يشجعني ويدعمني.. وحتى بعد ما طلعت من المعتقل كان داعمني شديد.. كان بيقول لي دي قضيتك وأنتِ من حقك تدافعي عنها وان دي بلدنا السودان.. رغم أن والدي غير مسيس ولا يشارك في المظاهرات.. لكنه لم يمنعني من الخروج أو يطلب مني الكفّ عن المشاركة والمكوث في المنزل".
نادية (اسم مستعار)
فتاة في أواخر الثلاثينيات، تجربتها في الاعتقال مختلفة، فهي لم تشارك في التظاهر، بل كل ما قامت به هو تقديم الدعم المادي والإنساني لمجموعة من أسر الشهداء وجمع تبرعات لهم مع بعض زملائها في إحدى المنظمات التنموية بالخرطوم. أبلغها رجال أمن بزي مدني بأنها "مطلوبة أمنياً" واصطحبوها من منزلها بعد أن رفضت الذهاب معهم عندما حاولوا توقيفها في الشارع وهي سائرة بعربتها في طريق عودتها من العمل. في مركز الأمن ب"شندي" تم احتجازها وبدأوا في استجوابها لساعات حول أسرتها، أصدقائها، العمل، النشاط السياسي، السفر، هل تعرف أجانب ، مجموعات الفيسبوك والواتس أب.. كما قاموا بتفتيش هاتفها المحمول للحصول على هذه المعلومات.. "حتى هذا الوقت لم أكن أعرف سبب اعتقالي، بعدها احتجزوني في غرفة متوسطة التجهيز بمفردي، لم أتعرض لانتهاكات لكن الحبس والاستجواب بحد ذاتهما مزعجان بالطبع. في اليوم نفسه جاءوا في الغرفة المجاورة ببنات ألقي القبض عليهن من مظاهرات ذاك اليوم.. ما بين طالبات وصحافيات وأخريات اعتقلن لمجرد مرورهن بموقع المظاهرة.. كانت إحداهن تعتقل للمرة الثانية.. البعض أطلق سراحهن في اليوم التالي والبعض الآخر في اليوم الذي يليه.. أما أنا فاستمر احتجازي.. في اليوم الرابع استدعيت مرة أخرى للاستجواب الطويل، وعندها عرفت سبب اعتقالي.. الانزعاج كان من التبرعات المالية التي نجمعها وما إذا كانت آتية من الخارج ويذهب جزء منها لدعم الثورة، وما إذا كانت للمنظمة التي أعمل بها علاقة بأية جهات سياسية.. أنا كنت مصنّفة عندهم"مهنيين" (نسبة "لتجمع المهنيين" الهيئة الرئيسية في هذا الحراك) كوني موظفة في إحدى الهيئات، وهو تصنيف أصعب من تصنيف "طلبة".. أطلقوا سراحي بعدما تأكدوا بالتواصل مع جهة عملي من عدم وجود تاريخ لي في العمل السياسي".
ترى نادية أن الحراك الثوري الحالي بالسودان أكثر قوة من أي حراك شهدته البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنه لا يزال بحاجة لاستجابة جماهيرية أوسع لتحقيق الزخم القادر على فرض واقع جديد، "ربما يؤثر سلبيا على استجابة الناس الخوف من بطش السلطة، وأيضا الحالة العامة من التشكك في جدوى الثورات بعد ما آلت إليه أوضاع ثورات في بلدان عربية أخرى" ورغم استيائها من الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدها فقد كان لها موقف متحفظ من الثورة منذ بدايتها، لعدم ثقتها في وجود شخصية سياسية تمتلك رؤية من القوى السياسية المعارضة التي يسيطر عليها كبار السن على حد تعبيرها، بالإضافة إلى ما أصابها من إحباط بعد مصير الثورات العربية خاصة في مصر المجاورة "صراحة أبهرتنا جميعا الثورة المصرية وأشعرنا سقوط مبارك بسعادة طاغية، لكن تطورات الأحداث فيما بعد كانت مخيّبة للآمال".
الصحافة لا تغطّي الاحتجاجات
يحتلّ السودان المرتبة 174 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2018. وتعتبر المنظمة النظام السوداني برئاسة عمر البشير "معادياً بشكل استثنائي لحرية الصحافة"، فكثيراً ما يلجأ للتضييق والرقابة على الصحف أو إغلاقها، لاسيما المستقلة والمعارضة، والى قطع الإنترنت. وقد أدانت المنظمة انتهاكات الحكومة السودانية "المنهجية" ضد وسائل الإعلام، مشيرة إلى أنها قامت بحصر أكثر من مئة انتهاك لحرية الصحافة خلال الشهر الأول من الاحتجاجات شملت توقيف صحافيين وسحب اعتماد مراسلي وسائل إعلام أجنبية. وكانت يسرا الباقر، مراسلة إحدى القنوات الريطانية، قد صرّحت بأنها غادرت السودان بعد تلقيها تهديدات من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني بتوجيه تهم لها بالتحريض على إثارة الكراهية، عقب إذاعة القناة تقرير أعدّته تضمن مقابلة مع زوجة أحد مصابي المظاهرات. كما رصدت المنظمة تعرّض عدد من الصحافيين للاعتداء الجسدي على أيدي أفراد قوات الأمن.
تقول الصحافية شمائل النور التي تعرضت للاعتقال مرتين: تتعرض صحيفتي لرقابة مسبقة في المطبعة حيث يأتي ضباط الأمن ويقومون بمهام رئيس التحرير، يسمحون بنشر هذا ويمنعون نشر ذاك.. نحن كصحافيين لا نستطيع نقل ما يحدث في الشارع في صحفنا اليومية، لذلك نلجأ إلى تحويل صفحاتنا في فيسبوك إلى إصدارات تغطي الحدث من الشارع.
وقد أعلنت المنظمة في مؤتمر صحافي عٌقِد في باريس منتصف شباط/ فبراير الماضي أن 79 صحافياً على الأقل تم توقيفهم منذ بدء الاحتجاجات في السودان. ويشمل العدد الصحافيين الذين يغطون الحراك الشعبي، وكذلك أولئك الذين احتجوا على سياسة النظام تجاه الصحافة والرامية إلى الحد من تغطية الأحداث.
وكانت السلطات السودانية قد أطلقت سراح الصحافيين المحتجزين بعد لقاء البشير بعدد من رؤساء تحرير الصحف (في السادس من شباط/ فبراير الماضي). لكنّ ملاحقة الصحافيين لم تتوقف، فقد اعتقل على سبيل المثال لا الحصر، عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة "التيار"، عقب انتقاده إعلان الرئيس السوداني لحالة الطوارئ أواخر الشهر الماضي، وهو لا يزال قيد الاعتقال. ووفقاً لبيان صادر من "شبكة الصحافيين السودانيين"، التي دعت لإضراب عام للصحافيين يوم 5 آذار/ مارس الجاري تنديداً بالإجراءات الحكومية ضد الصحافة والصحافيين، فإن جهاز الأمن منع طباعة عدد من الصحف (أبرزها "الجريدة)" لعشرات المرات خلال الفترة الماضية، كما صادر جرائد أخرى بعد الطبع، على الرغم من الرقابة المسبقة المفروضة على الصحف، وذلك بهدف إنهاك الصحيفة مالياً، وهو أسلوب درج الأمن السوداني على ممارسته، وفقاً للبيان.
ووفقا للشبكة أيضاً، فإن عدد من الصحافيات جرى اعتقالهن أثناء تغطية المواكب الاحتجاجية مثل درّة قمبو ونضال عجيب وأمنيات محمد ورشان أوشي.. قبل أن يطلق سراحهن لاحقاً. الصحافية السودانية في جريدة "التيار"، شمائل النور، تعرّضت للاحتجاز مرّتين منذ بدء الحراك، أولاهما حينما كانت تنفذ وزملاءها في الجريدة إضراباً عن العمل احتجاجاً على القمع الحكومي للصحافة، والأخرى أثناء تغطيتها لأحد المواكب وسط الخرطوم. ولم تتجاوز مدة احتجازها بضع ساعات، كما تم منع نشر عمودها اليومي. تقول: تتعرض صحيفتي "التيار" لرقابة مسبقة في المطبعة حيث يأتي ضباط الأمن ويقومون بمهام رئيس التحرير، يسمحون بنشر هذا ويمنعون نشر ذاك.. نحن كصحفيين لا نستطيع نقل ما يحدث في الشارع في صحفنا اليومية، لذلك نلجأ إلى تحويل صفحاتنا في فيسبوك إلى إصدارات يومية تغطي الحدث من الشارع.
وتضيف أن مدة احتجاز الصحافيين تتراوح بين ساعات وأسابيع، وفي بعض الحالات يتم الإفراج عنهم دون إجراء، وفي حالات أخرى تقدّم السلطات بلاغات ضدهم لدى الشرطة ويحوّلون للمحاكمة.. ثم يتم شطب البلاغات لاحقاً. وفي حين لم يحقّق مع بعض الصحافيين الذين جرى اعتقالهم، فإن آخرين خضعوا للتحقيق بشأن علاقتهم بـ"تجمع المهنيين السودانيين" الذي يقود الاحتجاجات.
لا تزال العديد من الأسئلة تثار في ملف المرأة والحركة الاحتجاجية في السودان، يتعلق بعضها بدور المطالب النوعية للنساء لتعزيز مشاركتهن في الحراك، وبعضها الآخر بالتركيبة العمرية والطبقية للنساء المشاركات في ظلّ وجود أكثر وضوحاً للشابات المتعلمات المنتميات للطبقة الوسطى..
من جانبها تقول الصحافية مناهل حماد إن الصحافة السودانية ظلت تعاني من قيود النظام عليها قبل اندلاع الاحتجاجات وصارت القيود أشد وطأة الآن، مما يجعلها معزولة عن نشر حراك الشارع باستثناء إشارات باهتة لـ "احتجاجات محدودة". فالرقيب الأمني بالمرصاد لأي تغطية صحافية تنشر مواد معارضة: "العديد من كتاب الأعمدة لدينا تم منعهم من النشر مثل عثمان شبونة وسلمى التجاني ومحمد عبد الماجد وسهير عبد الرحيم وغيرهم"، مشيرة إلى أن الوضع يصير أسوء مع إعلان حالة الطوارئ التي تمكّن السلطات من اعتقال ومحاكمة أي شخص لمجرد كتابته عن الثورة على مواقع التواصل الاجتماعي.
شِعر المرأة.. ثورة
من مظاهر مشاركة المرأة في الحراك الحالي أيضا القصائد الثورية المناهضة للرئيس ونظامه. وتبرز هنا الشاعرة السودانية الشابة مروة بابكر، التي تبث عبر صفحتها على موقع فيسبوك "بقايا قصيدة"، مقاطع لا تتجاوز مدتها دقيقة تتضمن قصائدها التي تنظمها تفاعلاً مع الأحداث الحالية. وهي طبيبة تقيم في الولايات المتحدة، وتعرِّف نفسها على صفحتها بالقول "طبيبة، عالمة مخ وأعصاب، أكتب وأحلم". ويتفاعل معها جمهور الفيسبوك بشكل لافت، وقد أطلق عليها بعض متابعيها لقب "صوت الثورة".
من قصائدها ردّاً على تصريحات صلاح قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني في السودان، حول دفع دية لأسر الشهداء:
لا تزال العديد من الأسئلة تثار في ملف المرأة والحركة الاحتجاجية في السودان، يتعلق بعضها بدور المطالب النوعية للنساء في تعزيز مشاركتهن في الحراك، وبعضها الآخر بالتركيبة العمرية والطبقية للنساء المشاركات في ظلّ وجود أكثر وضوحاً للشابات المتعلمات المنتميات للطبقة الوسطى.. والأهم هو كيف ستترجم المشاركة النسائية الفاعلة على الأرض إلى مشاركة فاعلة أيضاً في أي خريطة سياسية تشهدها البلاد مستقبلاً. وهذا مرتبط بما سيتمخض عنه الحراك من أجل التغيير في السودان.