لم تحد مطالبات الحركة النسائية البحرينية عن أصل الحكاية التي تأسّست في 8 آذار/مارس 1857 بتظاهرة عاملات مصانع النسيج الأميركية للمطالبة برفع الأجور وتقليل ساعات العمل، حتى تجدّدت في تظاهرات 1909 لمطالبات أشمل للحقوق الاقتصاديّة والسياسيّة. فقررت "الاممية الاشتراكية" المجتمعة عام 1911 تخصيص يوم عالمي للمرأة، أقرته واعتمدته الأمم المتحدة في 1977...
كان ولا يزال لافتاً حضور البحرينيات في مشهد التحولات التاريخية وفي أزمان شديدة التعقيد. اتسم أحياناً بالبطء بسبب بنية الحركة النسائية وأهدافها ذات النمط التطوعي الخيري، وبكثافة وبملامح سياسية في الزمن الحاضر كحراك 2011. بيد إنّ ذلك لا يمنع السؤال والنبش عن قدرة هذه الحركة النخبوية على جني الاستحقاقات بزمن الثورات وذلك عبر معاينة حجم مشاركتها وحضورها في هذا الحراك. القضية التي حفزت السؤال تولدت على خلفية الحملة السجالية التي تعرض لها الاتحاد النسائي البحريني مؤخراً بعد تقديمه تقرير الظل الأهلي الثالث إلى "لجنة سيداو" التابعة للأمم المتحدة قبل أسابيع، لا سيّما بما تضمنه من قضايا متعدّدة أبرزها مسألة العنف السياسيّ ضد المرأة، وما احتواه من شهادات حية كشفت عن نوع الانتهاكات التي أعقبت انتفاضة 14 شباط 2011، وحجمها، وذلك استناداً إلى المادة 429 من "تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق" الذي ذكر "إنهن تعرضن للانتهاكات كالقتل بالرصاص واستنشاق غازات سامة وتفتيش المنازل بإفزاع الأطفال والاستيلاء على حلي النساء وتهديد بالاغتصاب ـ 58 حالة منهن ـ فضلاً عن تجاوزت تتعلق بانتهاك حرمة السكن والتوقيف والفصل من العمل ومن الجامعة وسحب الجنسية والبعثات والمنع من السفر".
وعليه طالب تقرير السيداو الأهلي بتشديد العقوبات على موظفي إنفاذ القانون مّمن يمارسون العنف ضد النساء، وتعويض المعتقلات البريئات، لاسيّما وإنّ بعض من أُرجعن من المفصولات لم يُرد الاعتبار لهن أو تعويضهن، وظلت 135 منهن مفصولات من أعمالهن، إضافة إلى إعادة النظر في المادة 353 من قانون العقوبات المتعلقة بالسماح بزواج المغتصب من ضحيته، لما في ذلك من تمييز ضد المرأة وهروب للجاني من العقوبة، وتعديل قانون الجمعيات الأهلية بما يضمن استقلاليتها، علاوة عن مشاركة المرأة السياسية، خصوصاً مع استمرار الفجوة الجندرية في تقلد المناصب القيادية الرسمية التي تّتم وفقاً لمعايير الولاء والقرابة، والمطالبة بالكوتا وإقرار قانون الجنسية للبحرينية المتزوجة من أجنبي، وقانون الحماية من العنف الأسري التائه بين غرفتي التشريع منذ أكثر من أربع سنوات، وسحب التحفظات عن مواد اتفاقية سيداو".
الحقيقة، اثارت القضايا السالفة لغطاً كبيراً، فهناك من فند وكذب تلك الحقائق وجهد لشق صف الاتحاد النسائي عبر تحفيز بعض أعضاءه الموالين للسلطة بإصدار بيان يتنكر فيه لما ورد، ويهدّد بالمحاسبة والمكاتبة والانسحاب. فمن وجهة نظر هؤلاء، حققت البحرينية النجاحات والتقدم وتقلدت أعلى المناصب... وتوعد بعضهم الآخر بمقاضاة الاتحاد بالتزامن مع حملة شتائم شرسة وتخوين وقذف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي وضع الاتحاد على المحك في مواجهة هؤلاء من جهة، ومن جه أخرى اختبار جديته أمام الشارع من جهة أخرى الذي يموج أسبوعيا بمشهد المسيرات التي تتقدمها آلاف النساء، تطالب بتشكيل حكومة تمثل الشعب وبرلمان كامل الصلاحيات ووقف اعتقال النساء والأطفال وحصار المناطق وممارسة التميّيز الطائفي واستشراء الفساد والتجنيس السياسي، حتى صدر الأمر الملكي مؤخراً بتجديد عضوية "اللجنة الوطنية" الرسمية لمتابعة إدماج المرأة في التنمية، وإدراج الاتحاد النسائي في إطار عضويتها، ما أحدث التباساً حول طبيعة هذا التعييّن وعلاقته بالدور المتوقع من الاتحاد. وهل سيتم هذا الدور عبر الالتحام بمطالب الشارع الذي تتواجد فيه الآلاف ممن ارتكبت بحقهن الانتهاكات ولهن مطالب سياسيّة وحقوقيّة واقتصاديّة؟ أم إنّ دوره سيتمحور، تحت ضغط بعض النخبويات، في حدود قانون الجمعيات المقيد وفي صالونات وقاعات الاجتماعات، أم إنه سيكون قبالة معادلة صعبة ومعقدة تتراوح بين نقيضين؟
تبدو الإجابة صعبة ومربكة إنّ أدركنا طبيعة تكوين الاتحاد النسائي واتجاهاته التي تتّسم في نهاية المطاف بالنخبوية، بمعنى انّه لا يمثل قطاعات عريضة من النساء بسبب تسيّد اتجاهات تيارات الإسلام السياسيّ على المشهد العام وانفصاله التام عن نشاطها، ناهيك عما يعانيه من شح في الموارد المالية التي تؤثر بهذا الشكل أو ذاك على استقلاليته ووقوعه فريسة تجاذبات ومغريات المال السياسي، كإعانات وزارة التنمية أو المنظمات الدولية، إضافة إلى الأمراض الاجتماعية المعتادة وأبرزها التنافسات بين اعضائه، والانكفاء على الذات بعيدا عن حراك الشارع باتجاهاته المتباينة، في ظل عدم تجدّد دمائه بعناصر شابه قادرة على بلورة رؤية متطورة للعمل بما يتناسب ومتغيرات المرحلة التي تعصف بالمنطقة.