البحرين وادعاء الإنجازات

يزخر الخطاب النسوي الرسمي في البحرين، سواء في ظاهره أو في تجلياته، بالأنا المتضخمة حد الثمالة، مقروناً بالظاهرة الاحتفالية الفقاعة التي ما فتئت تنتشر ويتسع مداها وتأثيرها، وانما في محيطها ليس إلا. يمثل هذا الخطاب مشهداً من مشاهد تسليع الذات وتسويغها على مستوى الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، حيث يتمتع أصحابه بوسائل الهيمنة، من مال وإعلام. بيد انه يواجه آلاف النسوة المتشحات بالسواد،
2013-03-13

منى عباس فضل

باحثة من البحرين


شارك
(من الانترنت)

يزخر الخطاب النسوي الرسمي في البحرين، سواء في ظاهره أو في تجلياته، بالأنا المتضخمة حد الثمالة، مقروناً بالظاهرة الاحتفالية الفقاعة التي ما فتئت تنتشر ويتسع مداها وتأثيرها، وانما في محيطها ليس إلا. يمثل هذا الخطاب مشهداً من مشاهد تسليع الذات وتسويغها على مستوى الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، حيث يتمتع أصحابه بوسائل الهيمنة، من مال وإعلام. بيد انه يواجه آلاف النسوة المتشحات بالسواد، ممن يتصدرن التظاهرات في الميادين، ما يكشف حالة من هشاشة وضعف، إذ في حقيقة الأمر، يواجه هذا الخطاب إحراجاً فاقعاً فاضحاً بكل المقاييس والمعايير. كيف؟

رغي لفظي وفقاعات تسويقية

ظاهر هذا الخطاب النسوي الرسمي الذي يتبرقع خلف الحالة الاحتفالية التي تعج بها المنصات الإعلانية في الشوارع والمنتزهات، وفي كليشيهات الصحف وإعلانات الفضائيات، وبما يبث عبره من أخبار وتقارير، ودراسات أعدها خبراء مأجورون منتفعون، تضخ نتائج إنشائية جامدة ساكنة معلبة ومدوزنة في تركيبتها وعرضها لما تم إنجازه في قضية قضايا تقارير التنمية البشرية، ألا وهي حقوق النساء وأوضاعهن في الشأن العام والسياسة والاقتصاد. لكنه يتلاعب بالألفاظ والمصطلحات والمفاهيم النضالية والحقوقية للنساء، يفرغها من مضامينها، يوظفها لرفع وتيرة الرغي بالإنجازات. والتعمق في أبعاده ارتكازا على الحقائق الصادمة، يكشف تخيلات رؤى لم تغادر مواقع أصحابها وأحبارهم على الورق، هي أشبه برغوة الصابون.

يجهد الخطاب النسوي الرسمي في نسب إنجازات فقاعات لنفسه، جعجعة كثيرة عن تمكين المرأة سياسياً في إطار حملات العلاقات العامة، وإبراز الذات المتضخمة بأنها المدافع عن حقوق المرأة وقضاياها، وإنه أول من منح النساء حقهن السياسي، وتصدرت أجندته تعيينات المرأة في السفارات والوزارات وسلك القضاء. يتحدث كثيراً عن اعتماد منهجيات وبرامج عمل أوصلتها لمواقع صنع القرار، كما في انتخابات 2002، التي تصدرتها جولات وزيارات ميدانية للمساجد والمآتم في المحافظات الخمس، ويدعي تنفيذ الدعم الفني والتدريبي العملي لمن شاركن في انتخابات 2006، وتكللت نتيجتها التي يتم التباهي بها بفوز إحداهن بالتزكية في دائرة انتخابية مصطنعة. أما في انتخابات 2010، فنفذت برامج تقيمية لمشاركة البحرينية فيها وإبراز الصعوبات التي تواجه المترشحات. برافو!
اكتمل مشهد الحدوتة برغوة أخرى حدثت في الانتخابات التكميلية 2011، أي بعد قمع الانتفاضة الشعبية وفوز أربع نساء بمقاعد في البرلمان. ما لا يُفصح عنه ويُعرف مسبقا هو ان وصولهن جاء على خلفية انسحاب "كتلة الوفاق المعارضة" إثر تداعيات انتفاضة 14 فبراير، واستنكاف قوى المعارضة وشارعها العريض من المشاركة في هذه الانتخابات احتجاجا على كمية الانتهاكات التي ارتكبت ولا زالت حتى اللحظة.

ما هو تمكين المرأة؟

الخطاب الرسمي النسوي يُعرِّف التمكين السياسي للمرأة بأنه خوض انتخابات ليس إلا، فتارة يقدمها كمترشحة، وأولى الأوائل في التعيينات بقرارات فوقية لهذا المنصب أو ذاك، تبعاً لمقاييس الولاء للسلطة، وتارة أخرى يسرد الانجازات التي يجترها في كل المناسبات، ومسابقات تتلوها جوائز لأفضل مؤسسات رسمية وخاصة لمن يدعم تمكين البحرينيات في العمل، التزاماً بعدم التمييز ضدها، ومنح أوسمة الولاء وإعداد قوائم التكريم، واقتراح قوانين وتوصيات وتدابير ترقيعيه تتعلق مثلاً بإعفاء من رسوم، أو منح تأشيرات أو تقديم خدمات صحية وتعليمية والإقامة لحل إشكالية عدم منح الجنسية لأبناء الأم المتزوجة من أجنبي، وتسهيل إجراءات إصدار وثيقة سفر محددة الزمن لأبنائها في حالات خاصة كالسفر للدراسة أو العلاج في الخارج، وتوفير مساعدة قضائية مجانية للمعوزات، وتقديم دعم جزئي لمحدودات الدخل في القضايا الشرعية التي استنفذت محاولات الصلح بين الزوجين...الخ. وهو يقارن نفسه بأسوأ الاماكن في بلدان الخليج، ويراها جميلة!
يتجاهل هذا الخطاب وجود المرأة المعارضة وحراكها السياسي اليومي في الشوارع والميادين. ويصم آذانه عن مطالبهن. والاخطر أنه لا يود التعرف الى كمية وكيفية تجاوز القواعد الإنسانية والحقوقية لهن، وبما يخالف الاتفاقيات الدولية التي تم التوقيع عليها، وما تعرضت له المتشحات بعباءاتهن السوداء في مضمار تحدي القمع والضرب، ومن مست كرامتهن وتعرضن للانتقام والإذلال من نساء الطاقم الطبي والتمريضي، وفي قطاع التعليم والصحافة والإعلام. يتجاهل من أوقفن عن أعمالهن واعتقلن بسبب مشاركتهن في الاحتجاجات. يدفن هذا الخطاب رأسه في الرمل كالنعام حين تردد أمامه عبارة شهيدة، أو أم شهيد/معتقل أو أخته أو زوجته أو ابنته، فهي تعري خطاب الانجازات المنفوخ الذي أماطت الانتفاضة اللثام عنه، وعن ازدواجية معاييره المقرونة بصمت الصامتات عن هذه الموبقات. وأقل ما يقال عن هذا الصمت انه غير اخلاقي.
هكذا تبدو مهمة الخطاب الرسمي النسوي تجميل الواقع بتسويغ المفاهيم والمصطلحات الحقوقية للمرأة، وهو يجهد لإخفاء حقائق انتهاك هذه الحقوق على مستوى الواقع العملي لقطاع وفئات عريضة من النساء.

            
 

مقالات من البحرين

للكاتب نفسه

خيارات الاتحاد النسائي البحريني

لم تحد مطالبات الحركة النسائية البحرينية عن أصل الحكاية التي تأسّست في 8 آذار/مارس 1857 بتظاهرة عاملات مصانع النسيج الأميركية للمطالبة برفع الأجور وتقليل ساعات العمل، حتى تجدّدت في تظاهرات...

شنطة يدي مجرد كيس

حتى منتصف القرن السابق، لم تكن جداتنا بحاجة إلى حمل حقائب تحتوي على هواتف نقالة أو حواسيب أو أكسسوارت كضروريات، بل إن حقائبهن في الموروث الاجتماعي لم تتجاوز ما يطلق...

سريالية السياسة في البحرين

دخلت البلاد منذ أسابيع في حالتها الربيعية الاحتفالية، عكستها لافتات إعلانات العروض والحفلات الموسيقية، والمهرجانات الثقافية والمؤتمرات وورش العمل على نفقة المال العام، واستقبالات حافلة لوفود من المشاهير (فنانين، مطربين،...