لا يرتبط الموريتاني بعلاقة حميمة مع الفن التشكيلي، بل هناك من ينظر للرسم والنحت على أنهما من المحرمات والأمور المكروهة. لكن ذلك لم يمنع بعض الموريتانيين من محاولة الاغتراف من سحر الرسم وعالمه وبثه في أرجاء البلاد. وبين الفينة والأخرى، تقام في العاصمة نواكشوط بعض المعارض الفنية. وعلى قلتها، فهي محاولات لخلق نوع من "التطبيع" بين المتلقي الموريتاني والفن التشكيلي.
معرض "موريتانيا في لوحة"
منذ بضعة أيام (16 شباط/ فبراير) افتتحت "جمعية التشكيليين الشباب"، معرضا بعنوان "موريتانيا في لوحة". الجمعية شبابية ترنو لتنمية الجوانب الثقافية والفنية للأجيال الموريتانية، وتهتم وتدعم الشباب من هواة الرسم والفن التشكيلي بصفة عامة.
شارك في المعرض ثمانية فنانين من الجنسين، ومن مختلف مكونات الشعب الموريتاني. وفي حديث مع رئيسة الجمعية، سلم منت الرحيل، قالت: "المعرض يتعلق بموريتانيا بكل تفاصيلها وتنوعها، عاداتها وتقاليدها ومشاكلها، والألوان التي يستخدمها الموريتانيون". وقد حضرت المعرض مجموعة من المثقفين ومتذوقي الفن التشكيلي في البلاد.
رصدت اللوحات حالات وتجارب ذاتية وعامة، وقدمت فيه موريتانيا المتنوعة، طبيعتها وحياة ناسها وحرفهم وفنهم وزخارفهم، وما يشغلهم ويومياتهم. تقول سلم وهي أيضاً من المشاركات في المعرض: "شاركت بمجموعة من اللوحات، واحدة تتحدث عن "شنقيط"، عن مسجدها التاريخي ومخطوطاتها الأثرية، وأخرى عن "الفلان"، وهي قومية إفريقية موريتانية، وأحببت أن أرصدهم بسبب أنهم مختلفون ولهم عادات متنوعة، وكذلك لأنهم ليسوا ضمن دائرة التغطية، إذ يتواجدون في داخل البلاد أساساً حيث يحتفظون بعاداتهم، عكس تواجدهم في العاصمة نواكشوط التي لا يتمايز فيها الناس كثيراً، ولأنني أنا من مكون "البيضان" وهو مجتمع مختلف عنهم، فأحببت أن أتحدث عن مجتمع آخر وأقدمه بنظرتي". وتضيف: "أما في لوحاتي الأخرى، فتحدثت عن مكانة المرأة في المجتمع مقارنة بالرجل والتي أرى أنها لا تزال في بعض الأحيان دونه ولا تساويه، ولوحتي الرابعة كانت عن مدينة "ولاته" وزخرفتها الجميلة والفريدة".
أما الفنان محفوظ ولد بوبوط المشارك هو الآخر بمجموعة من اللوحات، فقال: "أهم ما يشغلني هو الطبيعة والمناظر، وهي ما يسيطر على لوحاتي".
عوائق أمام الإبداع
محاولة خلق فضاء إبداعي وجمهور للفن التشكيلي في موريتانيا ليست مهمة سهلة، وحتى ممارسته معضلة، وكذلك الوصول لمرحلة احترافه. يقول ولد بوبوط: "أهم العوائق أمامنا كتشكيليين، هي غياب مدارس للفن التشكيلي في البلد، فأنا مثلاً لم أدرس الرسم بشكل أكاديمي، وموهبتي طورتها بمجهودي الذاتي والخاص".
وفي هذا تتفق معه زميلته سلم وتقول: "أصعب العوائق أنه لا يوجد أي مركز تكوين ولا كلية متخصصة في الفن التشكيلي بصفة عامة، وهذه مشكلة كبيرة جداً، لأن الموهبة لا بد من صقلها بالعلم".
محاولة خلق فضاء إبداعي وجمهور للفن التشكيلي في موريتانيا ليست مهمة سهلة، وحتى ممارسته فهي معضلة، وكذلك الوصول لمرحلة احترافه. والسبب هو غياب كلية للفن التشكيلي في البلد، وكذلك اعتباره من المحرمات.
كما تؤكد على أن " من أهم العوائق غياب التشجيع ولو بالحديث الطيب، وكذلك غياب اقتناء الأعمال الفنية وشرائها. وبالنسبة للنساء فواقعهن أصعب لأن هناك أسر لا تسمح لبناتها بالخروج ولا بالرسم. ونحن في الجمعية لدينا رسامات بأسماء مستعارة وذلك لأسباب عائلية، وطبعا هذا ليس عاماً ينطبق على كل الأسر، فأنا مثلاً لم أجد أي عائق من عائلتي، فأهلي دعموني كثيراً". وتنهي بأن "ما ينقص المبدعين الموريتانيين هو الإيمان بأنفسهم وبرسالتهم التي يحملون، فالمبدع حين لا يملك رسالة نبيلة لا يمكنه أن يقنع الآخرين بإبداعه. والشباب هنا يلزمه، لإقناع الجمهور، موائمة إبداعه مع ثقافة الناس وتطلعاتها. فأحياناً يفكر الفنانون بنظرة عالمية قد لا تناسب الإنسان المحلي". ويرى محفوظ ولد بوبوط أنه على الشباب الذي يحب الرسم والفن التشكيلي أن يعمل على تنظيم المعارض بشكل مستمر وفتحها للجمهور حتى يتعرف على ابداعاتهم ويطبِّع العلاقة مع عالم الفن التشكيلي".
السينما في موريتانيا لم تعد "سيارة العفاريت"
05-11-2013
ويضاف إلى ما قاله ولد بوبوط وسلم منت الرحيل كأسباب لضعف هذا القطاع، ضعف القدرة الشرائية لدى الموريتانيين بصفة عامة. فاحتراف الرسم والعيش من مردوده يصعب في دولة ترتفع فيها معدلات الفقر، وأما إقناء اللوحات فلا يمكن أن يكون أولوية لدى من يصارع بشكل يومي ليوفر ما يسد به الرمق وتقتصر حياته على ذلك، وفي ظل غياب دعم رسمي أو من القطاع الخاص وأصحاب رأس المال.. غير المكترثين بمحاولات الابداع المحلية تلك، والذين يقتني من يرغب منهم بالفن لوحات من السوق العالمية.