شكلت قمة شرم الشيخ العربية – الاوروبية نجاحاً دبلوماسياً يمكن اعتباره دعماً مقصوداً، في توقيته ومراميه، لحكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ذلك أن هذا المؤتمر قد تزامن مع "وجبة" اعدامات لعناصر من "الاخوان المسلمين"، بذريعة الاعداد لانقلاب على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وعسكره.. فضلاً عن تفاقم الازمة الاقتصادية في مصر التي تضيع فيها الهبات والشرهات والقروض من دون التخفيف من عجز موازنة الدولة أو وقف التدهور في سعر الجنيه، على الرغم من كل المحاولات التي تستهدف تجميل صورة "النظام" أكثر مما تتوجه إلى معالجة الاسباب الفعلية للتدهور، وهي سياسية بالأساس..
في أي حال، فقد لبت معظم دول اوروبا الدعوة، بقيادة أركان السوق الاوروبية المشتركة، وجاءت بريطانيا التي تعيش أزمة سياسية حادة لا تعرف كيف تخرج منها، بعد قرارها الانسحاب من مشروع الوحدة الاوروبية.. وجاء الرئيس الفرنسي ماكرون الذي تطارده تظاهرات الغضب بستراتها الصفراء، تعبيراً عن الازمة الاقتصادية التي تعيشها فرنسا بين الخوف من تبعات اغضاب الولايات المتحدة الاميركية اذا ما حاولت منافستها في بعض الاسواق التي كانت "تحتكرها" تقريباً، في بعض افريقيا وبعض الوطن العربي، وبين التسليم بعجزها الذي سيجعل الشعب ينام في الشارع.
كان الاعداد جيداً: اختيار شرم الشيخ الواقعة على حافة الصحراء مع البحر الاحمر، حيث لا شعب، ولا اصوات معارضة، ولو خافتة، ولا ازدحام يعطل المواكب المستعجلة بحراساتها الثقيلة، ولا مآذن لمساجد عديدة تزعج مكبرات الصوت فيها بالآذان المتكرر أسماع "الخواجات" الآتين من البعيد طلباً للهدوء والتفكير بعمق..
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في غاية الزهو وهو يتصدر منصة الرئاسة، مما قد يساعده على طلب تأجيل سداد الديون لسنة أو اثنتين أو أربعاً أو أكثر، فيخرج على المصريين بخبر مفرح عن إنجاز لعهد جديد. أما الوفود العربية المشاركة تحت الراية السعودية فقد رفعت صوتها بلسان الملك سلمان ضد ايران (ولعله، لو أخر كلمته يومين لكان فاخر بأن هذه القمة قد "اسقطت" وزير خارجية طهران، الذي قام بدور أساسي في الوصول إلى الاتفاق النووي مع واشنطن بقيادة (اوباما). المؤتمرين لم يلحظوا وجود الوفد الفلسطيني بينهم، وبالتالي فهم لم يتوقفوا، لا في خطبهم ولا في بيانهم الختامي حول "القضية المقدسة للشعب الفلسطيني وحقه في استعادة ارضه"..
ماكرون لدى السيسي: أسماك القرش!
01-02-2019
على أن هؤلاء المؤتمرين أنفسهم أظهروا اعتراضهم بل استنكارهم لتنفيذ احكام الاعدام في "عدد من المتهمين بأحداث الشغب" في بعض نواحي مصر، وحوكموا وحُكموا بوصفهم من التنظيم الارهابي ل"الاخوان المسلمين".. مما دفع الرئيس السيسي إلى الرد عليهم بفصاحة يحسد عليها: "لديكم عدالتكم، ولدينا عدالتنا، ونحن أدرى بأحوالنا، فلا تحكموا علينا وفق معاييركم.."
في أي حال فقد نجح السيسي في عقد القمة العربية - الاوروبية في مصر، ولوانه اختار نقطة بعيدة عن القاهرة وضجيج الملايين الذين يزيدوا نهاراً عن الاربعين مليوناً، ويتراجعون ليلاً إلى الثلاثين مليوناً، مع الضواحي الجديدة في منطقة المقطم وعلى الطريق بينها وبين القاهرة. وبالتأكيد فانه قد حقق أهم أهدافه منها وهو الحصول على قروض وهبات ومساعدات مختلفة قد تخفف من وطأة الازمة الاقتصادية الخانقة التي يعيش المصريون تحت ظلالها الوارفة..
بعيداً عن شرم الشيخ، فإن السعوديين ومعهم الخليجيين عموماً قد غمرتهم السعادة وهم يسمعون بخبر استقالة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف عبر انستغرام، وافترضوا أن النظام الاسلامي في طهران يعيش مسلسلاً من الصراعات التي تنهكه وقد تتسبب في انهيار عملته، رافضين سلفاً قبول أي احتمال منطقي قد تعلنه طهران او تظهره الايام المقبلة، والذي قد يعني تبديلاً في المواقع وليس في السياسة.. ولكن نبأ الاستقالة سرعان ما سُحب من التداول، بل أن الرئيس روحاني قد رفض قبولها، هو الآخر على انستغرام.. كما أعلنها ظريف.
وسرعان ما اتضح أن سبب الاحتجاج، وبالتالي الاستقالة، استبعاد ظريف عن اللقاء الذي عقده المرشد الايراني خامنئي مع الرئيس بشار الاسد، في زيارته السرية والمفاجئة لطهران والتي لم يصحب فيها أي مسؤول سوري. وهكذا فقد طوي امر الاستقالة، والجهد ينصب على معالجة تداعياتها.
.. وما تمت فرحة ملوك النفط والغاز.
أما لبنان فقد كان مؤتمر شرم الشيخ فرصة ممتازة لرئيس حكومته سعد الحريري، اذ مثّل بلاده فيه، وكانت فرصة إضافية للترويج لمؤتمر "سيدر" المقرر عقده في الايام القليلة المقبلة، والذي يراهن الحريري على المساعدات التي يطلبها، وهي بالمليارات، لإنعاش الاوضاع الاقتصادية، وسداد ما تيسر من الديون الخارجية الضاغطة على ميزانية الدولة التي تبدو خزينتها وكأنها من غير بواب.. هذا اذا صدق المتعهدون بالإقراض، وصرفت القروض الجديدة حيث يجب أن تنفق ولم تتبخر بين سماسرة الصفقات ومتعهدي الانجازات المشوهة..
في أي حال، فان الرئيس المصري قد هنأ نفسه على النجاح الذي حققه، عبر هذا المؤتمر الذي جمع العديد من كبار المسؤولين الاوروبيين، ووفر لإدارة السيسي الفرصة الممتازة للحصول على المزيد من القروض.. لعلها تعوض بعضاً من خيبة امل في النجدات السريعة من ملوك النفط العربي وامرائه.. مع الأمل الا تتأخر النجدة العربية كثيراً، فتلتهمها زيادة ملايين المصريين (105 ملايين، اليوم) بما يذهب بها قبل وصولها.