لعبت المرأة السودانية دوراً اصيلاً في الحياة السياسية للبلاد منذ الاستقلال، حاول حكم الجبهة الاسلامية الممتد منذ 30 عاماً طمسه، مستعيناً بقانون "النظام العام" لإذلالها، وكذلك لاضطهاد المعارضين. فالقانون فضفاض يمكن تفسيره حسب مزاج الذي يطبقه.
عند اندلاع الثورة في 19 كانون الاول/ ديسمبر الفائت، سابقت النساء الرجال في الخروج الى الشارع، نتيجة القهر متعدد الاشكال الذي عاشته. فقد سيطر على الدولة في السودان المنتفعين والموالين للنظام، وعرفت أحوال السودانيين تدهوراً معيشياً كبيرا، كانت النساء – كالعادة – اكبر ضحاياه. وشمل هذا الحراك كل النساء، حتى ربات البيوت اللواتي لم يكن لهن قبل ذلك اهتمام بالسياسة. وقد أجج غضبهن الطريقة التي كان يقتحم بها أفراد الأمن البيوت، دون احترام لأي قانون، وضرب الاطفال والنساء. هذا السلوك أفقد الحزب الحاكم الكثير مما كان متبقياً له، وبسرعة قياسية.
ومع بداية التظاهرات، تحولت كل المجموعات النسائية (التي يقال لها "القروبات"، حيث القاف تُلفظ "غين" باللهجة) في مواقع التواصل الاجتماعي من الاهتمام بالموضة والمكياج والاناقة الى خدمة الثورة (مثلاً مجموعة "منبرشات" على فايسبوك، وهي ليست متاحة إلا للأعضاء). وكانت نتيجة الهجمة الإعلامية القوية لهذه "القروبات" فضح النظام، واستعيدت كل جرائمه، من بداياته وحتى الوقت الحالي: جرائم الإبادة الجماعية في دارفور وجبال النوبة، والاغتصابات.. وهذه جرى تداول أخبارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً كبيراً في إعلام السودانيين بما يجري، وفي نقاشاتهم.
وهكذا أصبحت الثورة السودانية شيئاً محسوساً وملموساً. وجرى تناول كل الأساليب التي كان يستخدمها النظام، ومنها التخويف مِنْ أن السودان سوف يتحول الى سوريا اخرى أو الى يمن أخرى.. ولكن الثوار بثوا بلا كلل الوعي بأنهم ملتزمون بسلمية الثورة، لأنها ثورة تغيير مفاهيم ووعي جمعي. واستخدمت النساء لقب "الكنداكة" في استعادة لتاريخهن منذ آلاف السنين، حيث كانت الملكات في مملكة كوش في ذلك الزمن يلقبن بالكنداكة. وكن يقدن الجيوش ويحاربن الرومان. وفي الثورة الحالية كان للحماس الذي يلهب المتظاهرين دوره، فكانت الكنداكات يطلقن الزغاريد في وجه رجال الأمن ويقابلن بأسوأ أنواع الضرب والاعتقال، ولكنهن يفعلن من أجل دولة الحرية والقانون، ومن أجل الديمقراطية والعيش الكريم.
"مصادفة" السودان و"25 يناير"
24-01-2019
وكان من ثمار هذه التوعية التي تقودها مجموعات نسوية وناشطات، فضح ميليشيات النظام الذين قاموا باغتصاب 5 سيدات منذ أيام في معسكر للنازحين باقليم دارفور (معسكر زمزم)، مما دفع الامم المتحدة الى إرسال ممثلين عنها للتحقيق. وقمن كذلك بفضح أركان النظام حتى داخل بيوتهم وبين أبنائهم، مما دفع بأعداد كبيرة من أبناء المسؤولين في الدولة للانضمام الى هذا الحراك الذي اتخذ طابعاً شبابياً.
وكان للنساء السودانيات في بلاد المهجر دور كبير، حيث أغلب إدارات "القروبات" النسوية مكونة من نساء توزعن على دول العالم هرباً من بطش النظام. وقد نظمن حيث يقمن الوقفات الاحتجاجية وساهمن في الضغط على النظام خارجياً وعلى مستوى الاعلام والرأي العام وحتى على صعيد المواقف "الدبلوماسية".
اسم مستعار لشابة تقيم في أم درمان، أرسلت لـ"السفير العربي" هذا النص.