ندوات وحفلات توقيع لأشهر الكتاب.. حضور أهم نجوم المجتمع المصري في السياسة والفن والثقافة، تسليط الضوء على التجهيزات والتسهيلات التي تمت بداخل المعرض. التركيز على دور الجهات التنفيذية...هذه المحصلة النهائية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب فى دورته الـ50 التي بدأت في 22 كانون الثاني/يناير واستمرت الى 4 شباط/فبراير.. بينما غاب الاهتمام ببطل المعرض الأساسي: المواطن العادي.
فحكايات المواطن داخل المعرض خلال 14 يوماً، هي فترة إقامته، يبدو صوتها خافتاً (سواء على مواقع التواصل الاجتماعى أو حتى فى المواقع الإخبارية) مقارنة بضجيج تصريحات المسئولين، وأخبار الفنانين والمثقفين. لم يذكر أحد جولات الأمهات المرهِقة لشراء كتب التعليم المنزلى على سبيل المثال، ولم يهتم أحد بالمحاولات المضنية للشباب العاديين لشراء أكبر كمّ من الكتب بميزانيات زهيدة مناسبة لجيوبهم الصغيرة، أو حتى معرفة آراء الناس فى مكان المعرض الجديد وهل هو مناسب لهم أم لا؟
تنظيم معرض الكتاب بعيون زواره..
مع زحف الحشود إلى قاعات معرض الكتاب أملاً في إشباع ظمآهم السنوي للثقافة والترفيه، ظهرت بعض التحفظات حول الشكل والتنظيم الجديد. فلأول مرة ينتقل المعرض إلى "التجمع الخامس" بالقاهرة الجديدة، بعد 49 عاما من إقامته بأرض المعارض بمدينة نصر.
يقول أحمد صابر، وهو كاتب وله رواية بعنوان "مدينة العزلة" مشتركة في المعرض "المعرض تنظيمه عبقري وجميل، لكن في تحفظات على التنظيم لا يمكن إغفالها، زي أن دخول صالات المعرض أشبه بالعذاب لأنه بيتم تفتيش الأشخاص رغم أنه سبق تفتيشهم قبل كده على البوابات، فالسؤال هنا ليه التفتيش مرتين؟". أما الجزء الأصعب من وجهة نظره فهي الطوابير التي يتم تنظيمها لدخول الصالات والتي سببت زحاماً مهولاً: "لو خرجت من أي صالة بالغلط ورجعت هتقف في طابور طويل غير مبرر بالمرة".
مصطفى الطيب مسئول بأحدى الشركات الخاصة اعتبر أن المعرض جيد ولكن ينقصه التنظيم البشري الجيد. فعلى الرغم من وجود اللافتات التي تساعد الزوار على الوصول بسهولة لكل دار نشر لشراء الكتب، إلا أن الوصول الى قاعات اللقاءات والتوقيع أمر صعب جداً : "فضلت ساعة وربع رايح جاي على مكان حفل توقيع، محدش عارف يدلني، وفاتني ٣ لقاءات مهمة بسبب عدم القدرة على الوصول لقاعات بعينها وعدم وضوح مسارها، والفريق اللي بيساعد الناس في المعرض (سواء من العاملين أو المتطوعين) محدش فيهم عنده معلومة للأسف!".
محمود أبو بكر لم ينكر أن تنظيم المعرض كان مختلفاً عن كل عام من حيث سهولة الحركة والنظافة، ولكن في النهاية سيطر الطابع التجاري على أجوائه، فالمباني الفارهة فرضت على الرواد نوعاً من عدم الراحة، وأقامته في التجمع وهو أغلى وافخم أحياء القاهرة عزز هذا الضيق: "غير كده كمان بُعد المكان عن وسط العاصمة جعل الوصول له شيء صعب إلا بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية وبالتالي الشخص لن يستطيع زيارة كل صالات المعرض ويحتاج زيارة تانية، ده غير أن موضوع ركن السيارات أمر فى غاية الصعوبة".
ارتفاع الأسعار
"كتب كثيرة بأسعار زهيدة" هو حلم زوار معرض الكتاب دوماً. ومع غلاء أسعار الكتب بعد غلاء اسعار كل الاشياء، لم يعد هؤلاء الزوار يملكون رفاهية الحلم ولا تحقيقه. مجموعة كتب تتراوح ما بين 20 و50 كتاب بأسعار لا تتجاوز 200 جنيه هو ما استطاع البعض فعله، مع مراعاة عدم تأثير ذلك على ميزانية الشهر.
البعض وضع قوائم لأهم دور النشر التى تصدر كتب بأسعار مخفضة، بينما اعتمد آخرون على صيد الكتب القيمة ذات الطبعات الرخيصة، وفريق ثالث وضع لنفسه مهمة البحث فى أرجاء المعرض وشراء أرخص كتب فى كل دار نشر.
هبة سيد، طالبة فى كلية عين شمس، أكدت أنها استطاعت هذا العام شراء أكثر من 45 كتابا بمبلغ لا يتعدى 200 جنيه من خلال الاعتماد على التخفيضات التى تقدمها دور النشر المختلفة: "لازم اللي نازل المعرض يكون معاه خريطة لأهم دور النشر والهيئات الثقافية علشان يكون عارف ايه اللي يستحق يشتريه بسعر غالي أو رخيص، ويقدر يعرف التخفيضات ويلحقها زي تخفيضات الهيئة العامة للكتاب" .
أما إيناس أحمد، مهندسة، فعبرت عن شعورها بالسعادة لقدرتها على شراء 30 كتاب لأول مرة بمبلغ 200 جنيه، خصوصاً أن الكتب التى قامت بشراءها ذات قيمة ثقافية عالية: "الحقيقة أن ما تصدره الهيئة العامة للكتاب هى المُنقذ لنا بسبب جودة طباعتها وأسعارها المناسبة، وكذلك حال مطلوعات مكتبة الأسرة. يكفي أني اشتريت كتابين عن تاريخ الفلسفة اليونانية والأوروبية بـ7 و11 جنيه، علشان كده بقول لأي حد من المتخوفين من الذهاب لمعرض الكتاب بسبب الأسعار المرتفعة، روحوا وفعلاً هتنبسطوا"
اما أحمد صابر نفسه، فأكد أنه استطاع شراء 16 كتاب بمبلغ لا يتعدى الـ143 جنيه. قال:"أقدر أقول أن نجم السنة دي فى المعرض هى المراكز والهيئات الحكومية اللي أنقذت رواد المعرض البسطاء بطبعات الكتب العالمية والمهمة بأسعار مخفّضة مثل تخفيضات المركز القومي للترجمة التي وصلت إلى 30 في المئة على أهم الإنتاجات الأدبية مثل ثلاثية دانتي الكوميديا الألهية، اللي اشترتها بـ 30 جنيه فقط مع أنها غالية جداً فى دور النشر الخاصة، كذلك تخفيضات دار الهلال وأخبار اليوم".
من حديث الكتب والمكتبات في العالم العربي
24-04-2016
وأما ابراهيم عادل، وهو كاتب ورئيس نادي القراء المحترفين الأدبي فيقول أن "غلاء الأسعار وإرتفاع سعر الورق وأثرهما السلبي على أسعار الكتب، دفع القارئ إلى الأمساك بالعصا من المنتصف، فأصبح يبحث عن أفضل الكتب من حيث المحتوى الثقافي والأدبي وفى الوقت نفسه التي تناسب ميزانيته"، مؤكدا أن فكرة "كتب كثيرة بأسعار زهيدة" لها تأثير إيجابي فى تشجيع الكثيرين على الذهاب إلى المعرض، وبالتالى زيادة عدد القراء ومنح قبلة الحياة للهيئات الثقافية ودور النشر الحكومية التى تطبع بأسعار رخيصة مقارنة بالدور الخاصة، ولا يلتفت إليها أحد.
المعرض قبلة الأمهات لتعليم أطفالهن منزلياً
بالنسبة لكثير من الأمهات، لم يعد معرض الكتاب مجرد حدث ثقافي عادي، بل عيد تعليمي لأنه يقدم لهن بسهولة مناهج وأدوات التعليم المنزلي التي تساعدهن في تربية أولادهن بشكل مختلف، أو ما يُطلق عليه "التعليم المنزلي". ينتظرن عاماً بأكمله لشراء مستلزماتهن من الكتب والألعاب التعليمية والفيديوهات المصورة، التي تعلمهن وتثقفهن قبل أولادهن، في ظل عدم توافر مناهج التعليم الموازي وأدواته في كثير من المكتبات، علاوة على صعوبة الوصول إليها.
فأمل فتحي، وهي خريجة كلية حقوق وربة منزل تعيش فى مصر الجديدة، أكدت أنها تنتظر معرض الكتاب لشراء مجموعة من ألعاب منهج "منتسوري" لابنتها فريدة التي يبلغ عمرها عامان ونصف: "في الفترة دي يحتاج الأطفال لتعليم بشكل مختلف، وأنا بعتمد على منهج "منتسوري" لسهولته، ولأن ألعابه بيكون لها تصميم خاص من الخشب الثقيل والألوان الواضحة، فبيكون معرض الكتاب المنفذ لي لأن أشتري أكبر كمية من الألعاب دي، خصوصاً أنها مش سهل الوصول ليها في الأماكن العادية".
أما هدى الرافعي، كاتبة مهتمة بالتعليم المنزلي، فأكدت أن معرض الكتاب يقدم بالفعل كتب تساعد على التعليم المنزلي ويمكن وصفها بأنها "لقطة": "المعرض بالنسبة لي مهرجان، بستفاد منه في الخصومات المالية، وإن فيه تجميع لأغلب دور النشر، علشان كده بأجل شراء أي شيء طول العام حتى أقوم بالشراء مرة واحدة من خلاله، واشتريت منه حاجات كتير لإبنتي ممكن تستني لـ10 سنين قدام". تركيز هدى فى الشراء كان على "المجموعات العلمية اللي بتقدم تجارب يمكن صنعها بالإضافة إلى السلاسل القصصية المتنوعة"، مشيرة إلى أن منهج "إغاريد الطفولة" الخاص بالتعليم المنزلي هو المنهج الذى سمعت إنه يتوافر فى المعرض.
نوف العقاد، سورية تقيم فى القاهرة، خريجة كلية هندسة، أكدت أنها بالفعل اختارت منهج "منتسوري" لتعليم ابنتها (عامان) من خلاله. وبالنسبة لها المعرض هو وجهتها الدائمة للحصول على على كافة الكتب التى تشرح هذا المنهج بالتفصيل، بالإضافة إلى الأدوات الخاصة به: "منهج منتسوري من أسهل المناهج فى التطبيق، وفى كتب كثيرة لماريا منتسوري مؤلِّفة المنهج بيكون الوصول لها صعب، لذا انتظر المعرض لشراء مجموعة مكثفة تساعدني طوال العام فى تربية مهارات إبنتي المختلفة".
أما محمد لد مؤلف منهج "مجراية" الموازي، فأكد أن الكثير من الآباء والأمهات ينتظرون المعرض لشراء أدوات تساعدهم فى تطبيق المنهج الموازي الذى اختاروه لأبنائهم، بسبب الخصومات الكبيرة على تلك الأدوات: " شراء المناهج غالباً لا يلجأ إليه الكثيرون إلا لو كان هناك تخفيض كبير عليه، أما الإقبال فيكون على الأدوات التى تساعدهم فى تطبيق الأنشطة الخاصة بالمنهج أو مواد عمل المنهج مثل مجسمات منهج منتسوري والتى يصل سعرها إلى 1000 و1500 جنيه ولكنها بالمعرض بيكون عليها تخفيضات "، وإعتبر محمد أن مناهج التعليم الموازي التى يتم الإقبال عليها هى "منتسوري، ولدروف، كالفرت"..
أحدث تقليعة: خدمة اونلاين لشراء وتوصيل الكتب للبيت
"معرض القاهرة للكتاب 2019 أونلاين"، مشروع أفنان كمال، ربة منزل، يقوم على تلقي طلبات شراء كتب من معرض الكتاب ثم توصيلها إلى الزبائن حتى باب البيت، مع الحصول على نسبة من قيمة المشتريات.
خدمة أبناء المحافظات المختلفة، أو مَن يسكنون فى أماكن بعيدة تتطلب حركة تنقلات كبيرة للوصول إلى المعرض. كانت الفئة المستهدفة التى وضعتها "أفنان" نصب عينيها من محافظة أسوان: " بسبب نقل المعرض إلى منطقة التجمع الخامس، فالوصول له مبقاش سهل على الجميع، وأحيانا فى ناس مش بيكون عندها وقت حتى بسبب أعباء الشغل والبيت والأولاد، علشان كده أطلقت الخدمة دي وهدفي أن أساعد اللي حواليا وافيد واستفيد".
"الفكرة جاءت لي عندما طلب أقارب لي من مدينة أسوان شراء قائمة من الكتب المختلفة من معرض الكتاب بسبب عدم قدرتهم على السفر إلى المعرض. وكانت القائمة متنوعة وكبيرة وتطلبت مني بحث كثير". بهذه الكلمات تحدثت أفنان عن مشروعها المبتكر، الذى يتوقف مع نهاية معرض الكتاب، مشيرة إلى أنها تنوى الاستمرار فى تقديم تلك الخدمة فقط بالتزامن مع إقامة المعرض سنوياً.
***
في النهاية، معرض الكتاب هو أحد أهم الفعاليات الثقافية فى مصر التي تخلو من أي منكّهات، سياسية كانت أو دينية. وكان من الضروري التركيز على حركة المواطن فى آخر مساحة للحرية ممنوحة له، وهى الحصول على الثقافة، بعيداً عن "ميكروفونات" السلطة!