الأسبوع الماضي ألقى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، خطابه في القاهرة، موضحًا أولويات والتزامات إدارته نحو المنطقة. لم يكن بالخطاب أي شيء جديد من ناحية السياسة الخارجية التي بدت واضحة خلال عامين من حكم ترامب، ولكن الجديد كان كم الاحتقار الذي مثله الخطاب لعموم شعوب المنطقة.
الخطاب كان يتحدث لجمهور ترامب بالولايات المتحدة وحكام المنطقة من الدكتاتوريين الجالسين خلف مكاتبهم دون أدنى نظر للملايين الذين يقطنون هذه المنطقة. حمل الخطاب ثلاثة توجهات رئيسية لم يدخر الوزير أي جهد للتأكيد عليها: 1- محاربة داعش والتطرف الإسلامي. 2- مواجهة إيران. 3- دعم إسرائيل.
ربما يرى البعض أن هذه التوجهات هي دائمًا رؤية الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وبالأخص الجمهوريين منهم، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن الملفت والمذهل هذه المرة، أن هذا الخطاب حتى لم يبال بتجميل الصورة ببعض الديباجة حول أمريكا «كقائدة للعالم الحر»، وما يتبعه ذلك من رطان حول دعم حقوق الإنسان، أو عن السلام العادل والشامل وحل الدولتين، أو حتى عن سماحة الإسلام وأن المتطرفين أقلية.
كان الخطاب، ليس فقط على نقيض خطاب أوباما في القاهرة منذ عشر سنوات، والذي أفرد بومبيو مساحة واسعة لمهاجمته بحدة، ولكنه حتى كان على يمين خطاب كوندليزا رايس، وزيرة خارجية إدارة جورج بوش، والذي ألقته في نفس المكان (الجامعة الأمريكية بالقاهرة 2006). كان الفرق ليس فقط بين إدارتين، ولكنه الفرق ما بين العالم العربي اليوم وقبل عشر سنوات.
جاء بومبيو ليتحدث في القاهرة التي شهدت وأد موجة انتفاضات الشعوب العربية، فلم يذكر أي شيء عن عشرات الآلاف في سجون مصر والسعودية، أو عن الحريات والحقوق المنزوعة بالقوة، بل على العكس أشاد بالرئيس المصري مرتين وبحلفائه في السعودية والأردن والإمارات. اختار أن يتحدث من مكان معزول بمقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة في التجمع الخامس، وليس في قلب القاهرة كما فعل أوباما ومن قبله كوندليزا رايس. فحتي اختيار المكان كان بالمعنى الرمزي شديد الدلالة على عدم الاكتراث بالدائرة الأوسع من المصريين. وحتى في إشاراته المتعددة للحكام العرب، أشار لهم كحلفاء في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية وليس كقادة ذوي رؤى مستقلة أو إنجازات خاصة بشعوبهم.
التعامي الكامل عن كل ما يخص الشعوب في الخطاب غير أنهم مفعول به -متلقون للمساعدات الأمريكية التي عددها الوزير لتشمل: حرب العراق، الحرب الدائرة في اليمن، والضربات العسكرية في سوريا- جاء متسقًا مع اللحظة التاريخية في المنطقة، وذات الاحتقار من الحكام العرب للشعوب أو ما كان يسمى بالرأي العام. فالتحالف الاستراتيجي ليس فقط تحالف ضد الإرهاب كما أشار الوزير، ولكنه تحالف ضد كل ما هو معارض للسياسة الأمريكية وممارسات الحكام العرب.
بنى الوزير خطابه على ثنائية الخير مقابل الشر، وهي ذات الثنائية التي نعرفها جيدًا كمصريين من خطابات السيسي، الولايات المتحدة «قوة خير» في مقابل قوى الشر وعلى رأسها إيران، في تضاهي مع رؤية السيسي عن «أهل الشر»، وإن كانوا في تعريف الأخير أكثر وأوسع من إيران.
هذه الرؤية المبسطة للعالم بين قوى الخير والشر، وإن كانت جديرة فقط بالأطفال دون الخامسة، إلا أنها جزء أساسي من التصور الذي يرسمه اليمين الديكتاتوري للعالم، ليس فقط ليتجاوز كثيرًا من تعقيدات هذا العالم، ولكن ليبرر أفعال البطش دون وجود منطق أو مسببات؛ فتصبح حرب اليمن والكارثة الإنسانية هناك محاولة لإحلال السلام ويكون، «ضمان امتلاك إسرائيل القدرة العسكرية.. بشكل حاسم»، كما قال الوزير، هو ضرورة للدفاع عن النفس. تمامًا كما تمثل ثنائية قوى الخير والشر هذه المرجع لممارسات السيسي في البطش بمعارضيه، وربما ليست مصادفة أن الفارق أقل من 24 ساعة ما بين الحكم على أحمد دومة (واحد من آلاف المسجونين السياسيين في مصر) في إحدى محاكم القاهرة، ووقوف الوزير ليلقي خطابه بذات العاصمة.
النص الكامل على موقع "مدى مصر"