عيد "حانوكا".. كيف أضفت عليه الصهيونية بعداً قومياً؟

تستعرض هذه المادة، التي نشرها “متحف الشعب اليهوديّ” في موقع “هآرتس”، وترجمها ونشرها موقع "متراس"، فصلاً صغيراً من المنهجيّة الصهيونيّة التي أعادت تأويل الطقوس والنصوص والميثولوجيا اليهوديّة في خدمة الأيديولوجيا الاستعماريّة.
2018-12-20

شارك
الرسم من موقع "متراس"

عن موقع "متراس" - ترجمة: سجى أبو فنّة

تستعرض هذه المادة، التي نشرها “متحف الشعب اليهوديّ” في موقع صحيفة “هآرتس”، فصلاً صغيراً من المنهجيّة الصهيونيّة التي أعادت تأويل الطقوس والنصوص والميثولوجيا اليهوديّة في خدمة الأيديولوجيا الاستعماريّة. طرحت الصهيونيّة قراءة علمانيّة للنصوص الدينيّة، وشدّدت فيها على الأبعاد السياسيّة ومواضع البطولة في هذا التاريخ. ينسحب هذا على عدد هائل من الأعياد والنصوص والطقوس والآثار وغيرها. وكلّ ذلك في سبيلها لخلق مشاعر شوفينيّة تحفّز على العصبيّة “القوميّة” والعدوانيّة. وتقترح شخصيّة “اليهوديّ الفاعل” القويّة عوضاً عن “اليهوديّ الملاحَق” الضعيفة – إلا أنّ هذا الاستقواء لم يكن مستخدماً ضدّ الملاحقة الدمويّة الأوروبيّة لليهود، وإنما بالتحالف معها ضدّ العرب في فلسطين.

قصّة عيد الأنوار -الحانوكا- بحسب المعتقد اليهوديّ اليوم هي قصّة عيد يُشكر فيه الرب لثمانية أيّام على نصره لليهود (من سلالة الحشمونائيين أو المكابيين) بين عامي 167 و160 ق.م، ضد حكم أنطيوخوس الرابع الذي فرض “أحكام أنطيوخوس” التي تمنع اليهود من إقامة شعائرهم الدينيّة. بحسب الأسطورة اليهوديّة، حرّر المكّابيّون الهيكل الثاني، وحين دخلوه للاحتفال بالنصر وجدوا قارورة فيها من الزيت ما يكفي لإشعال الشمعة ليومٍ واحدٍ، إلا أنّ هذا الزيت استمر بمعجزةٍ لثمانية أيّام من الشكر والتعبّد. في هذه السطور، نرى كيف هُمّش البعد الدينيّ من خلال تهميش قصّة المعجزة، والتشديد الاحتفاليّ على البعد السياسيّ للقصّة.

مطلع ثلاثينيّات القرن الماضي نشرَ شاعر عبري شابّ مغمور، واسمه أهرون زيئيف، قصيدةً بعنوان “إنّا نحمل المشاعل”، والتي شاعت واشتهرت بسرعةٍ كبيرةٍ بين محبّي الشعر في صفوف الحركة الصهيونيّة. وقد برز على وجه الخصوص نصّ اللازمة الذي قبض على فكرة جوهريّة لدى الحركة الصهيونيّة: “لم تحدث لنا معجزة. لم نجد قارورة زيت. نقّبنا في المحجر حتّى أُدمينا، فكان الضوء”.

كثّفت كلماتُ اللازمة رواية الحركة الصهيونيّة، والتي تعتبر أهم إنجازاتها تقديمَ نموذج لليهوديّ الجديد. اليهوديّ باعتباره فاعلاً، سيّداً على مصيره، اليهوديّ الذي يفطم نفسه من إدمانٍ خاملٍ طالَ ألفيّ عام؛ الإدمان على المعجزات، وباعتباره نموذجاً يركل قيم الآباء كما كانوا في الشتات الّذين قسّموا وقتهم بين قضايا مصيريّة مثل “هل أكل البيضة التي تبيضها الدجاجة يوم العيد حلال أم حرام؟” و”أين نختبئ حين تأتي المذبحة القادمة؟”، هذه القصيدة الهامّة ساهمت في سعي مثقّفي الحركة الصهيونيّة لإعادة صياغة معاني “عيد الأنوار” ونقله من معناه الدينيّ الروحيّ إلى معناه القوميّ.

حتى تأسيس الحركة الصهيونيّة، استندت الفكرةُ الأساسيّةُ لعيد الأنوار على المركّب الدينيّ وسيرة معجزة “قارورة الزّيت”. حكماء اليهوديّة حتّى القرن السادس بعد الميلاد، الذين ناهضوا سلالة “الحشمونائيم”، حاولوا إخفاء دور هذه السلالة في قصّة العيد، ومن خلال ذلك اقتلاع البُعد القوميّ لصالح البعد الدينيّ. حكماء اليهوديّة هؤلاء، الذين ترأسوا قيادة اليهوديّة في الشتات، حملوا مسؤولية رفع الروح المعنويّة لليهود الذين عاشوا دون سيادةٍ، ودون استقلاليّة، وتحت اضطهاد وملاحقات وطرد مستمر. البُعد السحريّ-الدينيّ في قصّة عيد الأنوار لعب دوراً هاماً في عزاء ملايين اليهود في الشتات، وإعطاء الأمل بعدالة ماورائيّة ستحدث في يومٍ من الأيّام.

وكما هو معروف، فإنّ المنتصرين هم من يكتبون التاريخ. وفي الحالة اليهوديّة وعلى مرّ ألفي سنة كان حكماء الديانة اليهوديّة هم من يكتبون التاريخ. قصّة معجزة “قارورة الزّيت” ذُكِرَت في التلمود البابلي وفي مصادر دينيّة أخرى باعتبارها السبب الرئيس للاحتفال بـ”عيد الأنوار”. حكماء اليهوديّة، باعتبارهم من يتولّون ترجمة هذه الأفكار إلى طقوس واحتفالات، عدّلوا بعض الأحكام الدينيّة التي تخصّ قصّة المعجزة. وهكذا أصبحت طقوس إضاءة الشمعدان رمزاً أساسياً للعيد.

ولكن على عكس قصة معجزة قارورة الزيت التي كُتبت في فترة المنفى البابلي، وبعد مئات السنوات من وقوع تلك الأحداث، فإنّ المصادر التاريخية التي كُتبت في فترة الثورة [الحشمونية] توجد بالذات في الكتب الخارجية، والتي اقتُلعت من “الشريعة” اليهودية على يد حكماء اليهودية بسوء نيّة. ويُقصد هنا بالذات كتب “المكابيين”، التي تستعرض تسلسل الأحداث أثناء الثورة الحشمونية بتفاصيل دقيقة، ولذلك فإنّ مصداقيتها التاريخية أعلى بكثير من القصة الأسطورية لمعجزة قارورة الزيت.

إذا أخذنا قصّة عيد الأنوار كما وُصفت في كتب “المكابيين”، وأجرينا “نسخاً ولصقاً” على الرواية الصهيونيّة وإقامة دولة إسرائيل، سنجد تطابقاً في عوامل القصّة ومصطلحاتها: إمبراطوريّات مستَعبِدة، قلّة مقابل أكثريّة، وأقليّة تحمل أيديولوجيّة خرجت للنضال بحثاً الحريّة القوميّة، ومن ثمّ إقامة كيان سياديّ يهوديّ في أرض إسرائيل.

كبار الحركة الصهيونيّة عرفوا أنّ رواية عيد الأنوار هي قصّة أسطورة شعبيّة عليهم إحياؤها. إلّا أنّه كانت هنالك مشكلة واحدة؛ على مرّ آلاف السنوات كان حكماء اليهوديّة هم من سردوا قصّة عيد الأنوار، وكما هو معروف وذكر أعلاه، فإنّ هؤلاء ارتكزوا في سرديّتهم على المعجزة الإلهيّة، وليس على النضال القوميّ للسلالة الحشمونيّة. الحلّ الذي اقترحه أهرون زيئيف من خلال قصيدته كان عبقرياً ببساطته: من خلال الاستفزاز العلمانيّ الضارب في القصيدة، ينجح باقتلاع المركّب الدينيّ والإبقاء على الجوهر القوميّ.

وكما فعل حكماء اليهوديّة، فعلت الحركة الصهيونيّة حين أعادت تقويم طقوس العيد وروايته لصالح احتياجاتها الأيديولوجيّة. تُرجمت قصّة عيد الأنوار إلى طقوس قوميّة. أما لطقوس إضاءة الأنوار فقط أضيفت نصوص للقراءة؛ معزوفات وعروض شعريّة وغنائيّة، وبالطبع خطابات احتفاليّة، والتي غالبها تربط بين انتصار السلالة الحشمونيّة وبين أمل وحلم انتصار الحركة الصهيونيّة.

النص الأصلي على موقع "متراس"

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...